رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

أزمـــــة الحـــلم الأمريكــــي

تروج في العالم كله شرقه وغربه، شماله وجنوبه منذ وقت طويل أضغاث أحلام عن المستقبل المأمول الموحد للإنسانية؛ وأكثرها رواجًا كان الحلم الأمريكي.

 

وأضغاث الأحلام هي أحلام مختلطة ملتبسة جميلة بقدر ما هي وهمية، وقد تكون عمليًا قصورًا في الهواء. واعتمدت أساليب الدعاية السياسية في معظم بلاد العالم علي بيع حلم فاتن متنكر في صورة دعوة برنامجية؛ رأسمالية بلا طبقات تجمع الحرية إلي الرخاء، أو اشتراكية بلا بيروقراطية، أو خلافة توحد الدولة والدين. ويختلق الحلم عادة مقدسات للأمة، أو حضارة لها أو دورًا تاريخيًا.

وتضمن الحلم الأمريكي ادعاء أن نظام البلاد «الحر» الحالي يتيح لأي فرد بصرف النظر عن أصله الطبقي تحقيق المكانة الرفيعة بواسطة الجهد الذي يقدر علي بذله وتؤهله له كفاءته، فهو يصعد للدرجات العليا في السلم الاجتماعي ويشارك في الحكم اعتمادًا فحسب علي عمله وجهده وإتقانه لهذا العمل. ومصطلح الحلم الأمريكي صاغه المؤرخ جيمس تراسلو آدامز في عام 1931 في خاتمة كتابه «ملحمة أمريكا»، وعرفه بأنه حلم بنظام اجتماعي يتيح لكل فرد دون اعتبار للونه أو للوضع الطبقي للمهد الذي ولد فيه أن يحقق الثراء والنفوذ اعتمادًا علي عمله ومواهبه. وادعي آدامز أن هذا الحلم قد تحقق فعلاً في الحياة العملية الأمريكية أكثر من أي مكان آخر، وإن يكن علي نحو ناقص. ولا يذكر أحد آدامز اليوم، ولكن أي حملة انتخابية سياسية لا تخلو من إشارات متكررة إلي الحلم الأمريكي، فهو صيغة ذات شعبية جماهيرية للحراك الاجتماعي، لحصول الأبناء علي تعليم ومستوي اقتصادي أعلي من آبائهم. ولكن ذلك لم يعد يتحقق الآن. فقد كف متوسط الدخول عن الارتفاع منذ زمن طويل، بل لقد انخفض بالفعل. وفي السنوات الخمس عشرة الأخيرة تضاعف معدل فقر الأبناء بالنسبة إلي آبائهم أربع مرات، ووصل إلي 40% فقط. وكانت الفكرة السائدة منذ مائة عام أن الجامعات الحكومية هي وسيلة لإتاحة فرص الصعود أمام كل الأمريكيين والتخلص من الفوارق الطبقية وإتاحة فرص لصعود الفقراء إلي الثراء. ولكن العقبة التي تعترض تلك الفكرة هي حقيقة أن أداء الطلبة في التعليم متضايف مع مستوي البيوت التي جاءوا منها وعمل الأهل وتعليمهم وحالة العلاقة الزوجية وكيفية إنفاق الوقت. فحياة الطبقة العاملة تتسم بمعدلات عالية للجريمة والعمل غير المستمر وغير الآمن وانحلال العائلة. والمجتمع الأمريكي السابق أفضل من الحالي، كما أن رأس المال الاجتماعي (شبكة العلاقات الاجتماعية) تتآكل خيوطها الآن بقدر أكبر. فإتاحة التعليم عامل محدود التأثير في الصعود. وليس عصر المستوي المعيشي المرتفع سوي حدث عابر في التاريخ الاقتصادي، فالنمو المتحقق هو برمته من حصة الخمس الثري، وفي إطار هذا الخمس نفسه توزيع غير عادل علي نحو شديد، فواحد في المائة من العائلات ضاعفوا دخولهم منذ عام 1980. لذلك أضحي أغني الأغنياء أي حوالي مليون مواطن يملكون اليوم ثلث مجموع الثروة التي يمتلكها جميع سكان الولايات المتحدة الأمريكية. وارتفعت دخول مديري المشروعات الكبيرة وهو دخل ضخم أصلا بمقدار 66% منذ عام 1976. وكانوا يحصلون في عام 1980 علي دخول تزيد بمقدار أربعين مرة عما يحصل عليه مستخدموهم العاديون. أما اليوم فقد ارتفعت هذه النسبة وبلغت واحدًا إلي مائة وعشرين مرة. وفي الفترة ما بين 1979 و1995 خسر 43 مليون مواطن أمريكي فرص العمل. وكان ما يزيد علي 20% من مجموع المستخدمين والعمال أعضاء في إحدي النقابات عام 1980، ولم تعد هذه النسبة تبلغ سوي 10% فقط اليوم. ونتيجة لذلك تزايدت اللامساواة وضعفت القدرة علي مقاومتها، وانخفضت أجور ذوي الياقات الزرقاء من العمال أو ظلت راكدة في أحسن الأحوال، وترتفع بينهم معدلات استعمال المخدرات والجريمة والطلاق. ويبدو التوقع الروتيني لحراك إلي أعلي مثل ذكري بعيدة. ويجمع الباحثون علي أن عدم المساواة في الدخل والثروة تفاقم دراميًا وأن زوال العائلة التقليدية ذات الأبوين أكثر بروزًا ويرجع إلي الطبقة لا إلي العنصر. ومعظم الآباء الموسرين حاصلون علي تعليم عال ومتزوجون ويذهبون إلي الكنيسة، ولهم شبكة علاقات اجتماعية ممتدة يعتمدون عليها ولهم تأثير في تعليم أبنائهم ويدفعون للمدرسين الخصوصيين ويشجعون أبناءهم علي ممارسة الرياضة، علي النقيض من أبناء العمال الذين يتسربون من المدارس ولا يكملون تعليمهم. وينفق عشر السكان علي حراسهم المسلحين نصف ما تنفقه الدولة علي الشرطة. ويسود نشرات الأخبار ادعاء أن المنافسة الأجنبية سبب أي محنة تصيب الأمريكيين وتقنعهم بأن خلاصهم يكمن في كراهية الآخرين والانكفاء علي الذات.

إن فكرة الحلم الأمريكي لا تصف بالفعل طبيعة المجتمع الذي يزداد ابتعادًا عن أضغاث الأحلام رغم أنه يظل أملاً للمضَلّلين في العالم الثالث.  


لمزيد من مقالات ابراهيم فتحى

رابط دائم: