رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

هل ستجدد نفسها؟

شكلت الأحداث الإرهابية على واشنطن ونيويورك، فى سبتمبر 2001، منعطفًا حادًا للولايات المتحدة، فى علاقتها بالشرق الأوسط والجماعات الجهادية

المتطرفة، صحيح أنها استخدمت تلك الجماعات، بالحشد الذى جمعته فى أفغانستان للحرب المزدوجة الهدف، بوصفها حربًا تحريضية معلنة على من أسمتهم الملاحدة السوفيت، وهى أيضًا حرب بالوكالة عنها ضد الاتحاد السوفيتى بوصفه قطبًا منافسًا لها، والتى انتهت بانتصار تلك الجماعات فى أفغانستان 1989، وانهيار القطب السوفيتى 1991، وصحيح أيضًا أنها قد تنصلت من تلك الجماعات بعد الفوز وتصيد المنفعة؛ إذ تخلت الإدارة الأمريكية، وانصرفت غير ضامنة لشيء، سوى فقدان كل أسس الطمأنينات السابقة لتلك الجماعات، وتبدت خديعتها بعد انتهاء المهمة والانتصار، الذى كشف خيار الإدارة الأمريكية الضمني، ومعيارها فى التخارج عن خريطة علاقتها بذلك الحشد من تلك الجماعات وقضاياها، لكن الصحيح كذلك أن الإدارة الأمريكية لم تدرك خطورة العنف، وخصوصية منطلقاته، ووثوقية غاياته فى البنية الفكرية لتلك الجماعات، وراحت تمارس هيمنتها الشمولية، فى ضوء إيمانها بأن سقوط الشيوعية يعد تجسيدًا لنهاية التاريخ، باعتبار أن الديمقراطية الليبرالية بوصفها نهاية التطور السياسى هى نهاية التاريخ. أدركت الولايات المتحدة بعد الاعتداءات الإرهابية الخارقة عليها 2001، أنها ليست بمنأى - جغرافيًا- عن العنف العارى للإرهاب؛ لذا سعت إلى مضاعفة سيطرتها على الشرق الأوسط، باستحداث آليات الانصياع؛ تحقيقًا للهيمنة تسلطًا وتبعية، فطرحت مشروعين متتاليين تأكيدًا لهيمنة الأمركة، إذ فى عام 2002 أعلن وزير الخارجية وثيقة تسمى (الشراكة الأمريكية- الشرق أوسطية)، تطرح مشروعها بغطاء الدفاع عن ممارسة الحقوق، وتكييف شعوب المنطقة مع المتغيرات. ركز المشروع على ضرورة دعم الإصلاحات كافة، كما أشار إلى محاولة نقل حالة العداء للولايات المتحدة إلى مرحلة الصداقة معها، وذلك ما يعنى اصطناع مستقبل تسود فيه الهيمنة الأمريكية التى لا تعرف الحلفاء أو الأصدقاء، بل تعرف الأتباع؛ لذا حصر المشروع وحاصر مشكلات كل بلد على حدة، طارحًا البرامج والتوجهات المطلوبة للإصلاح، وبذلك أصبح المشروع يقود الأفراد والجماعات، وفقًا لبواعثه المصلحية المباشرة للولايات المتحدة فى ضوء التمويل المدرج للتنفيذ. ظل المشروع يعمل حتى عام2014، حيث فضحت مخفياته التى تطفح بالاستحواذية والهيمنة؛ إذ نتيجة دعوى قضائية تم رفع الحظر عن وثيقة مفادها أن إدارة الرئيس أوباما أقرت بتاريخ 22 أكتوبر 2010 خطة بعنوان (مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية)، تستهدف تغيير الأنظمة الحاكمة فى كل من: اليمن، والسعودية، ومصر، وتونس، والبحرين، وسوريا، وليبيا، باستثناء إيران. حددت الوثيقة أن يتولى موظفو السفارات الأمريكية المعنيون إدارة التمويل، ويعملون ضباط ارتباط مباشرين مع المنظمات المحلية غير الحكومية، وسواها من مؤسسات المجتمع المدنى لإحداث التغيير بتوجيه التمويل للاستجابة لهذه الاحتياجات، وتتضمن الوثيقة خطط دعم إدارة الرئيس أوباما لجماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من حركات الإسلام السياسى الحليفة، التى سادت قناعة بأنها متوافقة مع أهداف السياسة الخارجية الأمريكية فى المنطقة. إنها الأمركة المتشبثة بالهيمنة، تسعي- بالتآمر، والتكاذب، وتقنيات المخادعة- إلى استلاب الجغرافيا من خريطتها، كى تمتلك مواطنى بلدان الشرق الأوسط، وتجردهم من ممارسة حقوقهم فى بلادهم، ثم تفرض تتويج خدامها حكامًا عليهم ينفذون تعليماتها. ولأن الأمركة توقن أنها نهاية التاريخ الإنساني؛ لذا فهى تنطعًا تسوق نفسها بوصفها الضامنة الوحيدة لسلامة كل القيم وفاعليتها.

فى عام 2003 طرحت وزارة الدفاع الأمريكية مشروعًا لنظام تجاري، بإقامة سوق للمضاربة على مستقبل الشرق الأوسط بالإنترنت، يستهدف استخلاص الحدث السياسى والاقتصادى من كتلة الدلالات المسردة والمضمرة، فى واقع الشرق الأوسط، بوصف الحدث السياسى أو الاقتصادي، هو كل ما لم يزل قيد التصور والتنفيذ معا؛ لذا يمكن للمستثمرين من خلال الدلالات أن يراهنوا على أحداث سياسية أو اقتصادية يتوقعون حدوثها فى الشرق الأوسط، وتشمل هذه المراهنات اغتيال شخصيات سياسية، أو الإطاحة بأحد الزعماء، أو حدوث انقلاب، حيث يستخدم مجموع هذه الخيارات برهاناتها الفردية والجماعية، مؤشرًا يساعد الولايات المتحدة على التنبؤ بالأحداث فى منطقة الشرق الأوسط، استنادًا إلى المعلومات الواردة من المستثمرين، التى من الممكن أن يعزى إليها إنتاج الوقائع والأحداث، وتحدد شاشة الإنترنت مخطط السوق المطروح للرهانات، وتشمل الدول التالية: مصر، وإيران، والعراق، وإسرائيل، والأردن، وسوريا، والسعودية، وتركيا. قد تكون الفكرة الأساسية للمشروع أنه واسطة لرؤية الواقع. لكن ألا يخلط هذا المشروع بين الواقعى وطريقة رؤيته؟ هل وزارة الدفاع الأمريكية باختيارها الاستثمار فى الإرهاب، عن طريق سوق تحليل السياسات بالمراهنة على أحداث فى الشرق الأوسط، تحاول تغيير توجه الجماعات الإرهابية بعيدًا عن بلادها؟ أم أن برنامج المراهنة على أماكن وأحداث إرهابية فى الشرق الأوسط، يدعم هيمنة الأمركة وسيادتها على المنطقة وفقًا لآليات الترهيب، بتداول المخاوف الجماعية من الإرهاب بين بلدانها؟ إن المعاينة النقدية كشفت عن رفض حاد لبرنامج وزارة الدفاع، ولابد من التوقف أمام الموجة العالية من الرفض التى أعرب عنها أعضاء الكونجرس، وتحديدًا رسالة لعضوين من المجلس إلى وزارة الدفاع، لأنها طرحت السؤال المفتقد، والجواب الممتنع لبرنامج خارج شرعية الحق إجمالاً، إذ نبهت الرسالة إلى أن ( إنفاق أموال دافعى الضرائب على تأسيس مواقع للمراهنة على الإرهاب هو مضيعة للمال، كما أنه أمر يثير الاشمئزاز. إن الشعب الأمريكى يريد من الحكومة الفيدرالية استخدام مصادرها لتعزيز أمننا، وليس المراهنة عليه..... هل للمرء أن يتصور إقدام دولة أخرى على إقامة مركز مراهنات، يمكن للناس أن يدخلوه ويراهنوا على اغتيال شخصية أمريكية، أو الإطاحة بهذه المؤسسة أو تلك؟)، أجبر الرفض الحاسم وزارة الدفاع أن تعترف أمام الكونجرس بإلغاء إقامة سوق للمضاربة على مستقبل الشرق الأوسط عبر الإنترنت، بحجة أن الاقتراحات التى قدمت للمراهنة جاءت على قدر كبير من الخيال، لكنها لم تفصح عن هدفها من استثمار الإرهاب، والمراهنة على أحداثه فى أسواق الاستهلاك، ومأسسته فى الشرق الأوسط ؟

إن مستشار الأمن القومى الأمريكى الأسبق، زبيجنيو بريجنسكي، فى كتابه الصادر 2012، بعنوان( الرؤية الاستراتيجية... أمريكا وأزمة القوة العالمية)، يؤكد أن(أمريكا استفادت من علاقاتها القوية مع أكثر الدول قوة فى الشرق الأوسط قبل خمس وثلاثين سنة، إلا أن تلك العلاقات تمضى نحو الانحسار، وأصبح الموقع الأمريكى يتدهور تدهورًا واضحًا). صحيح أنه يعترف بأن أمريكا مارست هيمنتها فى إدارة العالم لنصف قرن، لكن الصحيح كذلك أنه بمضاهاة موضوعية للأوضاع العالمية يؤكد إن ( العالم فى القرن الواحد والعشرين يطرح تحديات مختلفة، ويشهد كذلك تبددًا للقوة العالمية فى ظل صحوة دول آسيوية طامحة)؛ لذا تبدت نصيحته (بأن استقرار العالم يعتمد على تجديد أمريكا نفسها، والتصرف بحكمة فى تعزيز وتنشيط الغرب وإنعاشه، وعلى التوازى عليها العمل على خلق توازن ومصالحة فى الشرق الصاعد). هل تصغى أمريكا إلى نصائح مفكريها ؟


لمزيد من مقالات د. فوزى فهمى

رابط دائم: