رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

المعارَضة والرفض والشماتة والتدليس..

دخلت بعضُ الآراء والأحكام على ألسنة وأقلام فئات من السياسيين والكُتّاب عالمَ العجب العجاب! وكان آخرها، وبمجرد الإعلان عن اكتشاف حقل الغاز فى المياه الإقليمية قبالة الدلتا، أن سارَع بعضهم بتعليقات حاسمة، بأن كمية الغاز فى هذا الحقل محدودة، كما أنه سريع النضوب، مهما كانت كمية المخزون، وأن احتياطاته، مهما بلغت ضخامتها، فهى لا تساوى انتاج السعودية فى عام ونصف، ثم نعود إلى ما نحن عليه! وكل هذا فى تناقض صريح مع الإعلان المبدئى للشركة الإيطالية صاحبة الاكتشاف، وقبل أن تتبين التفاصيل الدقيقة!

كلامهم القاطع من المفترَض أن يكون على قاعدة صلبة من معلومات ثابتة، ولكن هذه المعلومات غير متاحة بعد!

دعك من التهور فى الحكم قبل النظر، وحاول أن تُفسِّر دوافعَ صاحب الكلام، وخلفيته الفكرية والسياسية، كما أنه من المهم تناول تكوينه النفسى!

هؤلاء أنفسهم ينتقدون مشروع تطوير قناة السويس، ويتعمدون إبداء الاستهانة به ويقولون إنه لا يتجاوز أن يكون «ترعة» أو «تفريعة»، واستظرف واحد منهم بأنه مجرد «طشت»! ورغم أن أغلبيتهم الساحقة أبعد ما يكونون عن تخصصات الحفر وإزاحة الرمال والتكريك وما إلى ذلك، إلا أنهم أباحوا لأنفسهم أن يُصدروا الفتاوى فى أكثر من كل هذا ليصلوا إلى الجزم بفشل المشروع من الناحية العلمية! ولما ضربت موجة الحرّ الرهيبة الإقليم وتأخر العمل عدة أيام أو عدة ساعات عن المعدلات السابقة التى كانت متجاوزة للخطة، راحوا يهللون لعبقريتهم! ثم، وبعد أن نجحت المهمة فى الوقت المحدد لها، انطلقت الانتقادات عن المبالغة فى الاحتفالات! وما أن مرّت عدة أيام، حتى تعجبوا من أن المشروع لم يحقق المليارات الموعودة!

وأما مشروع استصلاح ملايين الأفدنة، فلا يرون فيه إلا أنه استنزاف للمياه الجوفية!

وهناك من لا يقيمون أىَّ وزن لأىِّ إنجاز فى مجالات الاقتصاد أو الخدمات أو على مستوى التصدى للإرهاب، منذ الإطاحة بحكم الإخوان وحلفائهم، وحجتهم أن أى انتهاك لحقوق الإنسان يتبدد أمامه أى شىء آخر. ولكنهم لا يدركون تناقضهم شديد الوضوح عندما يشيدون، هم أنفسهم، بتجربة الصين فى الانتاج والتصدير، ويأخذون على نظام الحكم فى مصر أنه لم يحذُ حذوَ الصين، متجاهلين أن الصين من أكثر الدول التى تُوجَّه لها انتقادات شديدة من المنظمات الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، بل إن زعماء الصين أعلنوا رؤيتهم وموقفهم صراحة أنهم لن يدمروا بلادهم، مثل السوفييت، ثم مثل روسيا، مقابل بعض الحقوق التى، فى رأيهم المعلَن، لا يتمتع بها سوى أعداد محدودة، فى حين أن الشعب فى حاجة أكثر إلحاحاً لحقوق، يرونها أبدَى، فى الحياة وفى الأمن وفى العمل وفى توفير سبل إنسانية لمعيشته..إلخ!

وسرعان ما يهاجمون بشراسة إذا ما علقت بعض التهم بأحد المسئولين الكبار، ويعلو انتقادهم لغياب الأجهزة الرقابية التى يرون أن دورها أن تكتشف فساد الفاسدين قبل أن يتولوا المسئولية. ولكن هجومهم لن يقلّ شراسة إذا قامت هذه الأجهزة، فى حالات أخرى، بما يطالبونها به! ونقدهم هذه المرة للدولة البوليسية التى تمنع أصحاب الكفاءة من الحصول على استحقاقاتهم فى المناصب!

وعند اللجوء للقضاء لحسم الأمر، فالحكم مُسيَّس لدى من أُدِين! بل وأحياناً يُوجَّه النقد للحكم إذا انتصر لهم، لأنه، كما يقولون، بناء على أوامر حسبت أنه لا يمكن تمرير الخطأ!

وهناك موقفهم الغريب الباعث على الارتياب من مراوغة الجانب الإثيوبى فى مشروع سدّ النهضة الذى يترتب عليه تهديد لمسائل خطيرة فى حياة المصريين، الشعب قبل الحكام! هناك شماتة لا يفسرها حُسن النية، مثل التحليلات التى تؤكد الفشل واستحالة التوصل إلى اتفاق يلبى احتياجات المصريين ويلتزم بالاتفاقيات الدولية التى تتمسك بها مصر!

وهناك مآخذ أخرى يأخذونها على نظام الحكم، فى قضايا معقدة مركبة منذ عقود، ولكنهم يعبرون عن دهشتهم أنها لم تحل خلال العامين الأخيرين، مثل تدهور التعليم، ومثل البطالة، ومثل ضعف الاستثمار، ومثل انقطاع الكهرباء، ومشاكل السكك الحديدية، وتراجع السياحة، بل إنهم لا يشيرون إلى دور التخريب المتعمد من الإخوان وحلفائهم منذ الإطاحة بحكمهم، فى تدمير أبراج الكهرباء وأعمدة التليفونات، وإشعال النيران فى المصانع، وزرع القنابل فى الطريق العام. وهذه وغيرها، كما أنها تنال من الأمن فهى تجعل حسابات أصحاب الأعمال الراغبين فى الاستثمار فى مصر أكثر تعقيداً، كما أنها تُبعِد شركات السياحة عن جلب السياح فى بيئة يريدون لها أن تتسم بالخطورة وافتقاد الأمن.

وهناك شهود الزور الذين يؤكدون، بلا خجل، أن ممثل الإخوان فى القصر الرئاسى كان يحظى باحترام عالمى! وأنه كان يتصدى بشجاعة لأمريكا وإسرائيل!! دون أن يُكلِّفوا أنفسهم عناء تفسير خطابه الغرامى للرئيس الإسرائيلى والذى أعرب فيه عن تمنياته لإسرائيل بالازدهار، كما لم يتوقفوا لإبعاد تهمة دعم السفيرة الأمريكية لهم بعد أن أطيح بحكمهم، ومساعيها المحمومة عندما كانت تلحّ عليهم أن يصمدوا أكثر فى رابعة وأن يعقدوا هناك اجتماعاً لبرلمانهم المنحل بحكم المحكمة الدستورية العليا!

نماذج هذا الأداء متعددة بما يصعب حصره فى مقال، يشارك فيها الإخوان وغيرهم، وهذا كله أبعد ما يكون عن المعارَضة التى تعرفها الدولة الحديثة، وهى الدولة التى خرج الشعب فى 25 يناير وفى 30 يونيو من أجل تأسيسها فى مصر، كما أصرّ الشعبُ على إجراء تعديلات جوهرية على دستور الإخوان من أجل ذات الغرض.

ليس المقصود جحد حق المعارَضة فى النقد، لأنه حق أصيل، يُضاف إليه الحق، غير القابل للمجادلة فى وجوب استحقاقه، فى السعى للحصول على ثقة الجماهير للوصول إلى البرلمان وإلى الحكم. وقد تكون المعارَضة تقدمية أو محافِظة، وقد تكون يسارية أو يمينية، ولكن فى كل الأحوال يجب عليها أن تحترم الشعب، لا أن تتوهم أنه يمكن مسح ذاكرته حتى فيما يتعلق بالأحداث القريبة, ولا أنه بإمكانها، بكلام ساذج وبمنطق متهافت، أن تستغفل شعباً بالكامل وأن تُدخِل عليه الغشّ فى أمور واضحة بذاتها.

[email protected]
لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب

رابط دائم: