رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

مصر فى الصين.. وإحياء ذكرى الحرب العالمية الثانية

تشارك مصر ممثلة فى الرئيس السيسى فى إحياء الصين الذكرى السبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية بهزيمة دول المحور، بعد هزيمة اليابان على الجبهة

الآسيوية وانتهاء احتلالها أجزاء كبيرة من أراضى الصين ودول أخرى، وذلك بعد انتهاء الحرب على الجبهة الاوروبية بهزيمة المانيا وسقوط برلين واستسلامها فى 8 مايو 1945.

وإذا كانت معرفة التاريخ الماضى تمثل وسيلة مهمة لفهم الحاضر ومحاولة لاستقراء المستقبل، فإن ذلك ينطبق بدقة على هذه الحقبة من تاريخ الإنسانية والتى ساهمت فى تشكيل ملامح خريطة العالم التى نعيش فيه الآن، كما ساهمت بوجه خاص فى رسم ملامح وتوازنات القوى والعلاقات الدولية والإقليمية، بما فيها منطقة شرق آسيا خاصة بين الصين وجيرانها.

ويسهم التعرف على تاريخ وأحداث هذه الحرب خاصة على الجبهة الصينية وما انتهت إليه فى الوصول لفهم أعمق لتاريخ هذه القوة الكبرى، التى تؤكد المؤشرات أنها أصبحت لاعبا رئيسيا ومؤثرا فى موازين القوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية فى العالم، خاصة فى علاقتها مع اليابان التى قفزت الصين أخيرا لتحتل مكانتها كأكبر ثانى اقتصاد فى العالم، ومازالت أثار هذه الحقبة تلقى بظلالها على العلاقات بينهما. وعلى الرغم من أن الصين تعتبر عبر التاريخ بمثابة الحضارة الأم التى تأثر بها العديد من ثقافات الدول الآسيوية المجاورة وعلى رأسها اليابان وكوريا وذلك حتى بداية القرن الثامن عشر، إلا أن صعود القوى البحرية الاوروبية وانطلاق اساطيلها إلى سواحل هذا الجزء من العالم بحثاً عن فرص التجارة والاستعمار مثل تحديا لدول الحضارة الآسيوية التقليدية، وهو ما واجهته اليابان بالانفتاح على الغرب فيما يعرف بعصر ميجى للإصلاح تحت قيادة الإمبراطور ميجي، المعاصر لفترة حكم محمد على فى مصر، بينما رفضت الإمبراطورية «شين» الصينية فتح أبوابها للتجارة مع ما أسمتهم بالشياطين الأجانب من القوى الغربية الصاعدة، وهو ما أتاح لليابان الفرصة لتجديد قدراتها من خلال التعرف على ادوات الحضارة الغربية والثورة الصناعية الحديثة وامتلاك قدراتها التقنية والعسكرية، فى الوقت الذى أدى انغلاق الإمبراطورية الصينية إلى ضعفها، بل وانتهاك سيادتها من جانب اطماع القوى الغربية الاستعمارية (حرب الأفيون 1840) وهو ما دعا إلى انتهاز اليابان هذه الفرصة لقلب ميزان القوى لصالحها وفرض سيطرتها على المنطقة، الأمر الذى تحقق من خلال دخولها حربها الأولى مع الصين لتهزمها وتقضى على نفوذها التاريخى فى كوريا بل وتحتل جزيرة تايوان فى عام 1895.

وعلى الرغم من انتهاء العهد الامبراطورى فى الصين بعد نجاح ثورة 1911 بقيادة «د. سن يات صن» لتبدأ أول جمهورية فى الصين الحديثة فى محاولة للحاق بركب التقدم إلا أن اليابان استغلت حالة الضعف والانقسام وعدم الاستقرار داخل الصين لتشن حربها الثانية فى عام 1931 لتحتل اقليم منشوريا بشمال الصين ثم تتوسع لمناطق أخرى، وذلك فى اطار ما عرف بمخطط «تاناكا» الأكبر الذى عكس تصاعد نفوذ القوى العسكرية داخل اليابان وكان يهدف لنشر نفوذ الامبراطورية اليابانية بداية من الصين، ذات الموارد الطبيعية والبشرية الهائلة، إلى بقية آسيا ومنطقة المحيط الهادى ثم العالم، وهو المخطط الذى تلاقى مع المخطط النازى فى الجزء الغربى من العالم ليشكل قوى المحور فى الحرب العالمية الثانية.

وساهمت حرب المقاومة ضد الغزو اليابانى فى مواجهة ما ارتكبته قواته من أعمال عنف، أشهرها مذبحة نانجين، لكسر مقاومة الشعب الصينى إلى توحيد صفوف القوى الصينية المتصارعة خاصة الوطنيين بزعامة شان كاى شيك (رئيس الحكومة الوطنية) والقوى الثورية للشيوعيين بزعامة ماوتسى تون، واستفادت هذه القوى من الدعم اللوجيستى والعسكرى الذى قدمته الولايات المتحدة لها فى اطار مواجهتها القوى العسكرية اليابانية فى آسيا والمحيط الهادى والتى انتهت باستسلام اليابان فى 15 أغسطس 1945 بعد إلقاء أول قنبلة نووية على هيروشيما ثم ناجازاكى فى 6 أغسطس، ودخول الاتحاد السوفيتى الحرب ضد اليابان وتقدم قواته حتى خط عرض 38 داخل الأراضى الكورية المحتلة، وهو ما ساهم فى انقسامها إلى الكوريتين، الشمالية تحت النفوذ الشيوعى، والجنوبية التى خضعت للقوات الأمريكية حينئذ .

وقد يتصور البعض ان مصر كانت بعيدة جغرافيا عن مسرح هذه الحرب ولم تشارك أو تؤثر فى عملياتها أو نتائجها على جبهتيها الأوروبية والآسيوية، إلا أن هذا التصور غير دقيق تاريخيا، حيث شهدت مصر حدثين مهمين كان لهما تأثير فى تحديد مستقبل القتال بين الدول الحلفاء ودول المحور فى رسم خريطة منطقة شرق آسيا بعد الحرب العالمية الثانية، وأول هذين الحدثين هو معركة العلمين الشهيرة (23 أكتوبر - 11 نوفمبر 1942) التى أوقفت فيها القوات البريطانية بقيادة مونتجومرى وبدعم لوجيستى عسكرى مصرى تقدم القوات الألمانية ودول المحور بقيادة روميل شرقاً نحو قناة السويس لقطع خطوط الإمداد للحلفاء ووصولا لإحكام القبضة على العالم بعد تقدم القوات اليابانية على جبهة جنوب شرق آسيا.

أما الحدث الثانى، فتمثل فى صدور إعلان القاهرة فى ديسمبر 1943 والذى صدر بعد لقاء بين زعماء الحلفاء (بريطانيا، الولايات المتحدة، الصين) فى مقر فندق ميناهاوس لوضع تصور لمستقبل منطقة شرق آسيا بعد هزيمة اليابان، بما فى ذلك انسحابها من الاراضى الصينية وعودة جزيرة تايوان للسيادة الصينية واستقلال كوريا والقضاء على القدرات العسكرية اليابانية.

وانطلاقا مما تقدم، يمكن ان ندرك كيف ساهمت الحرب العالمية الثانية فى رسم خريطة العالم الذى نعيش فيه اليوم، وأن مشاركة مصر فى هذه المناسبة فى بكين يعكس دورها التاريخى المهم، وموقعها المحورى للعالم سلما وحربا.


لمزيد من مقالات السفير محمود علام

رابط دائم: