من المؤكد أن السبيل الوحيد لنهوض أي وطن يبدأ بتقوية جدران الثقافة والفكر والمعرفة علي أسس متينة وراسخة تهتم بالمفيد وتتجاهل الغث والرخيص خصوصا في عصرنا الراهن الذي تداخلت فيه الأمور وتشابكت المصطلحات بشكل غير مسبوق وبعد أن حل سلاح الغزو الثقافي بديلا لكل أسلحة الغزو العسكري والاقتصادي والسياسي تحت رايات العولمة.
والحديث عن تقوية جدران الثقافة والفكر والمعرفة يحتاج إلي نخب ثقافية تدرك أهمية دورها في بناء حوائط الصد والحماية تجاه كل ما هو دخيل علي أفكارنا ومعتقداتنا دون أن يجيء ذلك علي حساب الحق والضرورة في استمرار الانفتاح علي العالم وتوسيع مساحة الإطلال علي ما يجري خارج حدودنا لكي نأخذ منه ما يتفق مع مصالحنا ولا يتعارض مع خصوصيتنا وهويتنا الذاتية وشخصيتنا المستقلة.
أتحدث عن الحاجة إلي دور فاعل للنخب الثقافية التي شغلت نفسها في السنوات الأخيرة بمعارك وأزمات وصراعات حول المواقع والمناصب الثقافية أدت إلي انشغال الرأي العام وبلبلتة بزوابع عاصفة أسهمت في غرس وتغذية سلوكيات التراشق وتبادل الاتهامات.
لقد كان حريا بهذه النخب الثقافية أن تستوعب دروس السنوات الأخيرة وما حملته رياحها الباردة والساخنة من بذور الفتنة والانقسام لتدمير وتفكيك الدولة الوطنية حتي يمكن قولبة المنطقة كلها في قالب واحد تحت رايات التغريب والأمركة وباسم استحقاقات الإصلاح والتغيير التي لم تكن سوي قناع لإخفاء المقاصد الحقيقية لمن يروجون للفوضي الهدامة منذ سنوات واختلقوا لها مسمي الربيع العربي!.
وفي ظني أن الأمة لن تفيق من غفلتها إلا إذا أفاق المثقفون من حالة الغيبوبة التي جذبتهم باتجاه إثارة الزوابع الذاتية بدلا من العمل علي إعادة الاعتبار للفكر الصحيح والثقافة المستنيرة من خلال الفهم الصحيح لأهمية استعادة دورهم الغائب منذ سنوات والعودة إلي تراث السابقين أمثال طه حسين والعقاد وزكي نجيب محمود الذين تفرغوا لإجهاد عقولهم وتوحيد جهودهم باتجاه البحث الدائم عن حلول للتحديات الثقافية والفكرية التي تدهم أمتنا حقبة بعد حقبة.
وكفي للزوابع والكلام الأجوف ومعارك تصفية الحسابات حتي يتفرغ المجتمع ليس فقط لمواجهة الإرهاب ودحره وإنما أيضا لصنع معادلة متوازنة بين حاجتنا لاستمرار الانفتاح علي العالم بثقافاته وأفكاره المتنوعة وبين مسئوليتنا في الحفاظ علي خصوصية الثقافة والحضارة والتقاليد المتوارثة.!
خير الكلام :
>> لا يري المستقبل من يتحرك إلي الوراء .!