رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

ماذا يستفيد العرب من طريق الحرير الجديد؟

انشغل العرب خلال السنتين الماضيتين بأحداث وقعت بين حين وآخر كتداعيات خطيرة لما يسمى بالربيع العربي، أحداث قد تقودهم إلى مستقبل مجهول،

 

 

وصرفت نظرهم عن بعض التطورات المهمة فى الساحة العالمية، خاصة التطورات التى يبدو للوهلة الأولى أنها لا تمت إليهم بأى صلة ولكنها فى الحقيقة ليست كذلك. ومن بين تلك التطورات مبادرة الصين لإحياء طريق الحرير القديم.

ويرجع تاريخ طريق الحرير إلى القرن الثانى ق.م، وكان عبارة عن مجموعة من الطرق المترابطة تسلكها القوافل، بهدف نقل البضائع التجارية بين الصين وآسيا الوسطى وبلاد الفرس والعرب وآسيا الصغرى وأوربا، وكان من أهم هذه البضائع الحرير والخزف والزجاج والأحجار الكريمة والتوابل والعطور والعقاقير الطبية. كما ساهم هذا الطريق فى نقل المعارف والثقافات بين الحضارات المختلفة، فانتقلت عبره الديانات والفلسفات والفنون، وانتقل عبره الورق، فحدثت طفرة كبرى فى موروث الإنسانية مع النشاط التدوينى الواسع. أما طريق الحرير البحرى فهو مصطلح أطلق على مجموعة من الطرق التجارية البحرية التى ازدهرت متزامنة مع طريق الحرير البرى تقريبا، والتى كانت تربط بين الصين وكوريا واليابان وجنوب شرقى آسيا والهند والعالم العربى وقارة إفريقيا.

انبعث مفهوم طريق الحرير من التراث الدفين وصار موضوعا ساخنا بعد أن طرح الرئيس الصينى شى جينبينج مبادرة بناء الحزام الاقتصادى لطريق الحرير أثناء زيارته لكازاخستان فى سبتمبر 2013، وطرح فى أكتوبر العام نفسه مبادرة بناء طريق الحرير البحرى للقرن الحادى والعشرين أثناء زيارته لإندونيسيا. وكمتابعة لذلك، ما لبث أن طرحت الحكومة الصينية سلسلة من التصورات وأجرت تشاورات مع كثير من البلدان المعنية لتنفيذ المبادرة. وفى مارس العام الجارى أصدرت الصين وثيقة مهمة بعنوان "تطلعات وأعمال حول دفع البناء المشترك للحزام والطريق"، حيث قامت بشرح الخلفيات والمبادئ والإطار العام للمبادرة الصينية، وتحديد المحتويات والآليات للمبادرة بشكل شامل ومفصل.

حسب هذه الوثيقة الصينية، يتركز الحزام الاقتصادى لطريق الحرير على ثلاثة خطوط رئيسية: الخط الأول يربط بين الصين وأوروبا مروراً بآسيا الوسطى وروسيا؛ والخط الثانى يمتد من الصين إلى منطقة الخليج والبحر الأبيض المتوسط مروراً بآسيا الوسطى وغربى آسيا، والخط الثالث يبدأ من الصين ويمر بجنوب شرقى آسيا وجنوب آسيا والمحيط الهندي. أما طريق الحرير البحرى للقرن الحادى والعشرين فيتركز على خطين رئيسيين: خط يبدأ من الموانئ الساحلية بالصين ويصل إلى المحيط الهندى مرورا ببحر الصين الجنوبى وانتهاء إلى سواحل أوروبا؛ وخط يربط الموانئ الساحلية الصينية بجنوب المحيط الهادئ. ويشمل الحزام والطريق أكثر من ستين دولة فى قارات آسيا وأوربا وإفريقيا، حيث يبلغ إجمالى عدد سكانها 4،4 مليار نسمة (أى 63% من سكان العالم) ويبلغ حجم اقتصادياتها 21 تريليون دولار أمريكى (أى 29% من الاقتصاد العالمى حسب الإحصاء فى منتصف عام 2014).

من هنا يتبين أن المبادرة الصينية لبناء الحزام والطريق مبادرة جبارة وطموحة بكل المقاييس. وفى مناقشاتى مع بعض الأصدقاء العرب فى الفترة الأخيرة لاحظت أنهم أبدوا اهتماما كبيرا بالمبادرة، قائلين إنهم يرحبون بمنطق الحرير بعدما سئموا منطق الحديد والنار. ولكنهم طرحوا فى الوقت نفسه بعض التساؤلات، إذ اندهشوا كيف بادرت الصين المعروفة ببراغماتيتها بطرح هذه المبادرة التى تبدو رومانسية إلى حد ما. وكانت تساؤلاتهم تدور حول الأسئلة الأربعة التالية:

1- لماذا طُرحت هذه المبادرة الصينية فى الوقت الراهن وما هو منطقها وأهدافها؟

2- هل تعنى المبادرة الصينية بالنسبة إلى العرب وجوب الخيار بين الاصطفاف مع الصين أو مع الولايات المتحدة؟

3- ما أهمية هذه المبادرة بالنسبة إلى الشرق الأوسط خاصة الدول العربية فى ظل الاضطرابات التى تعيشها المنطقة؟ وهل سيفوت هذه الدول قطار التنمية التى تجلبها المبادرة الصينية؟

وللإجابة عن السؤال الأول، ينبغى أن أذكر الخلفيات الداخلية والخارجية لطرح المبادرة. داخليا، تراكمت للصين قدرات اقتصادية وثروات مالية هائلة بفضل عملية الإصلاح والانفتاح التى انطلقت عام 1978، حيث أن حجم الاقتصاد الصينى فى نهاية عام 2014 قد بلغ 10.4 تريليون دولار أمريكى (يأتى بعد الاقتصاد الأمريكى مباشرة)، وأن احتياطى العملات الأجنبية التى تحوزها الصين قارب 4000 مليار دولار (يأتى فى المرتبة الأولى عالميا). كما أصبحت الصين متقدمة فى بناء منشآت البنية التحتية والتصنيع والقطاع المعلوماتى وغيرها. وهناك ميزة أخرى تنصب فى صالح القوة الناعمة الصينية، وهى التجربة الصينية فى التنمية التى نجحت فى الارتقاء بالبلاد من إحدى أفقر دول العالم إلى ثانى أكبر اقتصاد عالميا خلال بضع وثلاثين سنة فقط، وهى تجربة فريدة من نوعها .

وحول علاقة المبادرة الصينية بخيار العرب بين الوقوف مع الصين أو مع أمريكا، فالجواب أن هذا السؤال إنما نابع عن سوء الفهم لطبيعة المبادرة. فإن بناء الحزام والطريق، على حد قول الرئيس الصينى شى جينبينج أخيرا، "يلتزم بمبادئ التشاور والتشارك والتقاسم، إنه ليس مغلقا حصريا بل هو منفتح ، إنه ليس عزفا منفردا للصين وحدها، بل هو عزف جماعى للدول المعنية جميعها ، ونرحب بالمشاركة فيه من الدول المطلة على الحزام والطريق، كما نفتح ذراعينا ترحيبا بالأصدقاء من القارات الخمس للمشاركة فى هذا الحدث العظيم." بذلك، تختلف المبادرة الصينية عن "مشروع مارشال" الشهير الذى ساهم فى إعادة إعمار أوربا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، والذى كان يهدف أيضا إلى إيقاف التمدد الشيوعى فى هذه الدول. فليس الحزام والطريق، حسب الرؤية الصينية، حلبة سباق بين الصين وأمريكا باعتبارهما أكبر اقتصاديين فى العالم، إنما ساحة واسعة لاستكشاف النمط الجديد من العلاقات بين الدول الكبرى، النمط الذى


لمزيد من مقالات شوى تشينغ قوه

رابط دائم: