رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الاقتصاد غير الرسمى وآليات تطويره

يعد من نافلة القول بان الهدف النهائى من العملية الإنتاجية هو رفع مستويات معيشة ورفاهية الأفراد. فالتنمية هى الوسيلة المثلى لإحداث النقلة الموضوعية

المطلوبة للمجتمع المصري، ويتطلب الاستخدام الأمثل لجميع الموارد المتاحة وتشجيع كل القطاعات على العمل والإنتاج. وقد شهدت الفترات الماضية نموا غير مسبوق فى الاقتصاد غير الرسمي. وهنا تشير مؤشرات سوق العمل إلى أن الغالبية العظمى من المشتغلين، تقع فى القطاع غير الرسمى. والاهم من ذلك أنها آخذة فى الزيادة عاما بعد آخر، وهى الظاهرة التى تحتاج إلى الدراسة والتحليل للوقوف على مدى الآثار التى يمكن أن تنجم عن ذلك سواء على مستوى المجتمع او على العملية التنموية بالبلاد.

وقد اختلفت المفاهيم كثيرا حول الاقتصاد غير الرسمى، وتعددت المصطلحات والأسماء التى أطلقت عليه، فهناك الاقتصاد الخفى والاقتصاد السرى والاقتصاد التحتى والاقتصاد الموازى واقتصاد الظل وغيرها من المصطلحات العديدة والمتنوعة. ولهذا تنوعت التعريفات التى يتم بها تعريف هذا النشاط إذ يشير البعض إلى انه «عبارة عن الدخل غير المسجل وانه يتولد من كل الأنشطة التى لا يدفع عنها ضرائب»، ويشمل هذا التعريف جميع الأنشطة الاقتصادية التى تخضع للضريبة بشكل عام إذا ما أبلغت بها السلطات الضريبية.ووفقا لذلك فإن الاقتصاد غير الرسمى لا يشمل الأنشطة غير المشروعة فقط، بل يشمل أيضا أشكال الدخل التى لا يبلغ بها والمحصلة من إنتاج السلع والخدمات المشروعة، سواء من معاملات نقدية أو المعاملات التى ترتبط بنظام المقايضة. وفى رأينا ان هذا التعريف يخلط بين الاقتصاد غير المشروع (مثل الاتجار فى المخدرات أو التهريب السلعى والجمركى والاحتيال وغيرها من المعاملات غير المشروعة)، وبين الاقتصاد غير الرسمى والذى يشمل عددا من الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية التقليدية (مثل الباعة الجائلين ومقدمى الخدمات الشخصية وسائقى سيارات الأجرة وخدم المنازل وغيرهم)

وذهب البعض إلى إن الاقتصاد غير الرسمى يمثل الأصول العقارية والإنتاجية غير المسجلة والأنشطة الاقتصادية السلعية والخدمية غير المقننة (فرناندو دو سوتو- والمركز المصرى) وطبقا لهذا التعريف فإن الاقتصاد غير الرسمى يتمثل فى الأصول الإنتاجية والعقارية غير المسجلة (ويقدر حائزو العقارات غير المسجلة بنحو 92% من السكان اى 64% من جملة الأصول العقارية فى مصر) ، بينما تشير التقديرات الى أن المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر وتعمل بصورة غير رسمية تقدر بنحو 82% من إجمالى المنشآت ، وتشكل نسبة تتراوح بين 40 إلى 60% من حجم المنشآت الصغيرة التى تعمل بشكل رسمي.

وفى الآونة الأخيرة تم طرح مفهوم أوسع للاقتصاد غير الرسمى وهو يركز على علاقات العمل غير الرسمية فى المنشآت، بحيث يشمل العمالة دون اجر فى المنشآت غير الرسمية والعمالة باجر بدون عقود رسمية او تأمينات اجتماعية فى المنشآت الرسمية وغير الرسمية.

ويشير البعض الآخر إلى ان القطاع غير الرسمى هو الذى لا تتوافر لديه كل أو اى من الشروط المطلوبة للدخول إلى السوق، وبالتالى يعتبر الإطار القانونى والمؤسسى الحاكم للاقتصاد هو الدافع الرئيسى لعمل المنشآت خارجه لتجنب العوائق المختلفة التى يفرضها. ووفقا لهذا التعريف فإن الاقتصاد غير الرسمى يشمل حوالى 82% من المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر او 70% من المشروعات إذا تم استبعاد الأنشطة التى تمارس النشاط خارج المنشآت.

وتشير الدراسات العلمية التى أجريت على هذا القطاع الى إن هناك العديد من العوامل التى أدت إلى انتشاره بهذه السرعة يأتى على رأسها صعوبة الدخول والخروج من الأسواق الرسمية، وارتفاع تكلفة هذه الدخول وتعقد إجراءات الاقتصاد الرسمى وزيادة أعبائه (الضريبية التأمينات الاجتماعية) ناهيك عن الشروط الصحية والبيئية يضاف الى ما سبق ما يتميز به الاقتصاد القومى من إسراف فى الاعتماد على القوانين والقرارات السيادية والمغالاة فى طلب الضمانات المسبقة لإثبات النوايا الحسنة للمتعاملين مع الجهاز الحكومى وهو ما أدى الى زيادة الاقتصاد غير الرسمى فى المجتمع.

ولهذا سارت حركة التشغيل فى المجتمع على عكس الاتجاه المستهدف والذى كان هادفا إلى أن يستوعب القطاع الخاص المنظم المزيد من قوة العمل وليس العكس،اذ نلحظ أن معظم العمالة التى لحقت بالقطاع الخاص قد انضمت إلى القطاع غير المنظم أو غير الرسمي. وتكمن خطورة هذا الوضع إلى انه قد بدا يستوعب قطاعات جديدة من الشباب خاصة خريجى الجامعات والمعاهد العليا ليضافوا إلى قوته الأساسية المتمثلة فى المنتقلين من الريف المصرى إلى المدن أو العائدين من الخارج. ويشير ذلك إلى أن هذا القطاع لم يعد مجرد احتياطى للقطاع المنظم، بل أصبح فاعلا أساسيا بالأسواق. وبمعنى آخر فان هذا القطاع لم يعد يستوعب العمالة الإضافية التى لا تجد مكانا لها بالسوق النظامية كما كان سائدا من قبل، بل أصبحت هذه العمالة تتجه مباشرة إلى هذه السوق وهنا مكمن الخطورة حيث يؤدى نمو هذه القطاع إلى عدم الاستقرار الداخلى لسوق العمل وصعوبة وضع أو رسم سياسات محددة من جانب متخذى القرار فى المجتمع، ناهيك عن صعوبة تنظيم الأوضاع بداخل هذه السوق مع ما يتلاءم واحتياجات المجتمع.

وقد تراوحت الآراء بشدة عند دراسة الآثار الناجمة عن نمو هذا القطاع اذ يرى البعض انه حقق العديد من الآثار الايجابية على المجتمع والمواطن، وعلى رأسها استيعاب قدر لا بأس به من العمالة الداخلة إلى سوق العمل، وهى مسألة مهمة فى ضوء ما يعانيه المجتمع من بطالة مرتفعة، هذا فضلا عن رخص المنتجات التى يقوم بإنتاجها وبيعها بالأسواق المحلية، وهى مسألة ضرورية مهمة فى ضوء انخفاض مستويات الدخول لقطاع لا بأس به من المجتمع، ناهيك عن سهولة التعامل.

بينما يرى البعض الآخر، ونحن منهم، إن الآثار السلبية الناجمة عن اتساع نطاق هذا القطاع تفوق بكثير الآثار الايجابية منه، ومنها رداءة المنتجات وضعف الإنتاجية والفن التكنولوجى وضعف المنافسة، خاصة وان وجود سلعة رديئة من منتج محلى من شأنها الإضرار بسمعة الإنتاج المحلى للدولة ككل ويحد من قدراتها على النفاذ للأسواق.

من هذا المنطلق هناك مدرستان للتعامل الأولى ترى تركه كما هو دون المزيد من الضغوط مع توفير المناخ الملائم للتخلص من آثاره السلبية نظرا لأهميته الشديدة فى المجتمع، وبالتالى ضرورة الاهتمام بدعم وتنشيط هذه المشروعات ورفع كفاءتها بما يؤهلها للقيام بالمهام التنموية المنوطة بها. خاصة وان المشروعات الصغيرة هى بالفعل النمط الغالب للمشروعات فى مصر.

المدرسة الثانية ترى ضرورة العمل على دمجه فى الاقتصاد الرسمى والعمل على تنمية مهارات العاملين به وتوفير الحماية والضمان الاجتماعى لهم، وذلك من خلال سياسات طويلة الأجل تهدف فى النهاية إلى تحويل هذا القطاع إلى القطاع الرسمى وتوفير الحماية الاجتماعية والصحية والتأمينية للعاملين به. وتسهيل إجراءات التعامل مع الجهات الحكومية وتوحيدها. وتشجيع الاستثمار فى الطاقات الإنتاجية للمشروعات الصغيرة ومساندة المشروعات التصديرية عن طريق تشجيع المشروعات التى تملك قدرة على المنافسة، وعبارة أخرى ضرورة العمل على رفع كفاءة وقدرة هذا القطاع على تقديم السلعة والخدمة بالجودة والكفاءة المطلوبة، وهو ما يتطلب اصلاح الإطار التشريعى للتجارة الداخلية بما يحقق انضباط السوق الداخلية وتوفير الحماية الكاملة لكافة المتعاملين به وعلى الأخص حماية المستهلك من الممارسات الضارة واتخاذ الإجراءات الوقائية لمنع الغش والتدليس.مع مد الحماية الاجتماعية والصحية للعاملين فى القطاع غير الرسمى والعمل على وصول كل خدمات الرعاية الصحية الأساسية لهم ولأسرهم.

وفى هذا السياق يرى هؤلاء ان هذا القطاع فى حاجة الى دفعة قوية تتجاوز مجرد تعديلات هنا او هناك على القوانين المنظمة للنشاط الاقتصادى والقائمة بالفعل، وبالتالى فهناك ضرورة قصوى لإصدار تشريع موحد ينظم فيه كافة الأمور المتعلقة بهذا النشاط، اذ ان ذلك سيحقق لهم وضوحا فى الرؤية ويسهل عليهم معرفة مالهم من حقوق وما عليهم من واجبات. وهذا يتناسب تماما مع طبيعة العاملين فى هذه الأنشطة. فإذا كان المطلوب هو تنظيم وتطوير وتحديث هذا القطاع، فان الأمر يتطلب بالضرورة وضوح الرؤية والسياسات الخاصة به وتوحيد جهة الإشراف والرقابة والمتابعة فى جهة واحدة. وهو ما يتطلب بالأساس مشاركة كافة المعنيين فى المجتمع من حكومة وقطاع خاص ومجتمع مدنى وأهلى فى صياغة ووضع الأطر المناسبة لتدعيم هذا القطاع.


لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالي

رابط دائم: