رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

السلفية .. ناقص خطوة لهدم الهرم

شاهد العالم كله بفزع كيف هدم تنظيم « داعش « متاحف وآثار العراق وكيف يهدد آثار سوريا وليبيا وربما لاحقاً آثار تركيا ، زاعمين بأنها « تماثيل وأصنام « محرمة يجب هدمها وازالتها ، وقبل ذلك بسنوات رأينا كيف هدمت القاعدة وطالبان آثار أفغانستان وتراثها الثقافى والحضارى . ممارسات ومسارات تتداخل مع استراتيجية الغرب والولايات المتحدة الأمريكية فى المنطقة ، على مستوى اظهار الاسلام بأنه دين ارهاب وهمجية ، بتدمير مظاهر الحضارة والثقافة التى تثبت عكس ذلك وتمثل رافداً لنهضة عربية حقيقية ، فى مقابل ابقاء التفوق الحضارى الغربى واعاقة محاولات افاقة الحضارة العربية بروافدها المختلفة لتقوم بدورها الريادى العالمى ، وما تفعله داعش حالياً فى سوريا والعراق سبقتها به أمريكا فى العراق عندما سطت على تراث العراق الحضارى والثقافى ودمرته . بالتوازى مع إغراق البلاد العربية والاسلامية فى فوضى الفتن السياسية والمذهبية ، مع الاعتماد على تنفيذ تلك المخططات بأيد اسلامية وعربية وتوظيفها بديلاً عن استراتيجية التدخل الاستعمارى المباشر التى كبدت الغرب قديماً والولايات المتحدة الأمريكية حديثاً خسائر فادحة فى الأرواح والأموال والعتاد .

الخبر كما طارت به وكالات الأنباء والفضائيات عن عالم الآثار ، الدكتور خالد الأسعد ، الذى بدأ عام 1963 حياته العملية كمدير لآثار ومتاحف تدمر ، واجتهد لتطوير المؤسسة الأثرية فيها علميًا وإداريًا وارتبط اسمه بعدد من رواد الآثار ، منهم الدكتور الراحل عدنان البنى .

كان الأسعد معروفًا بنشاطه لسنوات مع بعثات آثار أمريكية وفرنسية وألمانية ، عاونته فى عمليات حفر وبحوث بأطلال وآثار عمرها 2000 عام فى تدمر ، المدرجة ضمن قائمة « اليونسكو» للتراث العالمى . وهو الذى أصدر وترجم أكثر من 20 كتابًا عن تدمر والمناطق الأثرية فى البادية السورية ، ذبحته «داعش» وعلقت جثته على عمود فى الطريق العام بالمدينة ، وأسفل القدمين وضعوا رأسه المقطوع ، مع قائمة بالاتهامات كتبوها على لائحة . وصفوه بأنه « المرتد خالد محمد الأسعد مدير « أصنام « تدمر الأثرية المناصر للنظام السورى الذى مثل بلاده فى مؤتمرات بالخارج « ! داعش قطعت رأس الأسعد فى ساحة تدمر أمام عشرات الأشخاص بعد أن خضع لاستجواب هو وابنه وليد المدير الحالى لآثار تدمر لمعرفة مكان وجود « كنوز الذهب « ، فى الوقت الذى يؤكد الأثريون أنه لا يوجد ذهب فى تدمر . أمريكا كانت قد زعمت أيضاً أنها تبحث عن أسلحة دمار شامل فى العراق ، ولما تبين أنها ارتكبت الفظائع والجرائم ولا يوجد أسلحة دمار ، ادعت بأنها تبشر بالديمقراطية والحرية للعراقيين ، وهى لا تبحث إلا عن الكنوز والنفط والثروات .

داعش وجه الاستعمار الغربى الآخر ، تبحث عن مصالحها فقط وتنقب عن الكنوز وتبحث عن الذهب والنفط وتدمر الحضارة والآثار والتاريخ وتقضى على المدنية العربية ، وبدلاً من شعارات « الحرية « و « الديمقراطية « ترفع شعارات « الخلافة « و « الشريعة « . أحد منظرى الدعوة السلفية المشهورين بمصر والمتحدث باسمها دعا المصريين يوماً الى تغطية التماثيل الفرعونية بالشمع واصفاً الحضارة الفرعونية بالعفنة وهو ما لم يسبقه به صحابى ولا تابعى وشهد صعود الحركة الاسلامية فى مصر الى الحكم صعود أصوات فى الاعلام تزعم انتماءها الى الحركة الاسلامية بمختلف تنوعاتها السلفية والجهادية ، والتى قدمت صورة قاتمة ومفزعة عن علاقة « الاسلام « بالفنون والآثار ؛ فمنهم أحد الاسلاميين الجهاديين الذى خرج فى برنامج تليفزيونى شهير يقول بأن التماثيل الحجرية حرام وأن برنامج الاسلاميين فى الحكم لابد من أن يتضمن هدم أهرامات الجيزة وأبو الهول لكونها أصناماً محرمة وأن الحكم بالشريعة يقتضى هدمها ! وغطى منتمون للتيار الاسلامى وجوه تماثيل بالاسكندرية وحطم آخرون التماثيل الموجودة بالحديقة اليابانية فى حلوان فى مارس 2013م ، وهدم إسلاميون آخرون تمثالاً للزعيم الراحل جمال عبد الناصر بسوهاج ، وأحرق آخرون تمثالاً للمخرج السينمائى محمد كريم بمدينة السينما ، وهدم آخرون تمثالاً نصفياً لعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين . هذا معناه أن النهج الداعشى له أرضية داخل الساحة السلفية المصرية ، وأن التجربة تحتم اجراء مراجعات منهجية شاملة لاظهار التمايز ولإثبات أننا بصدد فصائل مصرية وطنية بفكر اسلامى داعم للبناء لا للهدم، ومشارك فى النهضة والعمران لا فى الرجعية والخراب، ومساهم فى المشهدين الحضارى والثقافى ، وليس مناهضاً لهما .

والا كان التميز لداعش فى أوساط الشباب الاسلامى فى النهاية ، كما يحدث فى ملف الصراع على السلطة حالياً ؛ فداعش كما يزعمون هى التى تسبق الاخوان ورفاقها بخطوة بالسلاح والذبح والدم ، وهو الفارق بين تصورين فى ملف الموقف من الآثار ورموز ومظاهر الحضارة ، حيث تحمل داعش ذات القناعات ، لكنها تتفوق على غيرها بالسلاح والهدم الفعلى .

مكسيم جوركى قال « يجب أن تسلح الرؤوس قبل الأيادى» ، والدواعش مسلحو الأيادى والرؤوس بالقناعات الخربة ، ولا ينقص كثير من سلفيى مصر سوى سلاح داعش لهدم الهرم وأبو الهول والمتحف وجميع الآثار المصرية ، الا اذا بادروا بتغيير ما فى رؤوسهم .


لمزيد من مقالات هشام النجار

رابط دائم: