رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

ليس هكذا يا أمنــــاء الشــــرطة!

هنالك خلفية تاريخية مهمة تُفسِّر كثيرا من مشاكل أمناء الشرطة، والتى ينبغى أن نعترف بداية أن معظمها بسبب حساسيات شديدة بين الأمناء والضباط، مما له تأثير مادى يومى فى تجليات مكانة كل من الفريقين وفى تعاملهما معا! وهو أمر ينبغى التعامل معه دون لفّ أو دوران، مهما كان فى ذلك من مواجهة صعبة مع الواقع. وهذا، بالطبع، لا ينفى أن هناك مطالب موضوعية عادلة للأمناء كان من المفترض أن يتعاطف معهم الرأى العام فيها لولا أخطاء بعضهم فى كيفية التعبير عن مطالبهم، وفى كيفية إبداء التذمر والاحتجاج على ما يرونه عدم استجابة أو تسويف.

فأما الخطأ التاريخى، فكان فى إقامة ازدواجية مُجحِفة غير منطقية بين طالبين زميلين فى الثانوية العامة، يلتحق أحدهما بكلية الشرطة والآخر بمعهد أمناء الشرطة، ليتخرج الإثنان ويعملان فى نفس المجال، ولكن مع فوارق هائلة تفصل كل منهما عن الآخر فى كل شئ إلى حد الانتماء الاجتماعى الذى بات كل منهما ينتمى إليه، فضلاً عن الصلاحيات الوظيفية فى يد الضابط التى تجعله فوق أمين الشرطة، مع إغلاق للأفق يكاد أن يكون كاملاً فى إمكانية علاج الخلل، حتى عندما يظن أمين الشرطة أنه أفلت بالحصول على ليسانس الحقوق، الذى يراه فارقاً وحيداً بينه وبين الضابط، فسوف تلاحقه إلى الأبد وضعيته السابقة.

أما لماذا التحق هذا بالمعهد وذاك بالكلية، فقد يكون مجموع الثانوية العامة، وقد يكون لأسباب اجتماعية ضاغطة تجعل أحدهما أكثر إلحاحا فى التخرج والعمل. وفى كل الأحوال فإن الفوارق فى المستوى الدراسى ليست مقنعة، على الأقل لمن مصيره أن يكون أميناً للشرطة، فى أن تتأسس فوارق خالدة لصالح زميله السابق فى الثانوية العامة.

كان الحال قبل إنشاء معهد أمناء الشرطة محسوما، وكانت أوضاع الضباط الطبقية، وصلاحياتهم الوظيفية والعلاج والترفيه..إلخ، كلها كانت مستقرة لا يدور بخلد واحد من أفراد الشرطة أن يطالب بالمساواة، لأنه لم يكن لديه حجة أمناء الشرطة الآن ولا معاناتهم النفسية.

وجدير بالذكر أن شعراوى جمعة، الذى وُلِدَت فى عهد توليته لوزارة الداخلية أواخر الستينيات فكرة إقامة معهد لأمناء الشرطة للحاصلين على الثانوية العامة، كان يردّ على المنتقدين بأنه لن يكون هناك ازدواجية مع كلية الشرطة، لأن الفكرة التى كان يروّج لها أن يُركِّز فى تأهيل الشباب الحاصل على الثانوية العامة على المهام والواجبات الشرطية دون الحصول على ليسانس الحقوق، مما يختصر الوقت، على أن تُلغى كلية الشرطة، لأن البلاد، حسبما كان يعلن، فى تصريحات وأحاديث منشورة آنذاك، ليست فى حاجة إلى أن يكون رجل الشرطة متخصصاً فى القانون، لأنه يكفى أن يكون هناك إدارة ما فى الأقسام أو المديريات يلتحق بها خريجو كليات الحقوق. وقد عزّز فكرته بأن كثيراً من دول العالم المتقدم لا يحصل فيها رجل الشرطة على ليسانس الحقوق.

ولكن، وكما يحدث كثيرا فى مصر، فقد جرى نسيان فكرة المشروع وأهدافه، واستمر المعهد مع الكلية، لنعيش هذا الوضع المختل، الذى صار مفرخة لمشاكل نفسية فى تعاملات كل يوم، خاصة مع ما يمكن أن يرتكبه بعض الضباط فى إثبات استحقاقهم لارستقراطيتهم المكتسبة بفارق عامين فى الدراسة مع بعض المناهج الإضافية!

انظر إلى أمناء الشرطة المتظاهرين وحاول أن تجد قاسماً مشتركاً فى مطالبهم، فلن يخرج عن المطالبة بالمساواة مع الضباط.

مشكلة تعاظمت وسوف تأخذ زمناً حتى نهتدى إلى حل نظرى يحسم جذر الخلل، أما تنفيذ الحل فلا أحد يمكنه أن يرجم الغيب!

وأما فيما هو عملى مما يمكن مناقشته، فينبغى وضع خط فاصل واضح بين مطالب أمناء الشرطة كفئة من المواطنين العاملين فى الدولة، وفيها مطالب مشروعة معقولة وأخرى مبالغ فيها مستحيلة، وبين انتهاكات القانون التى يرتكبها بعضُهم فى سياق المناداة بهذه المطالِب.

كما ينبغى الاعتراف لأمناء الشرطة، بدورهم الوطنى العظيم، مع زملائهم الآخرين فى هيئة الشرطة، ومع ضباط وأفراد القوات المسلحة، فى إعادة قدر كبير من الأمن الذى تعرَّض لتهديدات شديدة على يد الإخوان وحلفائهم منذ أن نجح الشعب فى الإطاحة بحكمهم، وبأنهم لم يتقاعسوا فى دفع ضريبة الدم، وتقديم الشهداء والجرحى فى سبيل حماية الشعب، وظهرت فى صفوفهم بطولات حقيقية لا تقل عما قدَّم الأبطال الآخرون.

بعد الإقرار للأمناء بكل هذا، لا يجوز السكوت عن التجاوزات، التى تصل أحياناً إلى انتهاكات للقانون تشوِّه هذه الإنجازات.

فقد بدأت المطالب الفئوية للأمناء بعد قليل من ثورة يناير 2011، وكانت ضمن ظاهرة اجتماعية عامة شملت جميع الفئات العاملة. ومنذ اللحظة الأولى تصاعدت التحذيرات التى تشير إلى حساسية جهاز الشرطة، الذى لا يحتمل ترف التمتع بحق التظاهر والإضراب فى ظل الظرف الذى انتشرت فيه ظاهرة البلطجة بما لم يحدث قبلاً فى تاريخ البلاد، خاصة مع هروب، أو تهريب، أكثر من 20 ألف سجين بالتوازى مع بداية الثورة، ومنهم شديدو الخطورة.

كانت بداية المطالب الفئوية للأمناء أكثر انضباطاً، وأفلحوا فى اختيار من يحسنون التعبير بكياسة عن حقوقهم، ولكن سرعان ما انفلت العيار، ووقعت احتجاجات خشنة ضد هيئة السكك الحديدية التى رفضت السماح لهم بالركوب المجانى فى القطارات المكيفة، مثل الضباط، واحتج بعضهم وكسروا نوافذ القطار بالحجارة، وأطلقوا النار فى الهواء لإرهاب قائد القطار وقطعوا الطريق..إلخ! وسرعان ما تصاعد الأمر، فى حوادث أخرى، باحتلال مديريات الأمن فى بعض المحافظات، ومنع القيادات من الدخول، وتحطيم الأثاث المكتبى وزجاج الواجهات، وقطع الطريق أمام بعض الأقسام! واحتجوا مرات أخرى على سوء معاملة بعض الضباط، واحتجزوا رئيس مباحث فى إحدى الوقائع. وكثيراً ما يتعمدون تعطيل مصالح المواطنين بحجة أنهم مضربون..إلخ

هل هذه أفضل الوسائل للتعبير عن مطالبهم؟ وهل نسوا أنهم مكلَّفون بإنفاذ القانون وإلقاء القبض على كل من يرتكب هذه الأفعال؟!

[email protected]
لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب

رابط دائم: