رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الميثـــاق الأعظـــم.. مجــده وأســاطيره

 

الميثاق الأعظم (الماجنا كارتا) عهد فرضه البارونات الإقطاعيون والأساقفة على جون ملك انجلترا. وكان البارونات المستأجرون الأعلى للأرض مباشرة من الملك وفرضوا الميثاق لإخضاع الحاكم للقانون. لذلك يبقى رمزًا لسيادة حكم القانون واستقلاله، وتاريخيًا كانت له أهمية جوهرية فى التطور الدستورى لانجلترا وغيرها من البلاد التى احتذت حذوها فى الأنظمة القانونية والحكومية مثل أستراليا وكندا وأمريكا والهند وغيرها. وأقلية فقط من الكتاب هى التى تعتبر ذلك الميثاق الأعظم كما يسمى مجرد صفقة قليلة الأهمية فهو لا يذكر شيئًا عن حقوق النساء أو دولة الرفاه أو النقابات. وعلى العكس يسود اعتباره أول مرة فى التاريخ أكدت المبدأ الدستورى شديد الأهمية لتأسيس الحرية وهو خضوع الحاكم لحكم القانون والحد من سلطاته المطلقة على الرغم من أن الميثاق لا يقول أى شيء عن الحق فى الديمقراطية البرلمانية أو الأمر القضائى بإحضار طرف إلى المحكمة للتحقيق فى قانونية سجنه (هابيوس كوربوس). وبلغ من تقدير الماجنا كارتا أن وصفت إليانور روزفلت إصدار الإعلان العالمى لحقوق الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية بأنه «الميثاق الأعظم لكل الجنس البشري». فالميثاق الأعظم التاريخى قررت مادتان منه ألا يحرم أحد من الرجال الأحرار من حق إلا بحكم قضائى قانوني. ويتساءل منتقدون للميثاق هل الرجال الأحرار الذين يعلن الميثاق حقوقهم هم جميع الرجال من السكان؟ ويجيبون بأن هؤلاء الأحرار كانوا رجلا واحدًا من بين سبعة من السكان الذكور، فلا حقوق إلا لسبع الرجال من السكان لأن معظم الانجليز كانوا أقنانًا، وكان النبلاء والأساقفة الذين وقعوا على الميثاق أبعد ما يكونون عن الإقرار بحقوق العامة. فالميثاق الأعظم وثيقة محافظة الاتجاه لأن الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لا يحصل عليها الشعب إطلاقًا عن طريق تنازلات السادة الأعلين، بل تنتزع انتزاعًا بثمن باهظ. ولكن وقائع النضال والتقاليد الكفاحية الأعظم والفكر المخالف عادة ما يجرى إغفالها وشطبها من كتب التاريخ الرسمية. فانتفاضة الفلاحين وثورة دعاة المساواة والحفارين وحركة دعاة الميثاق والنقابيين والمناديات بمنح المرأة حق الاقتراع، وحركة معارضى العنصرية واجهت كلها معارضة قوية من النخبة الحاكمة التى تعادى الديمقراطية لأنها تتحدى سلطاتها. ويثار الآن سؤال حول أى سلطة الآن التى تحتاج إلى ضوابط؟ من الذى يبدو متمتعًا بسلطة بلا تقييد ملحوظ، ومن الذى يسلك كما لو كان فوق القانون؟ والإجابة هى أن بعض أذرع الحكومات مازالت تسلك بطرق تتجاهل القانون مثل مراكز الاستخبارات فى جمعها المعلومات. وهناك كيانات أهلية تتخطى سيطرة البرلمان والمحاكم بسبب العولمة، حيث تعلو كيانات فوق الدولة القومية وقيودها القانونية. فالقانون محدد الإقامة فى الدولة القومية، والشركات الكبرى تثير التساؤل عن كيفية وضع الضوابط على شركات وهيئات مالية تتخطى الحدود القومية. فالمؤسسات المالية قوية وتنهمك فى أنشطة لا يفهمها معظم الناس وتعتمد على التعقيد المتعمد للتهرب من التحرى والمسئولية بحيث يصيرالبوليس والنيابة بلا كفاءة فى المتابعة وكذلك معظم السياسيين، فلا تحدث مقاضاة للتهرب من الضريبة أو لإيجاد شركات غطاء لأن العمليات والإجراءات البنكية لا يدخلها المفتشون والمراقبون، ومن الصعب مناطحة البنوك ذات الموارد الأضخم والإعلام الأوسع. ومن المعروف اليوم فى الاقتصاد العالمى أن نصف أضخم اقتصادات اليوم ليست الدول، بل شركات قادرة على تخطى القانون القومى ولديها المقدرة على إيجاد أو تدمير الاقتصادات، ولذلك من النادر وجود إرادة سياسية لمواجهتها. والآن تخترق التحديات الكبرى الحدودوهى الإرهاب العالمى والتدمير البيئى والتغير المناخى والمتاجرة بالبشر والسلاح والمخدرات والأعضاء البشرية والتهرب من الضرائب والهجرة. فالتقدم التكنولوجى الذى يمكن الأسواق من العمل يمكن الأسواق السوداء أيضًا. ومن ثم تنتهك حقوق الإنسان ولا توجد قوانين لمواجهة الانتهاكات. وتشتد الحاجة إلى تعاون مشترك لإيجاد أنظمة قانونية تستطيع مواجهة أصحاب القوة والحصول على نتائج عادلة. ولكن مصالح راسخة كثيرة تعترض الطريق. ومن الضرورى إيجاد قانون دولى فعال لمواجهة المشاكل، فهناك مقاومة تلقائية وشك غريزى إزاء محاكم خارج الحدود. كما أن الدول القومية تتعامل بطرق ماكرة مع القانون الدولى للتخفف منه، ومثال ذلك المناورات السياسية الجارية حول المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فحزب المحافظين البريطانى يعلن فى بيانه أنه سوف ينسحب من نطاق سلطتها القضائية. فالدولة القومية توقع اتفاقات دولية ولكنها تسعى إلى عدم التصديق عليها أو إلى التخفيف من أثرها. وهناك تهنئة الذات بالماجنا كارتا وفخر بادعاء أنه اختراع انجليزى صاردوليًا، ولكن الواقع أنه جاء إلى الوجود بعد الغزو النورماندى بمائة وخمسين عامًا وتأثر بتمازج الأجناس مع الفرنسيين مما هيأ لقانون أفضل نتيجة لتعاون قانونى عبر الحدود. ويعتبر بعض الكتاب أن حاجة لإحاطة الميثاق الأعظم بهالة أسطورية فهو مرتبط ببارونات إقطاعيين كانوا طغاة فى مواقعهم. وماذا يعنى هذا الميثاق اليوم؟ إنه وثيقة محافظة فى التناول الموضوعي.


لمزيد من مقالات ابراهيم فتحى

رابط دائم: