رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

قال لى الجورنالجى الأول

أيقظنى الجورنالجي الأول سليم باشا تقلا من لذيذ النوم بقوله: اصحى يا هذا.. ألم تسمع الانفجار الهائل الذى هز العاصمة المصرية وأيقظ أهلها؟

قلت: تقصد انفجار السيارة المفخخة وإصابة العشرات أمام مبنى الأمن الوطنى فى شبرا الخيمة.. إنه عمل خسيس ودنىء من أعمال الجماعات الإرهابية التى تريد بمصر وبأهلها شرا مستطيرا.. لا تشغل بالك كثيرا.. نحن نعرف كيف نقطع دابرهم إما عاجلا أو آجلا! ركبنا مركبة الزمن التى ارسلها لنا د. زاهى حواس رفيق الطريق..وأدرنا مؤشرها إلي عام 1876..

 

نحن الآن في عام 1876.. لا تنزعجوا ولا تندهشوا من هذا الهدوء.. وهذا الجمال الذى يأخذنا بين أحضانه ونحن نتجول في ربوع القاهرة العاصمة المصرية نركب عربات السوارس التي يجرها الخيول.. نبحث عن صحيفة يومية أو حتي أسبوعية تنطق باللغة العربية.. فلم نجد إلا صحيفة «الوقائع المصرية» التي أنشأها محمد علي باشا باني نهضة مصر الحديثة.. والذي أقام أول امبراطورية مصرية حقيقية.. دولة بمعنى الكلمة بعد أن كنا مجرد ولاية من ولايات الباب العالي في الاستانة حيث مقر الخلافة العثمانية. عندما غزاها سلطانهم سليم الأول عام 1517 ميلاديا.. وعلق طومان باي قائد المماليك والذي دافع أيامها وحده عن حرمة التراب المصري.. من رقبته في معركة الشرف والكرامة علي باب زويلة لتدخل مصر ونحن معها من بعده قرونا من الظلام والجهل والجهالة استمرت حتي وصل محمد علي باشا إلي كرسي الحكم في مصر عام 1805 بإرادة الشعب المصري كله.. الذي حمله علي الأعناق حتي وصل به إلي القلعة مقر الحكم أيامها ليصبح أول سلطان علي مصر المستقلة بعيدا عن براثن وأدران وتخلف ودسائس الباب العالي..

يعني مصر صانعة الحضارة ومهد الكلمة.. وموطن الأديان.. يا سادة يا كرام.. عاشت عصورا من الظلام بلغت بحساب الأعوام 288 عاما عددا.. ياسنة سوده يا أولاد!!

................

................

ولكن ماذا كانت تقول جريدة الوقائع المصرية للشعب المصري؟

الجواب: كانت تخبره بالفرامانات السلطانية والأوامر العلاوية وأخبار الدولة والدواوين وكل ما يتعلق بالقوانين والأحكام وخلافه.

ونسأل وماذا عن الشعب.. خلق الله من أهل مصر؟

الجواب: لا مكان لهم علي صفحات الوقائع المصرية.. ولا صوت ولا كلمة ولا مجرد خبر واحد.. اللهم إلا حفظ وتنفيذ الفرامانات والأوامر السلطانية!

قالوا لنا همسا في آذاننا: ألم تسمعوا.. ألم تعرفوا.. ألم تدروا؟

سألنا ماذا حدث يا تري؟

قالوا لنا: لقد صدرت في الاسكندرية أول صحيفة مصرية اسمها الأهرام.. وهي أول صحيفة حقيقية تتحدث إلي الناس وحدهم!

سألنا من الذي أصدرها؟

قالوا ومن غيره: إنه الجورنالجي الأول!

سألنا ما اسمه؟

قالوا: سليم تقلا

وذهبنا إلى الاسكندرية لنستقبل أول عدد من الأهرام الشامخ طويل العمر في الخامس من أغسطس عام 1876

فماذا وجدنا الاسكندرية أيامها؟

كانت الاسكندرية قبل ما يقرب من الـ 140 عاما.. عروس مصر بحق وعروس البحر المتوسط كله.. فهي حاملة راية الحضارة اليونانية والرومانية.. والتي فاقت جامعاتها وآثارها وقصورها آثار وحضارة روما وآتينا معا.

كانت المقاهي الجميلة تزين جبهة كورنيش الاسكندرية العريق.

وكانت الاسكندرية هي العاصمة الثقافية لمصر.. وكانت المباني والقصور والشوارع غاية في النظافة والجمال

.............

.............

وذهبنا إلي مبني الأهرام العتيق.. وجلسنا إلي سليم تقلا صاحب ومؤسس الأهرام أول صحيفة مصرية تنزل إلي الناس وتتحدث إلي الناس وتحتضن آلام وأفراح الناس.. فماذا قال لنا وماذا قلنا له؟

أسأل الجورنالجي سليم تقلا: قلت لي إن الأهرام كان يمكن ألا يولد أبدا؟

قال: هذا صحيح.. لقد كنت أعلم بما يحول دون نشرها من المصاعب.. وقد كنت أقضي النهار والليل تائها جسما وعقلا...

قلت له: يا جدنا العظيم أريد أن أسألك سؤالا أرجو ألا تزعل منه أو تغضب له..

قال: ومتي كان الأجداد يغضبون من الأحفاد..

قلت: لقد قرأت ملفك عندنا في الأهرام

يقاطعني: وهل مازلتم تحتفظون بملف لي؟

قلت: ألست أبو الأهرام الذي شهد مولده علي يديك.. ما علينا.. تقول أوراق ملفك الذي يحمل رقم واحد..

انك يا جدنا قد ولدت في قرية من قري لبنان اسمها كفر شيما في عام 1849.. وقد أرسلك أبوك وأنت في الثانية عشرة من عمرك إلي بيروت لكي تتلقي العلم علي يد معلم الأجيال أيامها بطرس البستاني في مدرسته الوطنية المعروفة. فتفوقت علي كل أقرانك.. وعندما تخرجت فيها.. اختارتك المدرسة البطريركية لتدريس اللغة العربية وآدابها.. وهناك التقيت بالشيخ نصيف اليازجي فأخذت منه الكثير وألفت كتبا من بينها كتاب مدخل الطلاب في النحو والصرف.. كان عمرك أيامها في السادسة والعشرين.. ما الذي دفعك لكي تهجر لبنان وتذهب إلي مصر لكي تؤسس الأهرام؟

يقول الجورنالجي الأول: لقد حزمت أمري علي الهجرة إلي مصر بعد أن علمت بما أنشىء بها من مدارس ومعاهد وصحف ونهضة ثقافية وفكرية.. فهاجرت إليها وحدي.. ثم لحق بي فيما بعد شقيقي ورفيق مشواري وعمري بشارة تقلا.

قلت: نعود إلي بداية الأهرام وولادته المتعثرة.

يقول: بل قل القيصرية.. لقد تقدمت بطلب لنيل الترخيص إلي الخديو إسماعيل باشا بنفسه.. فإن حاز القبول لدي عظمته صدرت الجريدة وإلا لا حيلة لنا ولا نصير مهما كنا وكما علينا.. وكتبت الطلب وقدمته لنظارة الخارجية لترفعه إلي الخديو إسماعيل.

ولم يطل انتظاري طويلا وجاءت الموافقة في السابع والعشرين من ديسمبر عام 1875

..........

..........

ممنوع البولتيكا!

 

مازلنا جلوسا علي مقهي بتر بالاسكندرية.. نتحاور ونتداور..

قلت للجورنالجي الأول: يعني لسه طازة.. يعني النهاردة أليس اليوم من 27 ديسمبر 1875؟

قال: أجل.. وفي جيبي خطاب الموافقة.

قلت: ألا تسمح لنا بأن تقرأه لنا؟

قال: بلي: يقول الخطاب بالنص افادة تحت رقم 5 ضبطية الاسكندرية:

تقدم إلي الخارجية الخواجة سليم تقلا يلتمس التصريح إليه بإنشاء مطبعة حروف تسمي الأهرام كائنة بجهة المنشية بالاسكندرية يبيع فيها جريدة تسمي الأهرام أيضا تشتمل علي التلغرافات والمواد التجارية والعلمية والزراعية والمحلية، وكذا بعض كتب كماقامات الحريري، وبعض ما يتعلق بالصرف والنحو واللغة والطب والرياضيات والأشياء التاريخية والحكمة والنوادر والأشعار والقصص الأدبية وما ماثل ذلك من الأشياء الجائز طبعها.. وحيث أنه أخذ علي الخواجة المذكور التعهد اللازم بعدم التعرض للدخول مطلقا في المواد البوليتيقية، وامتثاله لقانون المطبوعات ومعاملته بمقتضاه عند وقوع أي مخالفة منه وعلي إنه يقدم للخارجية نسختين من كل ما يطبعه وأعطيت له الرخصة اللازمة من قلم المطبوعات بالخارجية فاقتفي ترقيمه لسعادتكم للمعلومية وعدم المعارضة للخواجة المذكور في إنشاء المطبعة المحكي عنها علي الوجه المتقدم ذكره أفندم.

في 29 ذى القعدة سنة 1292هـ الموافق 27 ديسمبر 1875م

{{ملحوظة من عندي: كلمة تسمي مكتوبة تسما وهو خطأ لغوي.. وكلمة المواد البوليتيقية تعني ترجمة للكلمة - الانجليزية بولتيكا: poletic

يعني عدم الاقتراب من السياسة حتي قبل 130 سنة.. تصوروا كان محظورا تعامل الصحف مع السياسة.. كم أنت شقية طول عمرك يا صاحبة الجلالة الصحافة؟!

قلت: ولكن لماذا تأخر صدورها إذن؟

يقول: بصدق لقد نفضت الحكومة يدها عن نصرة الجريدة الناشئة.. ولم أنل منها إلا التصريح بإصدارها..

ولعلمك فإن جميع الصحف إلي ذلك الوقت كانت تصدر أسبوعية وليست لها موارد ولا هي تباع في الطرق أو ينادي عليها في مكان عام، بل كان أكثرها يعتمد علي إعانات الدولة أولا وقبل كل شيء، وكان لها في ذلك غني عن السعي في التوزيع أو زيادة عدد المشتركين، وكانت بعض الصحف تباع للناس عند باعة الطرابيش في حي الموسكي أو بعض أحياء الاسكندرية.!

لذلك كثرت متاعب الأهرام لأن الحكومة لم تشجعها بمال، ولأن الناس لم يكونوا قد ألفوا بعد قراءة الصحف، والاقبال عليها، ولأن وسائل الدعاية الصحفية لم تكن ميسرة ولا سهلة!

قلت: يا خبر الأهرام بجلالة قدره كان يباع قبل 138 عاما عند باعة الطرابيش!

يقول: لم يكن هناك باعة صحف ينادون عليها في كل مكان كما الحال الآن.. ولم يكن لدينا عربات لتوزيع الصحف.. وكانت نسخة الأهرام تنقل من الاسكندرية إلي القاهرة بقطار الصحافة!

قلت: هو قطار الصحافة ده كان لسه عايش أيامها؟

..................

...................

يقول جدنا الأكبر: عندي مفاجأة.. هل كنت تعلم أن الأهرام كان أول صحيفة في العالم تطبع عددا تجريبيا قبل صدورها؟

قلت: لا!

يقول: عندما حضر من لبنان شقيقي بشارة وكان في العشرين من عمره ولكنه كان نعم العون لي.. ففكرنا في اصدار مثال جريدة الأهرام.. وهو صورة لما سوف تكون عليه الجريدة عند صدورها..

قلت: تقصد العدد الزيرو؟

يقول: سمه ما شئت.. وقد أصدرناه من ورقة واحدة من صفحتين.. فسوف أعطيك نسخة نادرة منها. نتصفح معا مقال الأهرام لنجد أنه كان في معظمه مقالا واحدا..

قلت: المقال لك إذن.. ماذا قلت فيه؟

سليم تقلا باشا يقرأ مقاله:

إن غاية المجد يستطيع أن يبلغها بثلاث وسائل: مدارس، وقاعات للتمثيل، وجرائد ثم يمضي مبينا فوائد المدارس والتمثيل لقد تبين للناس ضرورة إنشاء الجرائد وتسيارها في جميع الأقطار حاملة أخبار الأمم تفصيلا واختصارا، ليعلم المطالع مجمل حوادث الأرض، ويحيي أوقاته باستيعاب الافادات سواء أكانت سياسية أم تجارية أم علمية، وجعلوا للصحافة الأهمية الأولي والاعتبار الثابت وأطلقوا عليها تسمية لسان الأمم.. لذلك أنشئت الجرائد في جميع بلاد الجنس المتمدن وتسابق أهلها علي إحرازها والانتفاع بها في كل صقع وناد، وبات كل يعرف جزءا من يومه بمطالعة الجرائد مهما كان شغله شاغلا ليكشف أخبار العالم، ويبرهن علي أنه منه..

قلت: حدثني عن جريدتك يا أيها الجورنالجي العظيم؟

يقول: الجريدة تصدر يوم السبت من كل اسبوع وأن حجمها سيكون ضعف هذا المثال وأن عنوانها جريدة سياسية وعلمية وتجارية وسأنشر فيها الاعلانات وقد أقمت في جميع الجهات وكلاء وقد كان عدد هؤلاء اثنين وعشرين وكيلا عدا وكلاء القاهرة، يمثلون اثنين وعشرين بلدا في مصر والاسكندرية وسائر البلاد العثمانية، وثمنه في أوروبا والجزائر وتونس وزنجبار وكلكتا وتباع بثلاثين فرنكا.

..............

...........

>>ملحوظة من عندي: نسينا أن نقول رننا بحثنا عن جريدة الأهرام في شوارع الاسكندرية في عام 1875.. لم نسمع مناديا للصحف ينادي عليها.. ولم نجد أكشاكا لبيع الصحف.. إنما وجدناها عند المحلات الكبري ومحلات البقالة ونوادي الجاليات اليونانية والايطالية والتركية والمقاهي الشهيرة الكبري.. «كانت أيام».{

Email:[email protected]

Email:[email protected]
لمزيد من مقالات عزت السعدنى

رابط دائم: