رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

فــــن البنـــــاء وفـــــن الهـــــدم!

بعد الثورة اختلط مفهوم الحرية بمفهوم الفوضى كما يحدث عادة بعد الثورات ولفترات غير قصيرة.. ووسط هذا الاختلاط تهتز القيم الثابتة ويجد الانتهازيون فى هذه المرحلة فرصة لبيع سلعهم الفاسدة التى تمتد إلى الفن,

 حيث إن للفن، سوقا رائجة لها مردود مادى فى المنطقة العربية كلها.. وهنا يتدخل الكثير من المال «الجاهل» بجوار القليل من «المال الواعى» أو المؤمن برسالة الفن.. وهذا ماحدث فى مصر فى السنوات الماضية ـ حيث إن مصر مركز توزيع الأعمال الفنية بما تملكه من إمكانات ونجوم ـ ومن هنا فقد رأينا أفلاما وضيعة ومسلسلات تقوم على الدم والبلطجة وأيضا أغانى سوقية لاتفرق بين لقطة أخلاقبة ولفظة خارجة.. وهكذا فقد الفن هيبته وأخلاقيته ورسالته.

وهذا العام قلنا لعلنا نتوقع خيرا من الاصلاحات والمشاريع التى تتم فى بلد بداية من معالجة مرض الأمراض المزمنة والخطيرة تلك التى ورثناها عن العهد السابق معدوم الضمير.

ولكن ماذا حدث.. بدأت المسلسلات بمسلسل شاركت فيه مدينة الإنتاج الإعلامي.. وتوقعنا أن يكون مسلسلا »مسئولا« حيث إن مدينة الإنتاج الإعلامى تسهم فيها الدولة بأكثر من نصف الأسهم.. ولكن للأسف ربما كان هو المسلسل الأضعف والدموى وهو يحمل اسم «حوارى بورخارست» وبوخارست ليس اسم مدينة غربية، ولكنه اسم بطل المسلسل الفتوة.. تأتى بعد ذلك سلسلة من المسلسلات الأخرى والتى لاتناقش قضايا البلد أو حتى قضايا الناس أو الإنسان عموما ولكنها تستغل شهر رمضان.. وجلوس ملايين المشاهدين أمام شاشات التليفزيون لتصبح هى مجرد عنصر جذاب للمعلنين حيث يصبح الإعلان هو الهدف الأول والمسلسل مجرد صور تتخلله.

ولكن.. هل تصبح المسلسلات مجرد تسلية أوملء فراغ.. أم أن لها رسالة سلبية خطيرة على العقل الجمعي.. والوجدان اللاواعى للمشاهدين؟ هذا هو السؤال.. وهذا هو الخطر.

نحن نعرف جميعا مايدور حولنا من حروب وأن أسبابها فى مجملها هو التفاوت فى شرح مفهوم الإسلام «كل فئة تكفر الأخرى» والنتيجة الدم السائل.. والضحايا كل يوم لذلك استقر الجميع.. فى كل الدول وعلى رأسها مصر الى الدعوة لتنقية وإصلاح الخطاب الدينى أى العودة إلى الدين الصحيح.. والذى يدعو إلى عبادة الله.. خالق الكون والإنسان.. وإلى عمل الخير أو العمل الصالح.. فهل راعى التليفزيون ذلك؟ أم أن مسلسلاته دعت فى معظهم الى تكريس الدجل والشعوذة وتغييب العقل ودعوة الناس إلى اللجوء إلى عوالم أخرى بعيدا عن هذا العالم.. وبمعنى آخر تحويل الناس إلى كائنات سلبية تحل مشاكلها بعيدا عن المجتمع ففى أحد المسلسلات يسير بطل العمل وزوجته وراء الدجل وقراءة المستقبل من خلال الدجالات.

وفى مسلسل آخر يلجأون إلى أعمال السحر والشعوذة للانتقام بسبب الميراث.. وعمل سحر آخر جلبا للحب.. تماما كما يدعو دجالو القنوات الفضائية الذين يحلون جميع المشاكل بتسخير الجن.. وفى مسلسل يانا ياانتى التى تقوم فيه بطلاته بالنصب على السيدات مستعينات بشيخ اسمه «معجزة» يستطيع تحويل الجنيه المصرى إلى دولار ثم فكه فى المصارف وإعادته جنيهات (لاحظ كيف يلعبون على متاعب الناس) وكذلك تفعل (دنيا سمير غانم فى مسلسلها المسمى »لهفة« حيث تستعين بأحد الشيوخ للتخلص من الجن الذى يسكن شقتها والذى هو روح أمها! وهكذا فى عدد من المسلسلات الأخري.

الخطورة هنا هو مايستقر فى وجدان المشاهدين الذين هم غالبية الشعب ـ خصوصا الأجيال الجديدة من الأطفال..والذين يؤثر فيهم التليفزيون أكثر مما يؤثر البيت أو المدرسة فإذا علمنا أن الناس فى مصر يستقون تعاليمهم من ثلاثة مصادر.. هى المسجد والتليفزيون والشارع أدركنا خطورة التليفزيون بصفته الأكثر وجودا وتأثيرا فإذا كانت حاله هكذا.. وهى تغييب العقل فكأننا ونحن نعمل ـ كدولة ـ إلى إعمال العقل وإلى العمل الايجابى نجد التليفزيون يهدم كل ما نبني.. خاصة أن التأثير الذى يوصله ويرسخه العمل الفنى أكثر عمقا مما تفعله الخطب والمحاضرات مهما بلغ عددها أو قوتها.

والآن.. مادام رأس المال الانتهازى والمنتج لهذه الأعمال لايرى إلا نفسه وإلا العائد المادى الذى سيدخل جيبه.. يأتى دور الدولة.. أو بمعنى أدق دور الدولة كمنتج يعى تماما دور الفن.. وتأثير الفن.. والعائد الأخلاقى والوجدانى من الفن إن كان حقيقيا وله رسالة كما كان فيما قبل والناس على استعداد لتقبل «الفن الجميل» وهذا واضح من اقبالهم الشديد على البحث عن أفلام «الزمن الجميل».

إن الدولة تضيع ملايين كثيرة على الندوات والاحتفالات وموظفى وزارة الثقافة فى حين ان مايقدم شىء هزيل ولعل هذا ماجعل ميزانية وزارة الثقافة تقل عاما بعد عام.. لماذا لايوجه هذا المال إلى عمل إيجابى فعلى يتشكل فى انتقاء مسلسلات ترتقى بالذوق العام وتبث قيم الجمال والتعاون والعمل وهى القيم التى نحتاجها الآن.

لماذا لاتعود وزارة للإعلام تكون مسئولة فنحن فى عصر إعلامى اكثر منه ثقافي!بمعنى أن التليفزيون أكثر انتشارا وتأثيرا من الصحف والكتب والمحاضرات.

الحاجة ملحة.. الآن وليس غدا.. يجب أن تتدخل الدولة كمنتج للأعمال الفنية.. ولا أعنى هنا أن يكون الإنتاج موجها كما كان يحدث فى العهد الاشتراكى ولكن أن يكون داعيا ومفيدا.

(لاننكر أن هناك منتجين للأعمال الفنية لديهم ضمير وطنى وعلى رأسهم «آل العدل» جمال ومحمد والشاعر مدحت العدل.. فمسلسلاتهم هذا العام مسئولة على الأقل أمام ضمائرهم ونحن نعزيهم فى شقيقهم الأكبر الفنان الراحل سامى العدل) وننتظر من الدولة أن تضخ شيئا من الميزانية العامة فى هذا المجال أو على الأقل تكون هى المنتجة للأعمال التى تشارك فيها مدينة الإنتاج الإعلامى والتى أعلم أنها متعثرة ولاتملك مالا وإنما تسهم بالخدمات فقط! مما يجعلها تقبل أى عمل يعرض عليها ولو كان هابطا أو ضد الذوق العام وكما تحارب الدولة الفكر المتطرف عليها أن تحارب وبنفس الأهمية الفن الردىء.


لمزيد من مقالات بهيج اسماعيل

رابط دائم: