رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

عمر الشريف.. فنانا ومفكرا

كان فى أحاديثه الأخيرة يتكلم بنبرة من الرضا عن حياته المديدة التى عاشها رغم ما فيها من تقلبات. لقد نال عمر الشريف إعجاب الجميع

بسبب أدواره الأولى فى السينما العالمية فى أفلام «لورانس العرب» و«ليلة الجنرالات» و«دكتور زيفاجو». 


ولأنه كان يعلم أن اختراق شركات الإنتاج فى هوليود أمر صعب خصوصاً وأنه مصري، فطرح نفسه على الناس بصورة أخرى تتجاوز حدود صورة الممثل الموهوب، فأصبح لاعب البريدج والمهتم بسباق الخيول والأعزب اللاهى والمبذر. لقد قدم نموذجا مختلفا عن ذلك النموذج الذى ساد خلال النصف الأول من القرن العشرين والذى يتسم بالميل إلى الالتزام والكفاح. ولكن بعد الحرب العالمية الثانية بدأ الشباب يبحث عن مباهج الحياة ويتخلى عن صورة المؤمن القابض على الجمر. ولهذا كان لنموذج عمر الشريف جاذبية خاصة فهو شخص يستمتع بكل ما يؤديه، وإذا كان يؤدى عملا بإتقان فلأنه يستمتع به. لقد أراد أن يخلى حياته من روح الجدية وأداء الرسالة فى الحياة، تلك الأشياء التى تبدو نبيلة ولكنها تمثل عبئا على الوجود. وقد نال هذا النمط فى الحياة من إعجاب الناس به ومنحه مكانة فريدة بين الفنانين.


ودعم هذه الصورة السحر الخاص لأحاديثه، فهو لا يعيد الكلام المتداول المعروف ولكنه يفاجئ الناس بحديث مختلف غير متوقع. ففى احتفال سيزار الخاص بالسينما الفرنسية نودى على عمر الشريف فائزاً بالجائزة الأولى فى التمثيل عن فيلمه «السيد إبراهيم وزهور القرآن». ونحن نتوقع فى هذا الموقف إما دموع التأثر أو إهداء للوالدين اللذين سهرا وتعبا، أو شكر لكل فريق العمل الذى لولاهم ما خرج العمل إلى النور، إلى آخر هذه العبارات المحفوظة. ولكن عمر الشريف يتناول الجائزة ويتجه إلى الميكروفون ليقول : كنت أعلم أننى سأفوز، لأننى حينما أبلغونى بترشيحى للجائزة، سألت من أعرفهم فى الوسط الفنى عن متوسط عمر أعضاء لجنة التحكيم، فقيل لى بين أربعين وخمسين عاماً، فقلت إذن كانت أمهاتهم شابات فى الستينات ومعجبات بي، وأكيد سوف يتصلون تليفونياً بأبنائهم ويقولون لهم من أجل خاطرنا أعطوا أصواتكم لعمر، فشكراً لأمهات أعضاء لجنة التحكيم. 


كان عمر الشريف لا يأبه كثيرا بحرفة التمثيل، بل كان يعتبر أنه يمثل فقط فى أوقات فراغه من البريدج ويلعب البريدج فى أوقات فراغه من التمثيل. وفى نظرته إلى عمله كان يعتقد مثل مارسيلو ماستوريانى أنه شخص محظوظ لأنه يقوم بعمل تافه بسيط ومع ذلك يجنى أموالاً طائلة ويحظى بحب الناس. وكثيرا ما كان يسخر من أولئك الممثلين الذين يروعون الآخرين بالحديث عن مشاق عملهم. ولهذا أيضاً كان معروفاً عنه أنه يمنح الفنيين العاملين فى البلاتوه أموالاً من جيبه الخاص. ويقول «نحن النجوم لا نتعب، ونكسب مالاً كثيراً، وهؤلاء العمال يقومون بعمل شاق طيلة النهار ويتقاضون أجراً محدوداً».


ورغم شهرته الواسعة كان كثيراً ما يتحدث عن نفسه حديث المتواضع، ويتجنب نبرة الاستعلاء أو من يعطى الآخرين دروساً، وقد قربه هذا من الناس. ففى أحد أحاديثه التليفزيونية، أعلن أن أمنية حياته أن يؤدى دوراً فى فيلم للمخرج الإيطالى الكبير فريدريكو فيللينى وقال: اتصلت به وأرسلت له شريطاً به مقتطفات من بعض أفلامي، ولكن يبدو أن فللينى لم يقتنع بأننى ممثل جيد. هذه الأمنية التى لم تتحقق لم تخلف وراءها يأسا ولا ضغينة، فقد ظل مرحاً ومعترفا بقدر المخرج العظيم فيلليني.


كان بالفعل ساحراً فى أحاديثه ويغرى الجميع بالإنصات إليه، وفى برنامج ثقافى بالتليفزيون الفرنسي، سأله مقدم البرنامج: سمعنا أنك كنت مقرباً من الكاتب المسرحى صمويل بيكت، فقال نعم.. كنت ألعب على المسرح إحدى مسرحياته ونصحنى المخرج بأن أتناقش معه كى أفهم الشخصية، فكنت أنا وبيكيت نتناول العشاء وحدنا على مدى أكثر من شهر. وماذا كان يقول لك؟ أردف المذيع، فقال عمر الشريف:  كان صامتاً وأنا الذى أتحدث، كنت أحكى له حواديت كثيرة من الشرق ومن الغرب، أحكى له عن نفسى وعن الآخرين. كم كنت أحمق، لقد احتكرت الحديث ولكنه كان سعيداً بما أقول. 


كان فخوراً بمصريته ويعتز بجواز سفره المصري.. مهموماً بما يجرى فى مصر. ولقد بذل جهودا كبيرة فى باريس للدعوة لدعم مصر بعد الزلزال فى 1992. يبدو عليه التأثر الشديد حينما يتطرق إلى أوضاع المنطقة العربية ويميل صوته إلى التعبير عن الأسف والأسي. والضجة التى حدثت بعد موته عن ديانته، ماهى إلا تأكيد لنبرة التشاؤم التى تغلف حديثه عندما يتطرق إلى هذا الموضوع. فحينما سألوه عن رأيه فيما يحدث فى المنطقة العربية قال: «استطاع المواطنون فى الدول الأوروبية أن يعيشوا فى سلام فى بلد واحد رغم اختلاف أديانهم. وكان هذا بفضل العلمانية. ولكن هذه العلمانية لم تأت إلا بعد مائة عام من الحروب الدينية فى أوروبا، وأظن أننا فى الشرق قد بدأنا الآن حرب المائة عام بين الأديان والمذاهب».


 كان عمر الشريف ممثلا عظيما وإنسانا عظيما وصاحب قلب كبير امتلأ بحب بلاده.



لمزيد من مقالات د.انور مغيث

رابط دائم: