والكتاب محفوظ ولم يحتاج إلى جماعات مثل الإخوان والدعوة السلفية والنصرة أو داعش. بل إن التفرق والتناحر والاقتتال والتكفير بصوره الواسعة والدامية لم نعرفه إلا مع وجود وبزوغ هذه الجماعات ! والتى بات راسخا أنها خرجت من رحم أجهزة مخابرات غربية ـ بدأت بالبريطانيين ثم تمرغت هذه القيادات فى أحضان أجهزة المخابرات الأخرى وأبرزها مخابرات ال سى أى أيه والآن لم يعد خافيا الأصابع القطرية والتركية والإسرائيلية والبريطانية والألمانية والفرنسية... الخ، ترى ما الذى استجد على المشهد؟! وبصراحة مطلقة فان الانشقاق منذ اللحظات الأولى ما بين هذه الجماعات ولايزال حول السلطة، ومن هو الأحق بتولى أمور الناس، ومن يأخذ غنائم السلطة، ولم يكن من السهل الاعتراف بأن ما نحن بصدده «صراع على الدنيا» من رجال يقولون أنهم لا يريدون سوى وجه الله؟! إلا أن الغريب أن هؤلاء ابتدعوا كل ما يناقض المبادئ والقيم الأصيلة للدين الإسلامي، فالكل يعلم أن الدين الذى جاء رافعا لواء الحرية والذى بشر رسوله بأن الإنسان حر فى اختياره »فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر« فإننا رأينا هؤلاء الدعاة والشيوخ الجدد لا يتهمون الآخرين بالمعصية، بل بأنهم يعيشون فى مجتمعات جاهلية كافرة، ومليئة بالفاسدين والمفسدين. كما أن أدبيات جماعة الإخوان الإرهابية حرصت على أن تنتزع «الحرية» من عقول وقلوب أتباعها، وتقول أدبياتها أن الفرد فى يد المسئول عنه فى الجماعة مثل الميت فى يد من يغسله يقلبه كيفما يشاء!
والنقطة الثانية إنتزاع حرية الفكر والتساؤل، وهذه أخطر ما حدث لهؤلاء الذين جرى تغيبهم عن الوقائع التى حولهم ـ ولذا لم يكن غريبا أن يطلق المصريون عليهم لفظ «الخرفان» نظرا لأنهم لا يعملون عقولهم ولا ينظرون ولا يجرؤن على طرح أسئلة بسيطة من عينة: من أين هذه الأموال الطائلة التى بحوزة الجماعة، وإلى أين تذهب، وهل هناك أى نوع من الدفاتر والمحاسبة؟! والسؤال الآخر لماذا ومن أين هذه المليارات والملايين الطائلة التى تراكمت لدى القرضاوى والشاطر وحسن مالك وغيرهما. وإذا كان هؤلاء قد جنوا كل هذه الأموال بطرق شرعية، إذن لماذا لم يحاول أى أحد أن يفسر من أين وإلى أين ذهبت الأموال؟! ولماذا يطلب أحد «الدعاة الجدد» 25 مليون دولار من السعودية، والأخطر كيف تحققت هذه الثروة فى عقدين من الزمان؟!
وهنا النقطة الثالثة: هل تجارة الدين مربحة إلى هذا الحد، ولماذا لم يكسب «شيوخ الأزهر» مثل هذه الملايين والمليارات، ولماذا لم يكسب الشيخ عبدالباسط عبدالصمد والمنشاوى والشيخ أحمد رفعت مثل «الدعاة والشيوخ الجدد»؟!
وأحسب أن المرء لا يحتاج إلى تذكير القراء بالاتهامات المتبادلة بشأن التمويل السخى من قطر، ومن دول أخرى بالخليج لهؤلاء المتاجرين بالدين. ولا ننسى صورة أحدهم وهو يقبل يد العقيد القذافي، ولا الاتهامات التى طالت العديد من الأسماء تلقى أموالا من إيران. والغالبية تعلم بالزيارات المتكررة لإيران والسعودية والإمارات وقطر، والآن باتت تركيا تنافس لندن وباريس وبرلين فى لجوء هؤلاء اليها واستقرارهم فيها.
أما بعيدا عن ذلك فإن الدين بات تجارة بل وصناعة كبيرة، فهناك الآن «شيوخ الفضائيات» ونجوم الغناء الدينى «ونجوم» القراء والمبتهلين وصارت هناك بورصة لهؤلاء النجوم وأسعار وطابور طويل من العاملين، بل ومسابقات فى الفضائيات، وجوائز حج وعمرة، وأيضا اعلانات ميزانياتها بالملايين، كما أن هذه الصناعة لها مواسم، وباتت شركات السياحة التى تنظم الحج والعمرة تروج بأن النجم أو «الشيخ كذا» سوف يصطحب هؤلاء الذاهبين إلى بيت الله الحرام؟!
وهنا نصل إلى النقطة الرابعة: صراع سلطة تحت عباءة الدين، ومن الغريب أن هذه الفرق والجماعات من البداية وحتى هذه اللحظة تورطت فى «ألاعيب السلطة» ومناورات السياسة إلى أبعد مدي، فهؤلاء المتأسلمون تعاونوا مع الإنجليز والقصر والضباط الأحرار وعبدالناصر ونجيب والسادات ومبارك وطنطاوي، كما أنهم لم يعد بمقدورهم إخفاء التعاون مع أجهزة المخابرات وأمن الدولة سواء فى مصر أو السعودية أو باكستان، كما أن المجاهدين الأفغان و»المجاهدين العرب« لم يكونوا سوى منتج مخابراتى برعاية ال سى أى أيه وهؤلاء المجاهدين سواء فى الصومال وغزة وغيرها تناحروا وتقاتلوا ليس حول «مبادئ الدين» بل «مقاعد السلطة»؟! والآن هل يمكن لأحد أن يفسر لنا لماذا تحالف الإخوان وحزب النور ومصر القوية والوسط والأصالة فى بادئ الأمر، ولماذا استدار قادة النور بعد ذلك؟ ترى هل جمعتهم السلطة وفرقتهم، أم أن الخلاف كان من أجل الأخرة والمبادئ؟! ولماذا الخلاف ما بين أعضاء مكتب الارشاد، ولم إصرار القادة فى السجون على قيادة الجماعة؟! أسئلة عديدة، وتفاصيل كثيرة موجودة ومنشورة لم يتوقف أحد أمامها، لعل من أبرزها لماذا إنهار بنك البركة، ومن أين ليوسف ندا بهذه المليارات، وما هى التفاهمات مع أوباما.. وكيف يتم لعن أمريكا وقتل السفير الأمريكى فى طرابلس، وفى ذات الوقت هذه التفاهات مع أوباما وجون ماكين ودوائر أمريكية وغربية، والأخطر كيف يتم تخويف وزير الدفاع المصرى بأن الأمريكيين لن يتركوه، وهنا سؤال: هل الأمريكان والصهاينة يتآمرون على الدين أم حلفاء لكم؟ والدليل أنهم ليس لديهم «خلافات حادة» معكم، وتلك الفيزا المشبوهة لعمر عبدالرحمن مفتى القاعدة للذهاب إلى أمريكا، ولا العلاقة المشبوهة لكل دكاكين ومنظمات هذه الجماعات فى الغرب ولا النشاط اللا حدودى على أراضى هذه الدول، والحماية والإعانات، وأخيرا معالجة جرحى داعش فى مستشفيات اسرائيل، ولوم قناة الجزيرة للجيش المصرى لاستخدامه القوة المفرطة مع ارهابيى داعش فى سيناء مؤخرا.
ويبقى أن ما حدث من أحداث أحاطت بصلاة القارئ محمد جبريل فى مسجد عمرو بن العاص يعيدنا إلى قلب القضية ألا وهو خلط الأوراق مرة أخرى ما بين الدين والسياسة وبدلا من تواصل الناس مع الخالق فإنهم أجبروا على الزج بهم فى خلاف سياسى بل صراع سياسى تصر فيه الجماعة الإرهابية على عدم قبول حكم الغالبية من المصريين ومن المدهش أن الدولة المصرية لاتزال عاجزة عن إنهاء «دولة الإخوان» المتوغلة فى مفاصل الدولة، والمصرة على أن تختطف الناس، وأن تمارس السياسة والعنف والارهاب المعنوى ثم المادى من أجل «أجندة سياسية» و«بيزنس الدين» الخاص بها وبقيادتها فقط! ومن هنا فإن جبريل الذى يقدم نفسه بوصفه «رجل دين» يقوم فى لحظة بخلع رداء الدين ليلبس مسوح رجل السياسة ليهاجم جميع خصوم الجماعة من مكان لا يتسع للخلاف السياسي، ولا يليلق به التناحر، وفى وقت جاء الناس ليتقربوا إلى الله لا لنصرة الجماعة الارهابية.
وأحسب أن الأزهر والأوقاف والإعلام ورجال التعليم ورموز الثقافة عليهم جميعا أن يوقفوا عمليات «القصف والنصب» التى تمارس على المصريين، وأن يتم فتح «الملفات الحقيقية لهؤلاء حتى يتعرف الناس على الصورة الحقيقية لهم وأن يتم التوضيح بأن جبريل وشيوخه لا يتورعون عن تقبيل يد السلطان لو امتدت بالأموال، ولو إحتمت بالقواعد الأمريكية مثل قطر لأنها عند هذه اللحظة تكون القوات الأمريكية من جند الله مثلما قال كبيرهم القرضاوي؟! كما أن هؤلاء المتلونين لابد من نشر مواقفهم المتناقضة من التأييد إلى اللعن بتغير بوصلة الأموال وبتغير بوصلة الأيدى التى تحركهم فى وضح النهار؟! لقد حان الوقت لوقف التلاعب بمشاعر الناس، وتغييب عقولهم، ونهب أموالهم وقتل ابنائهم باسم جماعات مشبوهة وإرهابية لم تجلب الخير بل الخراب!