رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

اليونان والديون وبيع الأصول الوطنية

جاءت نتائج مفاوضات اليونان مع حكومات الدول الدائنة الأوروبية مخيبة لآمال العديد من شعوب العالم التى كانت تتطلع إلى نموذج تتمكن

فيه إحدى الدول التى وقعت فى فخ المديونية الخارجية من إيجاد منفذ، يمكنها من استعادة القدرة على النمو والعيش بكرامة وسداد ما عليها من ديون. رئيس الوزراء اليونانى وقف أمام البرلمان يعترف بأن السياسات التقشفية المطروحة قاسية ولن تكون فى صالح الاقتصاد اليوناني، إلا أنه قد اضطر إلى قبولها، حيث كان الأمر بمنزلة طريق ذى اتجاه واحد. وزير مالية اليونان السابق وصف الاتفاق المبدئى مع قادة منطقة اليورو بأنه يشبه معاهدة فرساى المهينة التى أبرمها الحلفاء مع ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى والتى تعمدت إذلال الشعب والحكومة الألمانية. أما المتحدثة باسم البرلمان اليونانى فقد وصفت الاتفاق بأنه إبادة اجتماعية للشعب اليوناني.


السؤال الذى لابد وأن يتبادر إلى الأذهان هو لماذا اضطر رئيس الوزراء اليونانى لقبول تلك الشروط، التى يقر هو نفسه بأنها لن تكون فى مصلحة الاقتصاد اليوناني، والتى قام برنامجه الانتخابى على رفضها وحصل على تفويض من الشعب بتعزيز ذلك الرفض؟ الإجابة ببساطة هى أن ظهره للحائط! المسألة ليست فقط أن الحكومة فى حاجة لموارد مالية لسداد عجز الموازنة العامة وحفز النمو والنشاط الاقتصادي.


المسألة أن الحكومة اليونانية فى حاجة لسيولة عاجلة لدفع فوائد وأقساط الديون المستحقة حاليا وفى هذه اللحظة.


الانتظام فى الدفع هو الذى يسمح لها بالسحب من القروض التى سبق أن تعاقدت عليها فى عام 2012. اليونان تخلفت عن سداد القسط المستحق لصندوق النقد الدولى فى نهاية شهر يونيو الماضى فأوقف السماح لها بالسحب من قروضه السارية والتى لم يتم استخدامها بالكامل بعد. تخلفت أيضا عن سداد مدفوعات مستحقة للبنك المركزى الأوروبى فى بداية شهر يوليو الحالى فأوقف العمل بخطوط الائتمان الممنوحة للبنوك اليونانية.


إيقاف العمل بخطوط الائتمان يعنى عجز تلك البنوك عن تمويل النشاط الاقتصادى وتمويل واردات اليونان من العالم الخارجي. البنوك اليونانية مغلقة منذ يوم 29 يونيو الماضى وستظل مغلقة لمدة شهر قادم.


باختصار اليونان تحتاج سيولة سريعة لسداد الأقساط المستحقة للدائنين، كى يتم السماح لها باستخدام باقى القروض التى سبق التعاقد عليها، وتوفير الموارد اللازمة للحركة اليومية للاقتصاد، ناهيك عن الحصول على تمويل جديد.


الاتفاق المبدئى مع قادة منطقة اليورو ينص على منح اليونان حزمة تمويلية تصل إلى 86 مليار يورو على مدى ثلاث سنوات بشرط التزام الحكومة بمجموعة معينة من الإجراءات، التى يرى الدائنون أنها تكفل انتظام اليونان فى السداد.


وحيث إن تفعيل القرض يمكن أن يستغرق شهورا، فقد وافق الاتحاد الأوروبى على منح اليونان قرضا عاجلا 7 مليارات يورو لسداد المدفوعات المتأخرة والآنية للدائنين.


الشروط المبدئية للاتفاق تتضمن زيادة إيرادات الحكومة من خلال رفع ضريبة القيمة المضافة (التى ترفع أسعار السلع والخدمات) على المطاعم والفنادق والوقود والمواد الغذائية والأدوية والكتب، ورفع الضريبة على أرباح الشركات الصغيرة من 26% إلى 29%، ورفع الضريبة على المزارعين من 13% إلى 26%، فضلا عن رفع الضريبة على السيارات الفاخرة واليخوت وحمامات السباحة من 10% إلى 13%.


أما فيما يتعلق بتخفيض النفقات فينص الاتفاق المبدئى على تخفيض الإنفاق على المعاشات من خلال إيقاف العمل تدريجيا بنظام المعاش المبكر ومد سن التقاعد إلى 67 سنة، ومراجعة نظم التفاوض الجماعى بين العمال وأصحاب العمل.


أما أخطر البنود على الإطلاق فيتمثل فى تعهد اليونان ببيع أصول مملوكة للدولة بما يعادل 50 مليار يورو توضع فى صندوق تتم إدارته والرقابة عليه من جانب الدائنين.


أى أنه كى تحصل اليونان على قرض 86 مليار يورو ستقوم ببيع أصول بمبلغ 50 مليار يورو تضعها تحت تصرف الدائنين. رأس المال الدولى يصر دائما على استخدام قاعدة من دقنه وافتل له! الاتفاق المبدئى ينص على أن نصف حصيلة الصندوق سيتم استخدامها فى سداد القروض الممنوحة للبنوك اليونانية لتدعيم قاعدتها الرأسمالية، والربع سيستخدم فى سداد ديون أخري، أما الربع المتبقى فسوف يتم استخدامه فى استثمارات مباشرة للأجانب فى اليونان. قائمة المرافق العامة التى تم بيعها حتى الآن شملت مجالات المياه والكهرباء والاتصالات ومكاتب البريد وخدمات المطار والموانى البحرية. البرلمان اليونانى صوت بالموافقة على البنود الخاصة بالضرائب والمعاشات، ومطلوب منه التصويت يوم 22 يوليو الحالى على برنامج الخصخصة الجديد. هل عرفنا لماذا وصف أحد الكتاب هذا الاتفاق باغتصاب اليونان؟ هل يذكرنا صندوق الخصخصة فى اليونان بصندوق الدين والرقابة الثنائية لإنجلترا وفرنسا على مالية مصر ورهن قناة السويس للدائنين فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر؟ هل يذكرنا تعبير اغتصاب اليونان بفتح الباب للاحتكارات الدولية للاستيلاء على مشروعاتنا الوطنية فى إطار برنامج الخصخصة ومبادلة الدين بالأصول الذى فرضه علينا الدائنون وصندوق النقد الدولى فى أوائل التسعينيات؟ المفاجأة الكبيرة أن صندوق النقد الدولى أصدر تقريرا يوم 14 يوليو الحالى يقول فيه إن حزمة التمويل الجديدة ستؤدى فى غضون سنتين إلى ارتفاع نسبة الدين العام فى اليونان إلى 200% من الناتج المحلى الإجمالي، وأن اليونان لن تتمكن من تحمل عبء مدفوعات خدمة الدين رغم كل السياسات التقشفية المطروحة. الحل الذى يراه صندوق النقد الدولى هو قيام الدائنين بإسقاط جزء معتبر من الدين أو منح اليونان فترة سماح لا تقل عن 30 سنة فيما يتعلق بالدين القائم ومد آجال سداد الديون الجديدة.


إسقاط الديون القديمة قد يكون الحل الوحيد بالفعل كى تتمكن اليونان من سداد القروض الجديدة، ولكن الأمر الذى لن يتغير هو استيلاء رأس المال الدولى على أصولها الوطنية... الحكومة اليونانية فشلت لأنها تخوض المعركة مع رأس المال الدولى وحدها ودون سند يوفر لها مصدرا بديلا للتمويل أو للدعم السياسى والشعبى.



لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى

رابط دائم: