رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

فى قمتى «بريكس وشنغهاى» : التنمية الاقتصادية والتصدى للإرهاب أهم النتائج

أوفا (بشكيريا .روسيا) - د. سامي عمارة
في اوفا التي اختارها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الحد الفاصل بين قارتي اوروبا واسيا جنوبي جبال الاورال، لاستقبال ضيوفه من رؤساء بلدان منظمتى "بريكس" و"شنغهاي" والذين انضم اليهم رؤساء بلدان "الاتحاد الاورواسيوي"، تواصلت اللقاءات الثنائية والمتعددة الاطراف على مدى اربعة ايام لترسم ملامح "نقلة نوعية جديدة" تشير الى تحول الرئيس الروسي الى الهجوم غير المباشر ضد ما تموج به الساحة الدولية من متغيرات تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ اندلاع الازمة الاوكرانية في عام 2013.

لم يعد خافيا على الاذهان اينما ولًى المرء وجهه، ان التشكيلات الاقليمية التي بدأت في الظهور تباعا في مختلف مناطق اسيا واوروبا وامريكا اللاتينية وافريقيا ، كانت ولا تزال تستهدف ضمنا الافلات من ربقة التبعية الامريكية، ولا سيما بعد ان كثفت الولايات المتحدة محاولاتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق لفرض هيمنتها، والانفراد بالقرار الدولي في اطار ما يعرفه العالم تحت اسم"الاحادية القطبية"، دون الالتفات الى مصالح الاخرين. ولذا كان من الطبيعي ان تكون التشكيلات الاقليمية والعابرة للقارات على غرار "بريكس" و"شنغهاي" و"التحالف الاورواسيوي" محاولة جادة للتركيز على المصالح الذاتية، ما لا بد ان يعني في نهاية المطاف ارغام الولايات المتحدة ومن يسير في ركابها من الدول الغربية، الى التراجع عن مثل هذه التوجهات. وما لمسناه في اوفا عاصمة بشكيريا في روسيا الاتحادية، خلال متابعاتنا لاعمال هذه المحافل الدولية والاقليمية هناك ،يؤكد النجاح المطرد التي تحققه، وما يعنيه هذا النجاح من حوافز دفعت الكثير من الدول ومنها مصر  الى تقديم طلباتها للانضمام الى منظمة "شنغهاي" على سبيل المثال. وبهذا الصدد نشير الى ان الحديث عن الانضمام الى عضوية "بريكس" ليس واردا بعد ان اعلنت البلدان اعضاء هذه المجموعة وليست المنظمة، اعتبارها "مغلقة" الى حين، بينما يبدو الحديث عن العضوية الجديدة قاصرا على منظمة "شنغهاي" وحدها، وإن صار هذا الامر ايضا محفوفا بعراقيل كثيرة . فالعضوية في "شنغهاي" تنقسم بين العضوية الكاملة وتقتصر اليوم على روسيا والصين وبلدان اسيا الوسطى قزخستان واوزبكستان وتاجيكستان وقيرغيزستان، والعضوية بصفة مراقب، وتتمتع بها الهند وباكستان وايران وافغانستان ومنغوليا، الى جانب عضوية "مشارك في الحوار وتتمتع بها اليوم بيلاروس وتركيا في الوقت الذي اقرت فيه الدورة الاخيرة قبول كمبوديا ونيبال وارمينيا واذربيجان كمشاركين في الحوار ، في الوقت الذي اعربت فيه دول اخرى ومنها وسوريا وسري لانكا وغيرها عن مثل هذه الرغبة،الى جانب مصر التي كانت تقدمت بطلب الانضمام في مطلع يوليو الحالى. وكان الرئيس فلاديمير بوتين كشف في المؤتمر الصحفي الختامي في اوفا عن قرار قمة "شنغهاي" ولاول مرة منذ انشائها في عام 2001 ، باطلاق عملية رفع مستوى عضوية الهند وباكستان الى "العضوية الكاملة من اجل خلق الارضية المناسبة للدولتين لتجاوز خلافاتهما، الى جانب رفع مستوى عضوية بيلاروس الى "عضو مراقب"، فيما اكد توجه المنظمة نحو التوقف امام قبول الاعضاء الجدد نظرا لان كثرة عدد الاعضاء قد يعرقل نشاطها بسبب اعتمادها نظام التوافق والاجماع عند اتخاذ القرار، وإن قال ان مثل هذا التوافق يزيد من قوة القرار. اما عن قبول طلب ايران للحصول على العضوية الكاملة فقال بوتين انه سوف يتم النظر فيه بعد الانتهاء من عملية انضمام الهند وباكستان.

ونعود لنقول ان هذه التنظيمات الاقليمية والدولية تستند في نشاطها الى توافق المصالح، وتبني الاهداف المشتركة التي تتباين بين الامنية والاقتصادية. فالي جانب المصلحة الاقتصادية المشتركة التي يمكن ان تستفيد منها اكثر البلدان الصغيرة اعتمادا على قدرات البلدان الاكبر قدرةً وثروةً، تتفق هذه البلدان حول ضرورة التعاون في مكافحة الشرور الثلاثة وهي الارهاب الدولي والنزعات الانفصالية والتطرف، الى جانب تهريب المخدرات التي يعتبرونها الاساس الرئيس الذي يستند اليه الارهاب الدولي، وإن ظهر النفط ايضا كسبيل لدعم قدرات "داعش" في منطقة الشرق الاوسط بما يجعلها اكبر التنظيمات الارهابية في العالم.

وكان الرئيس بوتين قد حرص الى جانب الاجتماعات المشتركة في اوفا، على عقد اللقاءات الثنائية مع ضيوفه وكانوا 11 رئيسا الى جانب رئيسى حكومتى الهند وباكستان، فضلا عن ممثلي سبع من المنظمات الدولية الكبرى ومنها الامم المتحدة. وتقول النتائج التي توصل اليها بوتين في معرض هذه اللقاءات والاجتماعات بنجاح روسيا في تاكيد صعوبة حصرها في النطاق الجغرافي الضيق، الذي طالما حدد ملامح محاولاتها السابقة حول بناء "البيت الاوروبي المشترك" والتركيز على تلبية رغبة مواطنيها في التمتع بحرية الحركة والاتصالات مع بلدان الاتحاد الاوروبي.

وكان المجتمعون على مختلف المستويات قد خلصوا الى توقيع عدد من الوثائق المشتركة التي كان اهمها اطلاق اعمال بنك التنمية لبلدان "بريكس" براس مال قدره 200 مليار دولار، والاتفاق حول ضرورة اصلاح الامم المتحدة وصندوق النقد الدولي، ورفض العقوبات الاحادية الجانب سبيلا الى حل القضايا السياسية وضرورة نبذ "المعايير المزدوجة"، الى جانب استراتيجية العمل لكل من "بريكس" وشنغهاي" في الفترة حتى 2020، و2025 على التوالي، و"خطة طريق" لتطوير العمل والتعاون في مجالات الصناعة والزراعة والمجالات الانسانية والمجتمع المدني والاعلام من خلال افتتاح موقع الكتروني خاص. وكانت الصين نجحت في هذه الدورة في اقناع بلدان تنظيم "شنغهاي" بدعم مشروعها حول انشاء "طريق الحرير" لربط الاسواق الصينية مع اسواق القارتين الاسيوية والاوروبية، في نفس الوقت الذي تبدى فيه اجماع البلدان الاعضاء حول اعتماد الاتفاق على خريطة الطريق لمواجهة الشرور الثلاثة خلال الفترة 2016-2018.

وقد توقف المراقبون في اروقة "قمم اوفا" عند تجاوز المشاركين في هذه اللقاءات عند عدد من القضايا الدولية ومنها الازمة الاوكرانية التي اكتفى الجانب الروسي بايجاز موقفه منها دون التطرق لا من قريب او بعيد الى قضية انضمام القرم الى روسيا، في نفس الوقت الذي حظيت فيه قضايا التعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية والانسانية بالاهتمام الاكبر الى جانب قضايا الأمن الإقليمي والرد السريع على التحديات والتهديدات المشتركة، وكذلك ملف البرنامج النووي الايراني بطبيعة الحال. وكان الرئيس بوتين قد التقى على هامش اعمال "اوفا" نظيره الايراني حسن روحاني من منظور ما قاله مساعد الرئيس الروسي يوري اوشاكوف حول "ان بلاده تعول كثيرا على إحراز تقدم خلال المفاوضات النووية الجارية في فيينا. ولذلك ستشكل نتائجها وآفاق التعاون بين روسيا وإيران نظرا لما تم تحقيقه خلال هذه المفاوضات الدولية". وكان سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسية سبق واشار ايضا الى "وجود آفاق جيدة لتعزيز العلاقات الروسية-الإيرانية في المجال العسكري-التقني"، ولا سيما بعد ان وقع الرئيس بوتين مرسومه حول رفع الحظر عن توريد أنظمة صواريخ "إس-300" إلى إيران، والذي كانت فرضته روسيا في عام 2010 تماشيا مع العقوبات الدولية ضد إيران، في الوقت الذي تعرب فيه موسكو عن املها في تراجع طهران عن دعوى التعويضات التي رفعتها ضد روسيا لدى محكمة تحكيم دولية بسبب عدم التزامها بتنفيذ صفقة المنظومات الصاروخية "إس-300". 

ولعله من المهم وقد يكون من المفيد ايضا هنا ان نتوقف عند تعليق الرئيس بوتين على الاوضاع في اليونان والموقف الراهن في علاقاتها مع الاتحاد الاوروبي ، حيث قال الرئيس الروسي بان بلاده على استعداد دائما لتقديم الدعم الى الشركاء رغم كل ما تواجهه من مصاعب ومشاكل تتناثر على الطريق، مؤكدا انها كثيرا ما تفعل ذلك. وكان بوتين اشار ايضا في مؤتمره الصحفي الى الامكانيات الهائلة التي تملكها مجموعتا "بريكس" و"شنغهاي" بما يخدم مصالح البلدان الاعضاء ويدعم مواقعها الاقتصادية ويكفل الضمانات اللازمة لتطورها وهو ما ينبغي التوقف عنده بالكثير من التروى والامل في علاقات اكثر اتساعا وابعد مدى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق