رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

تاريخ العلاقات الإيرانية -الأمريكية فى 4 مشاهد

لندن ــ منال لطفى
الاطاحة بمصدق 1953
السلبية، والخوف وشيطنة الأخر، كلها سمات ميزت العلاقات الإيرانية -الأمريكية طول العقود الستة الماضية. لكن وسط هذا العداء العلني والاختلافات المريرة والكراهية المتبادلة، دائما ما كانت هناك "همزة وصل" و"قناة تواصل سرية". وهذا جزء أصيل من تناقضات العلاقات الإيرانية -الامريكية التي تدخل مرحلة تاريخية جديدة مع توقيع الأتفاق النووي بين إيران والغرب. وبرغم التعقيد البالغ للعلاقات بين طهران وواشنطن ربما يمكن تلخصها في 4 صور أساسية، تمثل 4 محطات مفصيلة.

(1)

انقلاب 1953: لولا إطاحة مصدق: ما جاء الخميني

‎في بيوت إيرانية كثيرة، ستجد صورة كبيرة معلقة على الحائط في غرفة الأستقبال إلى جانب صور الجد أو الأب، هى صورة رئيس الوزراء الإيراني الأسبق محمد مصدق الذي أطاحته الأستخبارات الامريكية والبريطانية في إنقلاب عام 1953 ردا على تأميم مصدق للنفط الإيراني.

‎علاقة الإيرانيين بمصدق علاقة "حية"، فهو تقريبا لا يغيب عن النقاش. ويتم استحضاره في كل منعطف هام يمر به الإيرانيون وأخر تلك المنعطفات الأتفاق النووي بين إيران والغرب. فالصحف الإيرانية شبهت وزير الخارجية محمد جواد ظريف بمحمد مصدق، ووضعت صورة في الصفحات الأولى بعد أكثر من 50 عاما على وفاته.

‎وتقول ناهيد توكلي، الناشرة الإيرانية البارزة التي تعلق هى ايضا صورة مصدق في صدر غرفة الاستقبال في منزلها :"مصدق كان كالحلم العابر بالنسبة لنا. عندما أصبح رئيسا للوزراء وأمم النفط وعارض استبداد الشاه، كان الشعور العام في إيران هو التفاؤل والفخر. لكن كل شيىء انتهى سريعا، وعاد الشاه على دبابات الامريكيين. وبعدها بثلاثة عقود عاد الخميني منتصرا من باريس. وقضى على القوميين والليبراليين واليسار في إيران وبدأت ولاية الفقيه. لولا إطاحة مصدق.. ما جاء الخميني".

‎ما زال إيرانيون كثر ينظرون بحسرة إلى تلك الفترة من تاريخ بلادهم. إنها بالنسبة لهم فرصة ضائعة للديمقراطية والأستقرار. لكن إلى جانب الحسرة على مصدق وعصره، هناك بالطبع شك وعدم ثقة في امريكا. وتقول ناهيد توكلي:"لقد أطاحوا بحكومة مصدق المنتخبة ديمقراطيا لانها أممت النفط الإيراني، لانها أرادت الحفاظ على سيادة ومصالح الإيرانيين. عندما أرى الرؤوساء الامريكيين يحاضرون العالم في الديمقراطية أشعر بالأشمئزاز... هذا جرح ما زال مفتوحا بالنسبة لنا. لقد كان لدينا الزعيم الوطني، وكنا جاهزين للديمقراطية، وكانت لحظة مليئة بالفرص الكبيرة. أطاحة مصدق هى ما فتح الباب لصعود التيارات الثورية المتشددة في إيران وولادة نظام ولاية الفقيه وبالتالي العقوبات والحصار".

‎لم تعترف الاستخبارات المركزية الامريكية بدورها في إطاحة مصدق إلا عام 2013 وضغطت الاستخبارات البريطانية لإخفاء دورها في إطاحة مصدق. وفي وثائق سرية كشفتها الاستخبارات الامريكية بمناسبة الذكرى الـ60 لإطاحة مصدق وحكومة الجبهة الوطنية الإيرانية، تعترف "سي أي إيه" ان إطاحة مصدق "تم تنفيذها بأوامر مباشرة من الاستخبارات الامريكية كجزء من السياسة الخارجية الامريكية". ووفقا للوثائق فإن رئيس الوزراء البريطاني أنذاك انتوني ايدن هو من أقترح اولا إطاحة مصدق، وسعى لإقناع الامريكيين، وأقتنعت حكومة ايزنهاور بسهولة. وتقول ناهيد: "أغلب العالم يرى بريطانيا ذيلا لامريكا، إلا في إيران... نحن نرى امريكا ذيلا ابريطانيا".


(2)

أزمة الرهائن: الإيراني الغاضب

‎"في الوعى الجمعي الامريكي.. الإيراني هو الشخص ذو اللحية الكثيفة، الغاضب، المتشدد الذي اقتحم السفار الامريكية في طهران وأحتجز 53 دبلوماسيا امريكيا لمدة لـ444 يوما". تقول روبن رايت الباحثة في مركز "وودور ويلسون" في واشنطن والمتخصصة في شئون الشرق الاوسط في محاولة تفسير لماذا حتى اليوم يرى أغلبية الامريكيين إيران دولة "لا يمكن الثقة فيها".

‎وتشير رايت إلى أن أزمة الرهائن التي غطتها وسائل الاعلام الامريكية على مدار الساعة، مع صور أمهات الدبلوماسيين الامريكيين وهن يبكين أمام البيت الأبيض ويحملن صور أبنائهن مطالبين إدارة الرئيس الأسبق جيمي كارتر بـ"فعل أي شيئ" لإطلاق سراحهم، هذه الصورة ظلت راسخة في الوعى الامريكي حتى اليوم. فالصور لها تأثير لا يمحى. صور شباب إيرانيون يدفعون الدبلوماسيين الامريكيين معصوبي الأعين ومقيدي اليدين. وصور اقتحام السفارة الامريكية، وحرق العلم الامريكي والجموع الحاشدة تهتف "الموت لامريكا"، وصور العلم الامريكي على حوائط شوارع طهران الرئيسية على هيئة "جمجمة" و"مسدس".

‎أزمة الرهائن كانت دراما طويلة ومؤلمة للقوة الامريكية، فحتى محاولة الاستخبارات الامريكية تحرير الرهائن عبر أنزال جوي انتهت بكارثة لإدارة جيمي كارتر إذ دمرت طائرتين امريكيتين وقتل 8 جنود امريكيين. وفي النهاية ومع قطع العلاقات الدبلوماسية بين أمريكا وإيران..العداء العنيف، باتت الأرضية ممهدة للحرب العراقية -الإيرانية.

‎وحتى اليوم ما زالت صورة "الإيراني الغاضب محتجز الرهائن" جزءت حيويا من الخطاب السياسي الامريكي حول إيران. فبعد الأعلان عن الأتفاق النووي بين إيران والغرب، كتب الكثير من النواب الجمهوريين في الكونجرس ومرشحي الرئاسة الامريكية ضد الأتفاق مع "نظام محتجزي الرهائن"، ومن بين هؤلاء ماركو روبيو أحد مرشحي الحزب الجمهوري للرئاسة الذي قال على تويتر "اوباما تفاوض من موقع ضعف. وقدم التنازلات واحد وراء الأخر لنظام أحتجز رهائن امريكيين".


(3)

الحرب العراقية -الإيرانية: غير مسموح بالنسيان

‎الحرب العراقية الإيرانية ما زالت حاضرة... هكذا تشعر عندما تسير في شوارع طهران. فصور القتلى والنصب التذكارية في كل مكان وأسماء الشوارع مرتبط بالحرب مع العراق.

‎ فالنظام الإيراني لا يريد أن ينسى ولا يريد أحد أن ينسى أيضا. واليوم غالبية شوارع طهران تحمل أسماء شهداء شاركوا في الثورة وفي الحرب مع العراق، مثل شارع «الشهيد قرني» (أحد قادة ساباه باسداران خلال الحرب الإيرانية - العراقية)، وشارع «الشهيد همت» (أحد أبرز قادة الحرب مع العراق)، وشارع «الشهيد مفتح» وشارع «الشهيد مطهري» وشارع طالقاني. حاول الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني بعد انتهاء الحرب إزالة اللافتات الثورية وصور "الشهداء"، إلا أن المحافظين في إيران لم يسمحوا له. بل على العكس توسعت مقابر قتلي الحرب وكبرت النصب التذكارية مرددين دوما: "لقد قتل نحو مليون إيراني في الحرب التي فرضت علينا".

‎وكما يتذكر الإمريكيون اليوم أزمة الرهائن كدليل على صعوبة الثقة في الإيرانيين، يتذكر الإيرانيون ايضا الحرب مع العراق كأكثر فصل مؤلم في العلاقات مع الغرب. فجواد ظريف عندما اشتدت المناقشات في فيينا قال لنظرائه الغربيين: حكوماتكم يجب أن تمثل أمام المحاكم الدولية بسبب دورها في حرب العراق، فاليوم في إيران هناك نحو 100 الف إيراني ما زالوا يموتون ببطئ من تأثير الأسلحة الكيمائية التي زود بها الغرب صدام حسين.

‎لكن الحرب مع العراق والتي لعبت فيها امريكا دورا كبيرا في تسليح صدام حسين، لم تخلو من الوجه الأخر المعقد للعلاقات بين واشنطن وطهران. فوسط كل العداء العلني والخطاب الناري والأتهامات العنيفة، كانت هناك "قناة مفاوضات سرية" كى تزود امريكا إيران بالاسلحة، مقابل تدخل النظام الإيراني لإطلاق سراح رهائن امريكيين كانوا محتجزين لدى حزب الله اللبناني أو ما بات يعرف بـ"إيران كونترا".


(4)

الغزو الأمريكي للعراق: نظام صديق في بغداد

‎"خامنئي لا يمكن أن يثق بأمريكا. هو لم يثق بها يوما في الماضي ولن يثق بها يوما في المستقبل. لكن الغزو الامريكي للعراق 2003 غير مواقفه من امكانيات التعاون بناء على المصلحة المشتركة مع امريكا"، يقول سياسي إيراني بارز عمل سابقا في إدارة الرئيس محمد خاتمي.

‎فالغزو الامريكي للعراق منح إيران ما لم تكن تحلم به وهو "نظام صديق في بغداد". فقد سقط صدام ومعه حكم السنة في العراق، وباتت الأغلبية الشيعية قادرة على تشكيل الحكومة. هل توقعت إمريكا أن يصبح العراق بعد الغزو أكبر "رصيد استراتيجي" لإيران في المنطقة، سؤال الإجابة عليه ملغومة. لكن المحصلة أن غزو العراق فتح الباب لتنسيق أمني وسياسي غير مسبوق بين واشنطن وطهران ومهد الطريق أمام تعاون في ملفات أقليمية أخرى من بينها سوريا وتنظيم داعش.

‎ المهم في هذا التنسيق الأمني والسياسي بين الجانبين انه لم يخلق فقط تفاهمات حول عدد من القضايا الحيوية، بل خلق ايضا علاقات شخصية ومعرفة متراكمة بين المسؤولين من الطرفين. ففي تقرير طويل ومفصل حول التعاون اليومي الاستخباراتي والأمني بين الإيرانيين والامريكيين، نقلت مجلة "نيويوركر" الامريكية قبل شهرين عن مسؤولين أمريكيين كبار بتفصيل كيف يتبادلون المذكرات السرية، الأوراق الأستخباراتية، ويجرون مقابلات يومية مع المسؤولين الإيرانيين في العراق، وكيف أصبحت طهران الحليف الأول لامريكا في العراق.

‎ربما لن يثق خامنئي بواشنطن أبدا، لكن لا شك أن سياسات امريكا في المنطقة ساعدت إيران خلال السنوات الماضية عن الخروج من عزلتها وفتحت لها الباب تدريجيا لإعادة تعريف دورها في المنطقة والعالم.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق