رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

عداء للفن وليس لعمر الشريف

لم يعترف بعض المتطرفين بإسلام الفنان الجميل عمر الشريف، وأفتوا بعدم جواز الترحم عليه، سواءً مات مسيحياً أو يهودياً! وكانت هذه مناسبة إضافية كاشفة عن المدى الذى وصل إليه اقتحام هذا الفكر وأصحابه ضميرَ الآخرين، والطعن فى أمانتهم وصدقهم واتساقهم مع ذواتهم، فضلاً عن الإصرار على اشتعال الخصومة حتى إلى ما بعد رحيل من يصنفونهم فى خانة الأعداء. كما أنها دليل مفحِم، لمن لم يقتنع بعد، على أن هؤلاء قد توحشوا حتى أنه لم يعد يردعهم جلالُ الموت الذى يُسقِط كلَ خصومة فى الثقافة المصرية.

ثم دخلوا فى تفاصيل الموضوع بأن الفنان الراحل عاصٍ لأنه عمل بالتمثيل، واستعاذوا بالله على إثمه الذى لن يغفروه له، ولم يلتفتوا أقلّ التفات إلى أنه أخلص فى عمله وأجاد فيه حتى بزّ زملاءه جميعاً، ونافس على أعلى المستويات العالمية، وكان واجهة مُشرِّفة لبلده ولكل العاملين فى السينما المصرية. وما كان لهم أن يحسبوا له أياً من هذه، لأنها جميعاً تدخل فى باب المعصية التى يحسبون على عمر الشريف أنه خاض فيها بروح كافرة لا يجوز معها الاعتراف بإسلامه!

ولم يتناول أحد من هؤلاء دليلاً، من عشرات الأفلام التى شارك فيها عمر الشريف فى الداخل والخارج، ومن آلاف التصريحات والأحاديث فى كل وسائل الإعلام عبر العالم، على ما يخرجه من زمرة المسلمين بعد أن نطق بالشهادتين رسمياً! كما أنه لم يُسجَّل له موقفٌ أفتى فيه فى شئون إسلامية، وفى كل الأحوال لم يجد أحد من المتطرفين عبارة واحدة أو موقفا واحدا للراحل العظيم، كان فيه شبهة أى عداء للإسلام ولا للمسلمين، أو أى شئ من هذا القبيل.

وما كان لهؤلاء أن يبددوا طاقتهم فى جلب الأدلة، لأن الموضوع بالنسبة لهم أوضح من أن يُبذَل فيه مجهود، هم يبدأون وينتهون من أنه يعمل فى السينما، وهذا كافٍ كدليل لا يعوزه أية إضافة.

وراحوا ينقبون فى صفحات قديمة فى سيرته العائلية، ولا تعرف دقة المعلومات التى روّجوها بعد ساعات قليلة من إعلان الوفاة! قالوا إن جده لوالدته يهودى، بما يعنى أن أمه يهودية، وهو العماد الأول ليهودية الأبناء! ومن الطرف الآخر، قالوا إن والده كان كاثوليكياً متعصباً! أى أن عمر الشريف، كما أرادوا أن يلقوا فى روع جماهيرهم، قد ورث العداء للإسلام فى جيناته الوراثية قبل أن يرضعها فى بيت كاره للإسلام!

هل صارت اليهودية والمسيحية تهمة يجب على من ينتمى لأى منهما أن يثبت براءته من العداء للإسلام؟

طيب، ما علاقة كل هذا بتخصص الرجل الذى قضى فيه عمره المهنى الذى امتد إلى نحو نصف القرن؟

والغريب أن يتورط البعضُ من محبى عمر الشريف ومن يُقدِّرون انجازاته فى المنزلق الذى اخترعه المتطرفون، برغم كل هذه الركاكة والتفاهة وافتقاد الحجة وانعدام الكياسة وتهافت المنطق وسُقم الغرض والغلظة فى امتهان عقائد الآخرين! وراحوا يدافعون عن صحة إيمانه، وأنه أشهر إسلامه عن اقتناع وليس إذعاناً لإجراءت وشروط كان عليه اتباعها حتى يتمكن من الزواج من امرأة مسلمة. وذهب بعض محبى عمر الشريف يقصّون الأقاصيصَ التى تعزِّز كلامهم، ومما قيل، إنه أدى العمرة قبل سنوات قليلة، بعد أن أشهر إسلامه فى السعودية مرة أخرى عندما تشكك فى إيمانه بعض السعوديين!

وأضاف بعض المعجبين بعمر الشريف، وهم يظنون أنهم يُجهِزون على حجة المتطرفين، أنه يكفى الفنان الراحل أن الله سبحانه وتعالى قدَّر له أن يموت فى شهر رمضان المبارك، وأن هذه تكرمة لا ينالها كثير من المسلمين.

ألا ترى أن المتطرفين جذبوا الجميع إلى أرضيتهم حتى صارت أمور الإيمان الشخصى تُطرَح بهذا التبجح، فى حين أن الدستور يُقرّ فى نصٍّ لا لبس فيه أن حرية الاعتقاد مطلقة؟

يعنى، هل كان يجوز رفض أعماله السينمائية، وهل كان يمكن انتقاص أدائه السينمائى، لو لم يكن أشهر إسلامه؟

كان يمكن أن يتجاهل الجميع تماماً هذا الكلام والقائلين به، وهو أقل ما يمكن فعله، أو أن يردوا على المتطرفين الذين يطرحون موضوعاً غير وارد، لأن عمر الشريف لم يُرشِّح نفسه فى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، حتى يمكن الكلام عن شرط أساسى لمن يتولى المنصب.

الخلاصة، أن هذا عداء أصيل للفن وللفنانين، ولم يكن عمر الشريف سوى غرض يتدرب عليه المتطرفون توطئة لمعارك يعدون لها العدة.

كما أنهم يحسبون حسبة بسيطة ساذجة لا يمكن أن تسير فى الاتجاه الذى يخططون له، وهى أن الضرب فيمن هو بقامة عمر الشريف تخويف للآخرين العاملين فى المجال.

أكبر تنظيماتهم، وبعد كل الأكاذيب عن تقديرهم للفن الذى يصفونه بأنه هادف وملتزم، لا يجدون دفاعاً مقنعاً عن أن كوادرهم فى الجامعة الناشئة على السمع والطاعة تتلقى الأوامر بالاعتداء على الأنشطة الفنية التى يمارسها زملاؤهم فى إطار النظام الجامعى الذى يضع الضوابط الصارمة التى تلزم شباب الطلبة الفنانين بأن يلتزموا أقصى التزام بالآداب والتقاليد واحترام الدين..إلخ. ولكن الكثير من هذه الاعتداءات التى تصر على فض النشاط الفنى يُستخدَم فيها العنف وأحياناً السلاح الأبيض، ولم يحدث أن توقفت أو تراجعت هذه الاعتداءات إلا إبان قوة الدولة فى عهد عبد الناصر، ثم سرعان ما عادوا إلى جرائمهم فى الجامعة مع بداية عصر السادات وحتى الآن.

عندما يرفع المتطرفون السلاح يكون التعامل معهم أكثر سهولة، مع إدراك كل المخاطر التخريبية للإرهاب، أما بث أفكار التكفير والتخوين، فهو الأخطر وهو ما يجب أن يتصدر اهتمامات المجتمع كله، مع أجهزة الدولة، وإلا كنا نهمل أهم أسباب تفريخ التطرف والإرهاب.

[email protected]
لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب

رابط دائم: