مكالمة هاتفية من بيروت منذ أيام قليلة كانت كفيلة بأن يغرق الإنسان فى حالة حزن شديد، رغم أنها لم تحمل جديدا، ولكن كرست الشعور بالعجز تجاه أضخم مأساة إنسانية يعيشها العالم الآن.
كان المتحدث من وكالة غوث اللاجئين بلبنان، وشرح بإسهاب كيف تتدهور أوضاع اللاجئين السوريين هناك بسرعة خاصة مع تزايد العجز فى الموارد المالية المتاحة.
فقد تجاوز اليوم عدد اللاجئين الفارين من سوريا إلى لبنان المجاورة حاجز المليون شخص، وهي محطة قاتمة في الأزمة تفاقمت بسبب سرعة نضوب الموارد ووصول قدرة المجتمع المضيف إلى حافة الانهيار.
فبعد حوالى خمس سنوات على بدء الصراع في سوريا، أصبح لبنان البلد الأعلى كثافة باللاجئين في العالم، ويصارع لمواكبة أزمة لا تبدو عليها علامات التباطؤ، كما بات عدد اللاجئين السوريين الآن يساوى تقريباً ربع سكان لبنان.
فقد عانى لبنان من صدمات اقتصادية جسيمة بسبب النزاع في سوريا، بما في ذلك تدني مستوى التجارة والسياحة والاستثمار وارتفاع في النفقات العامة، وتصارع الخدمات العامة من أجل تلبية الطلب المتزايد، مع فرض ضرائب على الصحة والتعليم والكهرباء و المياه والصرف الصحي.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الأزمة السورية كلفت لبنان 2.5 مليار دولار أمريكي من حيث الخسائر في النشاط الاقتصادي العام الماضي ويهدد بوقوع 170ألف لبناني في براثن الفقر بحلول نهاية هذا العام، فيما تتجه الأجور إلى الهبوط في وقت تعاني فيه الأسر من أجل تدبير أمورهم المعيشية.
ووفقا لتقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، يشكل الأطفال نصف عدد اللاجئين السوريين في لبنان، ويتجاوز عدد الأطفال في سن المدرسة 400 ألف طفل وهو أعلى من عدد الأطفال اللبنانيين في المدارس العامة. وقد فتحت هذه المدارس أبوابها لنحو 100 ألف لاجئ، لكن القدرة على استيعاب المزيد باتت محدودة للغاية.
إن أكثر من يشعر بالعبء المباشر جراء تدفق اللاجئين هم المجتمعات المحلية، حيث تجاوز حالياً عدد اللاجئين السوريين في العديد من البلدات والقرى عدد اللبنانيين. وفي جميع أنحاء البلاد، وباتت قدرات البنية التحتية الحيوية على شفير الانهيار، ليطول تأثيرها اللاجئين واللبنانيين على حد سواء. كما ضعفت بشدة إدارة الصرف الصحي والنفايات، ولم تعد العيادات والمستشفيات قادرة على تحمل الضغط في الوقت الذي نضبت فيه إمدادات المياه.
أما الأجور فهي في انخفاض بسبب ارتفاع العرض من العمالة. هناك اعتراف متزايد بأن لبنان يحتاج إلى دعم في التنمية طويل الأجل لمواجهة الأزمة.
وفي وقت يتوسع فيه حجم حالات الطوارئ الإنسانية، وتزداد عواقبها خطورة على لبنان، نجد أن النداء الإنساني الخاص بلبنان حصل فقط على 13 في المائة من التمويل.
إن محدودية التمويل الإنساني إلى جانب النفاد المستمر لمدخرات اللاجئين يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة، كما أن هناك عدداً متزايداً من اللاجئين غير القادرين على العثور على سكن مناسب أو تسديد الإيجار الأمر الذي يضطرهم للجوء إلى مساكن غير آمنة. وهناك حوالي 80 ألف شخص ممن هم بحاجة ملحة الى مساعدات صحية، فيما يحصل أكثر من 650 ألفا آخرين على مساعدات غذائية شهرية من أجل البقاء.
وقد سبق أن أكدت منظمة العفو الدولية أنه لم يعد بإمكان العالم ان يجلس ويكتفي بالمشاهدة بينما ترزح بلدان من قبيل لبنان وتركيا تحت اعباء مهولة، فلا يبنغي ترك اي بلد كي يتعامل وحده مع هذه الحالة الإنسانية الطارئة الضخمة دون تلقيه مساعدة من باقي البلدان لا لشيء سوى لأن قدره حكم عليه أن يجاور بلدا يشهد نزاعا مسلحا.
ورأت أنه من واجب حكومات مختلف دول العالم ان تحرص على عدم وفاة الاشخاص في معرض محاولاتهم الوصول الى بر الامان، ومن الضرورة بمكان ان توفر هذه الحكومات ملاذات آمنة للاجئين المعدمين واستحداث صندوق عالمي خاص بأزمة اللجوء.
لكن أغرب ما عرفته عن أزمة اللاجئين السوريين فى لبنان، أنها وصلت إلى حد عدم وجود مقابر لدفن الموتى من اللاجئين، فهناك مشكلة أكثر إلحاحاً من الحزن على الميت نفسه هى تأمين قبر ودفع تكاليف الطبيب الشرعي وسيارة النقل وشهادة الوفاة، وفي كثير من الأوقات المبالغ طائلة لتخليص الجثة من المستشفى.
ويبلغ الحدّ الأدنى لتكلفة الموت في لبنان مليون ليرة لبنانية (حوالى 700 دولار)، وكذا يجد اللاجئ نفسه مجبراً على تأمين هذا المبلغ فور وفاة أحد ذويه، وهو مبلغ قد لا يملك منه شيئاً في أغلب الأحيان.
فلبنان يعانى أصلا من مشكلة اكتظاظ في المقابر بالنسبة للموتى اللبنانيين فكيف باللاجئين؟ .
وتحدثت وسائل الإعلام اللبنانية عن حالات عدة ترك فيها ذوو الموتى من اللاجئين جثث ذويهم فى المستشفيات أو أمام المساجد والمؤسسات الاجتماعية لعدم قدرتهم على دفنها.
وهكذا طالت المأساة السورية الأحياء والأموات أيضا.
كلمات:
العنصرية لن تنتهي أبدا... إذا كان الناس لا يزالون يعتبرون ان اللون الأسود يرمز إلى الحظ السيئ واللون الأبيض يرمز للسلام
روبرت موجابى