رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

ربــــــــاط البـحــــــرين عن مشروع «قناة السويس» فى الزمن القديم

أرض مصر هى مُلتقى ومَجمع القارتين (إفريقيا وآسيا) ، وهى فى ذات الوقت مَفرق البحرين (الأحمر والمتوسط) . على ضفاف نيلها نشأت منذ نهاية العصر الحجرى القديم حضارة زراعية عريقة تميزت بصفتى الاستقرار والاستمرار . هكذا خرجت للوجود أول وحدة سياسة (وطنية وانتماء) وأول حكومة مركزية (إدارة ونظام) فى تاريخ البشرية .
 فى السطور التالية نود أن نتتبع قصة الشعب المصرى حيال ذلك المشروع الهام الذى صار إعتبارًا من عام 1869 هو «قناة السويس» الحالية ، والذى سوف يضاف إليه فى 6 أغسطس القادم بإذن الله فرع ملاحى مقابل (= قناة السويس الجديدة) .

بداية لابد أن نؤكد أن مصر منذ الأسرة الأولى (منذ خمسة آلاف عام) كانت قد عرفت موظفًا كبيرًا فى الدولة يلقب بالمصرية القديمة «عـچ مر» (= «الذى يشق القنوات») ، وهو صاحب إشراف واسع وصلاحيات كبيرة وبما يعادل وظيفة وزير الرى فى العصر الحديث ، بل يمكن أن يتفوق على ذلك ، حيث إنه كان مخولاً بإستصلاح وزراعة الأراضى التى لا تصل إليها مياه الرى .

وتشهد مصر منذ الدولة القديمة (خصوصًا الأسرة السادسة) نشاطًا ملحوظًا فى مشاريع حفر الترع والقنوات سواء للرى أو لأغراض الملاحة النيلية وبمثل ما نعرفه من عهدى الملكين «ببى الأول» و«مرى إن رع الأول» ، وذلك فى الدلتا ومصر الوسطى وفى منطقة الجندل (الشلال) الأول عند «أسوان» .كما أن الرحلات البحرية إلى الشاطئ الفينيقى (شاطئ لبنان) ظلت مستمرة حتى قبل بداية الأسرة الأولى وبصفة منتظمة فى كل عصور المجد المصرى القديم ، وذلك لإحضار خشب الأرز من هناك .

أما عن ذهاب السفن المصرية عبر البحر الأحمر إلى بلاد البخور والعطور (أرض «بونت» على الشاطئ الإفريقى فى مواجهة باب المندب) ، فكان ذلك نشاطًا معروفًا منذ الدولة القديمة (بعثة كل من الملك «ساحورع» فى الأسرة الخامسة والملك «ببى الثاني» فى الأسرة السادسة على سبيل المثال) ، وتستمر تلك الرحلات البحرية إلى «بونت» فى الدولة الوسطى (بعثات الملوك «منتوحتب الثالث» فى الأسرة الحادية عشرة و»سنوسرت الأول» و»أمنمحات الثاني» فى الأسرة الثانية عشرة) . ولو أن أشهر البعثات جميعًا وفى كل العصور المصرية القديمة كانت تلك التى قام بها أسطول الملكة «حتشبسوت» (الأسرة الثامنة عشرة) ، والتى سُجلت تفاصيلها وبدقة بالغة على جدران معبد الملكة الخاص بشعائرها الأخروية والذى نعرفه اليوم باسم «معبد الدير البحري» (طيبة الغربية - الأقصر) . ويصير الجدل العلمى عن كيفية عودة سفن «حتشبسوت» من بلاد «بونت» إلى مدينة «طيبة» دون أن يكون هناك قناة موصلة بين النيل والبحر الأحمر . وهنا يجب الإشارة إلى ما جاء عند الجغرافى الإغريقى «سترابو» (زار مصر حوالى 25 ق.م) ، والذى نوه إلى أن ملكًا مصرياً سماه «سيزوستريس» (يُرجح البعض أن يكون «سنوسرت الثالث» صاحب مشروع شق قناة فى الصخور جنوبى أسوان فى العام الثامن من حكمه) كان قد أمر بحفر قناة توصل بين النيل والبحر الأحمر .

ونبدأ الآن فى تسليط بعض الضوء على المنطقة التى قُدر لمثل هذه القناة أن تُحفر فيها ما بين شرق الدلتا ومنطقة البحيرات (بين الإسماعيلية والسويس) . نعرف أن «متون الأهرام» (الدولة القديمة) كانت قد ذكرت ولأكثر من مرة «قلعة البحيرات المرة» ، الأمر الذى يشير إلى تحصينات عسكرية أو مبانى إدارية كانت قائمة فى تلك البقعة آنذاك ، وبمثل ما كان معروفًا بعد ذلك فى كل العصور اللاحقة . وفى مَعْرِض النصائح الغالية التى وجهها الملك الإهناسى «إختوى» (أو «خيتى») لإبنه وخليفته على عرش إهناسيا المدينة (عاصمة مصر فى الإسرتين التاسعة والعاشرة اللتان تجسدان عصر الإنتقال الأول أو الإضطراب الأول فى مصر) والذى يُسمى «مريكارع» (الأسرة العاشرة) نسمع عن طلب الملك بأن يعتنى وريثه بإتمام التحصينات والإستحكامات العسكرية عند وإلى الشمال من منطقة البحيرات المرة . بل إنه يطالبه بحفر أخدود عميق هناك لكى يتم إغراقه بالماء عساه أن يكون عائقًا ورادعًا أمام أولئك الذين يعيشون على السلب والنهب . والأفضل أن نستمع إلى بعض كلمات الملك وبحرفيتها : «أنظر ! إن وتد التوقيف (كناية عن وقف تسرب المغيرين) قد تم دقه من قِبلى على القطاع الشرقى (للبلاد) ، وذلك من حدود مدينة الحيبة (فى محافظة المنيا) إلى طريق حورس (يبدأ عند منطقة القنطرة شرق) ، تلك التى عُمِّـرت بمدن مليئة بالسكان من خيرة (أهل) البلد (مصر) كلها ، وذلك لدحر الخطر عن تلك المناطق» . وفى عهد الملك العظيم «أمنمحات الأول» (مؤسس الأسرة الثانية عشرة الدولة الوسطى) تقام القلاع والإستحكامات العسكرية فى تلك المناطق التى يسهل إختراقها وبطول الشريط الشرقى المواجه للدلتا والذى يمر بمنطقة البحيرات وصولاً إلى «تل الفرما» (بلوزيوم القديمة) عند شاطئ البحر المتوسط وإلى الجنوب الشرقى من بورسعيد الحالية ، وذلك بهدف «أن يمنع تسربات (بغير ترخيص مُسبق من السلطات المصرية الحدودية عند «را - بح» [= «رفح» الحالية]) وذلك من جانب الآسيويين (بدو الشام) ، وأن يقضى تمامًا على كل الهائمين على الرمال (المقصود هنا هم المتشردون من عصابات الصحراء)» . هذا هو خط التأمين الهام الذى عرفته النصوص المصرية آنذاك تحت اسم «حائط الحاكم» .

وفى هذا السياق فلابد لنا أن نشير إلى بعض العبارات ذات المعانى الهامة والتى ورد ذكرها فى القصة المشهورة لرجل البلاط وسليل البيت المالك «سنوهي» ، وهو الذى هرب من مصر فور سماعه نبأ إغتيال الملك «أمنمحات الأول» فى العاصمة (اللشت) ، ومن ثم خوفه أن يتم إتهامه فى هذه المؤامرة . يقول «سنوهي» : «وكنت قد وصلت إلى «حائط الحاكم» (خط التحصينات الإستراتيـية الذى أشرنا إليه آنفًا) ، ذلك الذى أُعد لكى يُبعد (تسرب) الآسيويين ، ولكى يدحر أولئك الذين يهيمون على الرمال (= من عصابات المجرمين) ، (عندها) تكورت (متخفياً) فى شُجيرة ، وكان ذلك خوفًا منى أن يلمحنى الحراس الذين هم على سطح البرج (الحصن) فى نوبتهم النهارية . وإنطلقت (عند) حلول المساء ، ولما أشرقت الأرض (=لاح الصباح) كنت قد وصلت إلى «بتن» (بقعة شمالى البحيرات المرة) . (بعدها) توقفت عند البحيرات المرة» . بعد ذلك يتحدث «سنوهى» عن شدة عطشه ووهنه وقرب هلاكه ، لولا أن تعرف عليه أحد شيوخ قبائل سيناء (ذلك الذى كان من المترددين على العاصمة فى اللشت حيث البلاط الملكى ورجاله وكان «سنوهي» واحدًا منهم) فأكرمه وأطعمه وأخذه معه إلى قبيلته وكانوا هم الذين سهلوا له طريق الهرب من الأرض المصرية بعد معرفتهم لظروفه . وبعد سنوات طويلة (حوالى 30 عامًا أو يزيد) عاشها رجل البلاط الهارب فى جنوبى بلاد الشام إشتعل قلبه حنينًا إلى أرض بلاده متمنياً أن يُدفن فى ترابها وقد صار شيخًا عجوزًا . وبعد أن استرحم الملك «سنوسرت الأول» فى مراسلات عديدة جاءه العفو الملكى وسُمح له أخيرًا بالعودة إلى أرض مصر . هنا أيضًا نجد أن أبناء سيناء هم الذين صحبوه منذ دخوله تراب مصر عند جنوبى فلسطين إلى أن أوصلوه إلى نقطة الحراسة والتفتيش بالقرب من القنطرة شرق الحالية . وهنا نتوقف لنستمع إلى كلماته هو : «إنه المجيئ (القدوم) الذى قام به ذلك الخادم (= العبد الفقير وهو أسلوب المتواضعين فى الحديث عن أنفسهم !) متجهًا إلى الجنوب (قادمًا من بلاد الشام) . لقد توقفت عند «طريق حورس» (تسمية للبقعة العسكرية المحصنة فى رحاب القنطرة ، والتى من عندها كانت الجيوش المصرية تنطلق إلى بلاد غرب آسيا) ، عندها يبعث القائد المشرف هناك على قوة الحراسة برسالة إلى العاصمة (اللشت) للإحاطة والعلم (بوصول سنوهي) . بعدها يُرسل جلالته ناظر الخاصة (الأطيان) الملكية موضع الثقة (= من المقربين للملك!) وبصحبته سفن محملة بالهبات (الهدايا) الملكية لتكون للبدو (من أبناء سيناء) القادمين بصحبتى وذلك بسبب إرشادهم لى إلى «طريق حورس» . (عندها) قمت بالمناداة على كل واحد منهم (من رفاقه من أهل سيناء) باسمه (ساعة توزيع الهدايا وحبًا منه فى تكريمهم فردًا فردًا) « .

وتعقيبًا على كل ما سبق نود التأكيد على أن النصوص المصرية قد حدثتنا عن بعض الألقاب العسكرية الهامة مثل «قائد الجيش (= حالياً اللواء) المشرف العام على طريق حورس» . كما وأن الحفائر التى قامت بها بعثات المجلس الأعلى للآثار منذ عام 1981 فى منطقة «تل حبوة» (إلى الشمال الشرقى من القنطرة شرق) قد أثبتت التواجد الحقيقى لقلعة وحصون «ثارو» ، تلك التى أشارت إليها نقوش الفرعون «سيتى الأول» (الأسرة التاسعة عشرة) على جدار بمعبد الكرنك وذلك تفصيلا وبالصورة والكلمة . هنا وإلى الشمال من القنطرة كان المجرى المائى الفاصل الذى يصل إلى بحيرة المنزلة الحالية (وهى تسمى بالمصرية القديمة : «پا- ش- حور» [بمعنى «مياه حورس»]) ، والذى كان رابطًا وقاطعًا المنطقة الممتدة من القنطرة جنوبًا إلى تل الفرما شمالا ، وكان يسمى «تا- دنيت» (بمعنى»المياه الفاصلة») ، ويُقترح اليوم أن عرض هذا المجرى كان حوالى 70م فى مواضع كثيرة . وكان بطل التحرير الفرعون «أحمس الأول» (مؤسس الأسرة الثامنة عشرة) قد أحكم سيطرته على قلعة «ثارو» عند القضاء على إحتلال الهكسوس لشرق الدلتا ، وكان هو الذى تعقبهم وحاصرهم طويلا عند «شاروهين» (فى جنوب فلسطين) وقضى عليهم تماما مطهرًا أرض مصر منهم ومزيحًا لخطرهم عن منطقة شرق البحر المتوسط وبصورة نهائية . والطريف أن كلا من الفرعونين «رمسيس الأول» وإبنه وخليفته «سيتى الأول» كانا يشغلان وظيفة «القائد العام للحاميات عند حصن «ثارو» « ، وذلك قبل تولى كل واحد منهما لعرش البلاد . ولدينا من الشواهد الأثرية ما يدل على وجود تحصينات عسكرية تعود إلى عهود الرعامسة (جمع «رعمسيس» وهى التسمية التى تكون بطريقة حرفية لكل ملك يقال له اليوم «رمسيس») فى «تل الرطابة» (فى وادى الطميلات عند «القصاصين» الحالية) وعند مدينة السويس ، هذا بالإضافة إلى بعض النقوش واللوحات من عهد الفرعونين «سيتى الأول» وإبنه «رمسيس الثاني» من مناطق «تل سرابيوم» و»جبل الحصى» (إلى الغرب من البحيرات المرة) وغيرها من المناطق من حوالى مجرى «قناة السويس» الحالية ، الأمر الذى يشير إلى إهتمام مصرى كبير فى تلك الأزمنة بتلك البقاع الهامة والإستراتيـية بالنسبة للأرض المصرية .والآن نود التركيز على موضوع القناة التى أرادوها فى مصر القديمة أن تربط النيل بالبحر الأحمر وبحيث يكون النيل فى هذه الحالة هو همزة الوصل ووسيلة الربط بين البحرين (الأحمر والمتوسط) . بداية يجب أن نقرر أن رحلات الدولتين القديمة والوسطى إلى بلاد «بونت» لم يكن لديها مثل هذه القناة الرابطة بين مجرى النيل والبحر الأحمر ، وكان لزامًا عليها أن تسلك طريقًا برياً (وادى الحمامات بين قفط والقصير فى الدولة الوسطى) لإستكمال بقية الرحلة . أما أن تصل سفن الملك «سنوسرت الأول» المحملة بالهدايا لرفاق «سنوهي» ومن العاصمة (اللشت الحالية عند مركز الصف) وإلى القنطرة ، فلابد أن يكون ذلك عن طريق استخدام الفرع البيلوزى (الفرع الشرقى للنيل وكان للنيل فى العصور الرومانية سبعة أفرع) الذى كان يصل من عند تل بسطة (الزقازيق) إلى منطقة المصب تل الفرما (بلوزيوم ) فى الزمن القديم . وكان هذا هو نفس طريق العودة من القنطرة إلى اللشت بالنسبة لسنوهى ورجال الحاشية المصاحبين . الأمر الهام هنا - وكما سبق أن أشرنا هو وصول سفن الملكة «حتشبسوت» من البحر الأحمر إلى العاصمة (طيبة - الأقصر) مباشرة . هنا لابد من وجود قناة تخرج من عند منطقة السويس مرورا بالبحيرات المرة ووصولا إلى بحيرة التمساح ومنها عبر وادى الطميلات إلى تل بسطة ثم النيل إلى الأقصر . الغريب أن بردية «هاريس» تتحدث عن بعثة أرسلها الفرعون «رمسيس الثالث» (الأسرة العشرون) إلى بلاد «بونت» لإحضار البخور والعطور كما هو المعتاد ، إلا أننا نسمع عن عودة هذه البعثة عن طريق وادى الحمامات ، وبما يشير إلى أن المجرى المائى الرابط بين النيل والبحر الأحمر كان قد جف وطمرته الرمال فى ذلك الوقت .

ويأتى على عرش مصر فى الأسرة السادسة والعشرين الملك الصاوى (نسبة إلى عاصمة مصر آنذاك مدينة «سايس» = صا الحجر عند كفر الزيات فى محافظة الغربية) «نكاو الثاني» (610- 595 ق.م) الذى إتبع سياسة تقضى بتأمين البحر الأحمر من القراصنة المهاجمين للسفن التجارية الذاهبة إلى «بونت» وبلاد القرن الإفريقى . ونسمع عن أسطولين لمصر فى عهد هذا الملك ، واحد للبحر المتوسط والآخر للبحر الأحمر ، وذلك لفتح طرق التجارة والدفاع عن الحدود المصرية فى الشمال وفى الشرق . ويتوج الملك نشاطه البحرى هذا بإرسال رحلة للدوران (لأول مرة فى التاريخ) حول شواطىء القارة الإفريقية وكانت العودة إلى الشواطىء المصرية عن طريق مضيق جبل طارق ، الأمر الذى يعنى أن نقطة إنطلاق السفن كانت عند مدينة السويس. بل يُشار أيضًا أن «نكاو الثاني» كان صاحب أول إتصال تجارى بالهند وقبل الملوك البطالمة بالطبع . من هنا فلقد كان طبيعيا أن يأمر هذا الملك الصاوى بإعادة حفر القناة الموصلة بين البحر الأحمر ونهر النيل فى نفس مسارها القديم ، بل ويأمر بتأسيس مدينة ذات طابع تجارى عند «تل المسخوطة» الحالية (حوالى 15كم إلى الغرب من مدينة الإسماعيلية) والتى نعرفها باسم «پيتوم» أثريا . حدث هذا حوالى 608 ق.م ، أى مع بداية حكم الملك مباشرة . ويبالغ المؤرخ الإغريقى «هيرودوت» فى إعطاء أعداد المصريين الذين شاركوا فى المشروع ، بل إنه يُقدر عدد الذين هلكوا أثناء عمليات الحفر بحوالى 120 ألف عامل . ولا نعلم شيئا بعد ذلك عن المشروع الذى يبدو أنه لم يُستكمل بسبب خروج نبوءة أو وحى من الأرباب للمطالبة بوقفه ، ولو أننى أرى وبسبب نشاط الملك الملاحى الكبير أن مشروعه هذا قد تحقق بالفعل .

وبعد قرابة قرن كامل يأتى الملك الفارسى «دارا الأول» (الأسرة السابعة والعشرين) لكى يعيد حفر قناة «نكاو الثاني» وكان إفتتاحها للملاحة فى عام 497 ق.م . ويُسجل الملك هذا الحدث على لوحات حجرية كبيرة كتبت بالمصرية القديمة بالخط الهيروغليفى مع ترجمة للنص بالخط المسمارى . هذه اللوحات عثر عليها على ضفاف القناة وفى مناطق متباعدة تبدأ عند مدينة السويس إلى الشلوفة إلى تل سرابيوم إلى تل المسخوطة . والمعروف أن هذه القناة كانت تبلغ حوالى 84 كم طولا ، ويبلغ إتساعها حوالى 45م وبعمق حوالى خمسة أمتار. وكانت الرحلة من الدلتا (عند «تل بسطة») إلى البحر الأحمر (عند السويس) تستغرق قرابة أربعة أيام . ومن نص آرامى يعود إلى عام 475 ق.م (عهد الملك «إكسركس الأول» خليفة «دارا الأول») نسمع عن وصول سفن تجارية إلى ميناء مدينة «منف» على شاطىء النيل قادمة من بلاد الفرس عن طريق البحر الأحمر وقناة الربط إلى فرع النيل وعليها شحنات كبيرة من البضائع ، وأنها عادت مرة ثانية وهى محملة بشحنات من النطرون المصرى الشهير والذى كان ضروريا فى بعض الصناعات .

وتؤكد نصوص لوحة عُثر عليها فى «تل المسخوطة» أن الملك البطلمى «بطلميوس الثانى» كان قد أمر بإعادة حفر قناة الربط هذه التى كانت قد غطتها الرمال ، وكان الإفتتاح فى عام 270/ 269ق.م وبعد الإفتتاح بعام واحد يُرسل الملك بعثتين إستكشافيتين ، واحدة سارت بحذاء الساحل الشرقى للبحر الأحمر فى مواجهة جزيرة العرب والأخرى بحذاء الساحل المصرى المقابل . وتطبيقًا لمبدأ الملك الصاوى «نكاو الثاني» (القوة تحمى التجارة) نجد الملك البطلمى يقيم أكثر من 270 ميناء بقواعد ومحميات عسكرية على شواطىء البحر الأحمر ما بين خليج السويس وباب المندب .

ويعيد القيصر الرومانى «تراان» (98 - 117م) وخليفته «هادريان» (117 - 138م) ذلك الشريان الحيوى لربط النيل بالبحر الأحمر من جديد ، وبمثل ما كان عليه الحال أيام البطالمة الأوائل . وتشير النصوص من ذلك العهد إلى قناة كانت تبدأ من عند القاهرة وتأخذ نفس مسار القناة القديمة وتسمى «نهر تراان» .

وبعد قرابة خمسة قرون يقوم القائد والفاتح العظيم «عمرو بن العاص» (حوالى 643م) بإعادة الحفر لنفس هذا المسار الأخير للقناة (من عند فم الخليج) وصولا إلى خليج السويس ، إلا أن استخدامها يتوقف فى القرن الثامن (حوالى 767م) ، وذلك لأن الرمال كانت قد غطتها بسبب إهمالها .

ويظل الحال هكذا اللهم إلا محاولة لم تتم فى عهد السلطان العثمانى مصطفى الثالث (1757- 1774م) لتوصيل البحر الأحمر بالمتوسط ، وأخرى كانت بتكليف وإهتمام من نابليون بونابرت أثناء حملته على مصر لتحقيق نفس المشروع ، إلا أن مهندسه (Lepère) يقدر بحسابات خاطئة أن مستوى سطح البحر الأحمر أعلى بحوالى عشرة أمتار عن منسوب مياه البحر المتوسط ، وبذلك تم صرف النظر فى 1798 عن ذلك المشروع الذى سوف يكون بعدها هو «قناة السويس» الحالية .

وبعد التأكد فى 1847م أن مستوى سطح الماء فى البحرين متقارب إلى حد بعيد ، يوافق الخديو سعيد على مشروع حفر «قناة السويس» فى 5 يناير 1856م . وتعترض إنجلترا بشدة على المشروع ، ويتعطل البدء فى الحفر إلى 22 أبريل 1859م . وكان الخديو قد تعهد بتقديم 25 ألف عامل مصرى يتبدلون كل ثلاثة أشهر . ويتم الإفتتاح فى عهد الخديو إسماعيل فى إحتفال مهيب فى 17 نوفمبر 1869 .


لمزيد من مقالات أ.د. على رضوان

رابط دائم: