رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

بلاغات وشكاوى .. مدفوعة الأجر !!

تطل علينا من جديد، وبصورة لافتة للنظر، تلك الشكاوى والبلاغات الموجهة إلى مسئولين كبار.. وأحياناً إلى الرئيس.. أو رئيس الوزراء

والوزراء .. تحمل إبلاغاً عن وقائع بذاتها.. وتطلب الاستغاثة والتدخل العاجل، كل ذلك بإعلانات مدفوعة الأجر تُنشر فى الصحف ، وتعلن مادتها على الرأى العام التى توزع أعدادها على الجمهور بغير تمييز، وتحمل الاعلانات أحياناً، صوراً أخرى من النفاق والشكر، أو تبكيتاً وتنكيتاً بغرض الابتزاز أو السخرية، كل ذلك نراه يومياً وبصورة متزايدة على مساحات كبيرة من الصحف بإعلانات مدفوعة الأجر، لإحاطة المسئولين بتلك البيانات أو النداءات والبلاغات والشكاوي، وأحياناً يجرى تنبيه القارئ إلى أن النشر «مادة اعلانية» أو «موضوع تسجيلي»، وأحياناً أخرى يترك الأمر لفطنة القارئ دون اشارة، بل يجد القارئ أحياناً تكذيباً لما نشر، يتم الإعلان عنه بصحيفة أخري، وقد يقرأ عن إعلان آخر بما يناقضه ، وربما فى ذات الصحيفة وفى ذات اليوم أو بعدها بقليل !!


ويثير هذا الموضوع تساؤلاً أولياً، عن دواعى الاعلان وعما اذا كانت هناك اسباب ضرورية لنشر تلك الشكاوى والبلاغات والرسائل على صفحات الجرائد بإعلانات مدفوعة الأجر، وعما إذا كان السبب، أن مادة النشر ذاتها غائبة عن أعين المسئولين فى البلاد، وعما إذا كان النشر هو الوسيلة الوحيدة للإبلاغ والشكوى أو الإعلان والإحاطة ، خاصة وقد شاهدنا رئيس الوزراء الأسبوع الماضى عند زيارته المفاجئة لقسم السلام.. ومعهد القلب أن الحقيقة كانت غائبة.. لولا الزيارة المفاجئة.. وبدت العصبية والغضب واضحين، وهناك وقائع أخرى كثيرة قائمة فى البلاد بالمحليات أو المدارس.. أو المستشفيات.. أو المرافق والخدمات كلها تصرخ وتستغيث، وأن المواطنين فى البلاد قد يضطرون إلى إحاطة المسئولين أو بالشكر بإعلان مدفوع الأجر، وماذا لو لم يكن ذلك فى قدرته المالية، ولا أظن أن الحكومة فى حالة انتظار أو ترقب لمعرفة ذلك بطريق الإعلان مدفوع الأجر، أو أن غياب الحقائق سوف يظل كذلك غائباً حتى يجرى الإعلان والنشر، لأن الحكومة مسئولة عن معرفة الحقائق والوصول إلى الواقع فاذا كانت لا تعلم فتلك مصيبة.. واذا كانت تعلم ولاتتحرك إلا بالإعلان فالمصيبة أعظم.ولقد تابعت تطور تلك الآفة ، وكتبت عنها منذ بعيد، نحو ربع قرن من الزمان، وتحديداً منذ عام 1990 بمناسبة ما نشر فى باب التهانى والشكر والتمجيد، حتى تعدى الشكر مسئولى الحكومة بدرجاتها المختلفة ووظائفها، حتى امتد المديح والثناء إلى سلطة القضاء.. كسلطة اتهام .. وحكم، بمناسبة حفظ التحقيقات أو صدور أحكام البراءة، وكان ذلك تحديداً فى 30 يونيو 1990 عندما تقدم بالشكر بإعلان مدفوع الأجر من صدر الحكم لصالحهم بالبراءة ، حيث طالبت وزير العدل وقتئذ أن يرد الشكر على صاحبه ورد فى الحال المستشار فاروق سيف النصر وكان وقتئذ وزيراً للعدل رحمه الله رحمة واسعة، رد الشكر على صاحبه علناً وفى الصحف مستنكراً ذلك ومحذراً.


وتطورت تلك الآفة بعدها، ورصدتها وعبرت عنها بالكتابة فى عدد من الصحف.. الوفد 30 يونيو 1990، أخبار اليوم 30 يناير 1999، الأهرام 7/6/2000 ، روز اليوسف 26/5/2001، 25/8/2005 اذ لم يقف الإعلان، مدفوع الأجر، عند حد الشكر الذى قد يحمل أحياناً النفاق والزلفي، وأنما امتد أحياناً إلى التشهير وربما الابتزاز، يكتب المعلن بفلوسه ما يشاء لمن يشاء، وتنوعت موضوعات ومواد النشر ، فقد تتضمن الشكوى والاستغاثة الى الرئيس.. أو رئيس الوزراء أو الوزراء، أو ضد مسئول أو ضد آحاد الناس ، الشكوى من عدم تنفيذ حكم قضائى جنائى أو مدني، وأحياناً يطلب المعلن القاء القبض أو صدور الأمر بالمنع من السفر والتحفظ ، وأحيانا أخرى تتضمن الشكوى نداء وحثاً بالمبادرة إلى التنفيذ.. وأحياناً تحمل استغاثة من عدم اتخاذ اجراء كان يجب اتخاذه لصالح المعلن ، أو المطالبة باتخاذ إجراء ضد خصمه، وبطلب المعلن التدخل الفورى من الجهات الرئاسية ، وفى صور أخرى ينشر المعلن عن إقامة منازعات قضائية أو صدور أحكام بفرض الحراسة أو تصفية الشركة ، ويحذر المتعاملين معها من مطالبتهم أو بتوفيق أوضاعهم، ويجمع بين كل هذا وذاك إنها إعلانات مدفوعة الأجر ، يجرى احاطة الرأى العام بها ، أو بما يؤثر على الرأى العام ، ومن المتناقضات أحياناً أنك قد ترى تكذيباً وتحذيراً منشورا فى ذات الصحيفة لما سبق نشره ، كل ذلك باعلانات مدفوعة الأجر، والصحافة تنشر، والناس تضرب كفاً بكف ولا تعرف أين الحقيقة.. ويظل الاضطراب أمام الرأى العام مستمراً .


كل ذلك يعكس صورة من صور الانفلات والفوضي.. وعدم احترام الحقوق والواجبات، وعدم التدقيق فى نشر البيانات ومادة النشر ، طالما دفع المعلن قيمة الاعلان، واللافت للنظر أن حق الشكوى مكفول دستورياً بالمادة 85 من الدستور اذ أن لكل فرد حق مخاطبة السلطات العامة كتابة وبتوقيعه، وبالمجان، ويمتد هذا الحق أيضاً إلى الأشخاص الاعتبارية.. كذلك بالمادة 138 لكل مواطن أن يقدم إلى مجلس النواب شكاوى يحيلها إلى الوزراء المختصين ويُحاط صاحب الشأن بنتيجتها ، فاذا كان الأمر كذلك حضرات السادة فلماذا يجرى الاعلان علناً وبمبالغ كبيرة اذا كان المعلن من حقه دستورياً اللجوء إلى الشكوى وابلاغ السلطات وتلقى الرد.. وبالمجان!! ألا اذا كان ذلك لأغراض آخرى فى نفس يعقوب!!


أعلم أن ذلك مصدر دخل وايراد مهم للمؤسسات الصحفية.. لكن الأهم من هذا هو السبيل إلى حماية الرأى العام.. وحماية الحقوق واحترام الواجبات، وهى مصلحة أعلى مرتبة من مادة الاعلان ، ويتطلب الأمر التدقيق فيما ينشر وبالمستندات ، للتأكد من صحة ما ينشر، وفى قانون الصحافة المادة 31 وما بعدها ولائحته التنفيذية المادة 17 ومواثيق الشرف 7 ، 8 ،9 كلها توجب على الصحف عدم نشر اعلانات تتعارض مع قيم المجتمع ومبادئه أو آدابه العامة، أو مع رسالة الصحافة وأهدافها من التنوير والتعبير ، وأنه يجب الفصل بصورة بارزة بين المواد التحريرية والمواد الاعلانية.. ولهذا كان الحظر أيضاً أن يعمل الصحفى فى جلب الاعلانات، وفضلاً عن أن قواعد المسئولية ذاتها ترتب الجزاء والمسئولية عند الإهمال والخطأ .


هذه الفوضى الاعلانية حضرات السادة تثير الفتن والاضطراب وتجعل من مقابل النشر الاعلانى السيد والحكم ، حيث يحقق المعلن أغراضه بفلوسه ولو كانت الاغراض والمقاصد خفية غير مشروعة، واذا كان المعلن مسئولاً عن بلاغه وشكواه التى ينشرها على الرأى العام ، فإن ذلك لا يسقط مسئولية الصحيفة الناشر اذا تغاضت عن التوثيق والتدقيق من صحة ما يُعلن وقبل النشر ، حماية للرأى العام والمجتمع من أن يضل أو يُضل.. وحتى لا تطغى قوة المال على كل القيم والمبادئ فى المجتمع .



لمزيد من مقالات د . شوقى السيد

رابط دائم: