رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الخطاب الدينى.. هل يصلحه من أفسده؟

المجاملةُ والمداراةُ من الأخلاق الاجتماعية المطلوبة بين الناس لاستمرار حياتهم، واستقرار الطمأنينة والسلام بينهم، فى العلاقات الانسانية، علمتنا ثقافتنا، ألا نواجه الناس بعيوبهم، بل أحياناً نحول عيوبهم الخُلقية، أو الأخلاقية الى نوع من المزايا حتى لا نجرح مشاعرهم، أو نستثير غضبهم، وندفعهم الى اخراج أسوأ ما فيهم، لأن المجتمع وجميع أفراده مسئولون عن العمل على اخراج أفضل ما فى الانسان وليس أسوأ ما فيه، هذه مهمتنا فى الحياة…أن نساعد الأخرين على اظهار أفضل ما فى نفوسهم وعقولهم، ونساعدهم أيضا على التخلص من أخلاقهم الرديئة وسلوكياتهم المؤذية، لذلك تحفل ثقافتنا الشعبية بتعبيرات جميلة مثل: أن نسمى الأعمى بصيراً، والأعور نسميه كريم عين، ومن يدمن الخمر أوالحشيش نسميه صاحب حظ أو حظاوي…الخ.

ولكن عندما يتعلق الأمر بالشأن العام، بالدين أو الأمة أو الوطن فان المجاملة تصبح فساداً وافساداً، ويصبح القيام بها خيانة، فلابد من الصراحة الشديدة؛ لأنه بدونها تضيع مصالح الأمة، ويسود الفاشلون والفاسدون والمفسدون، والصراحة الشديدة مطلوبة أكثر فى موقفنا هذا، فمنذ أن ارتفعت الدعوة الى اصلاح الخطاب الديني، وتجديد التفكير الدينى لمواجهة حالة الانفلات العظيم فى الفتاوى والدعوات والسلوكيات ابتداء من داعش الى أنصار بيت المقدس وبوكو حرام وانتهاء بأصحاب الأصابع الأربعة، منذ أن انطلقت هذه الدعوة الى تنقية الخطاب الدينى مما لحق به من تحريف وتوظيف وتطفيف، ونشاهد حالة غريبة عجيبة؛ حيث يتصدى من صنع المشكلة لتقديم الحلول لها، ويهب من أفسد الخطاب الدينى الى قيادة عملية التجديد والاصلاح؛ فى مشهد بطولى عظيم على المسرح الشكسبيرى الهزلي.

السؤال البديهى: من الذى أفسد الخطاب الديني، أو خرَّبه؛حتى تشتد الحاجة الى اصلاحه؟… هنا لابد من الاجابة بمنتهى الصراحة والوضوح، وبدون مجاملة، هناك أربع قوى تعاضدت وتكاتفت بقصد أو بدون قصد وعملت على افساد الخطاب الدينى وتخريبه وهي:

أولا: الدولة المصرية التى أممت الأزهر بدعوى اصلاحه؛ حين أصدرت القانون رقم 103 لسنة 1961، الذى أخرج الأزهر من تاريخه وحوله الى نظام تعليمى لم يعهده شيوخه، وفتحه لجيوش من غير المؤهلين للتعليم الأزهرى لا عقلا ولا خُلقا، ثم جاء عصر السادات وتم فتح التعليم الأزهرى لقبول كل من تجاوز مرات الرسوب فى الشهادة الابتدائية؛ فدخل الفاشلون فى التعليم العام الى الأزهر، وتوجهوا بالطبع الى الكليات الشرعية، وبذلك أصبحت الكليات التى تخرِّج حملة الخطاب الدينى ورواده تقبل طلابا لا تتوافر فيهم أدنى المعايير التى ينبغى أن تكون فى ذلك الصنف من البشر؛ وكان من الطبيعى أن تجد الشكوى من الغش وسرقة الامتحانات فى مادة القرآن الكريم، الغش فى امتحان القرآن الكريم!؟….أى طالب هذا؟ وهل سيكون قادرا على حمل وتوصيل أى خطاب ديني، أيا كان هذا الدين؟ ناهيك عن سلامة لغة الخطاب، أو استقامة الفكرة، أو توافر القدرة على ادراك الواقع وتوظيف الخطاب الدينى لاصلاحه.

ثانيا: الأزهر ذاته، الذى نسى رسالته ودوره التاريخي، وتحول الى جهاز بيروقراطى يضم مجموعة من الموظفين الذين تشغلهم حياتهم ووظائفهم، ولم يعد كما كان مؤسسة علمية، وجامعة حضارية؛ واضحة الرؤية والهدف والرسالة، تعرف جيداً أن دورها هو حفظ الدين غضا طريا، ونقله من جيل الى جيل، وتنزيل هذا الدين على الحادثات والوقائع؛ بما يؤدى الى حُسن عبادة الخلق للخالق، هذه الرسالة اختفت وسط أضابير وملفات مؤسسة مترهلة تركز على الكم وليس الكيف، وتنشغل بما ليس من صميم اختصاصها عن جوهر رسالتها، حتى صدق فيها ما قاله السابقون تولى ما كفيَّ، وضَيَعَ ما تولى، انشغل الأزهر بكليات وفروع وتخصصات من الطب الى التجارة الى الهندسة وتراجع وزن رسالته الأساسية، وأصبحت الكليات التى هى جوهر الأزهر تأتى فى الذيل؛ من حيث مستويات قبول الطلاب، ومن حيث الميزانيات، ومن حيث البريق الاجتماعي، وفوق كل ذلك لم يقم الأزهر بعمليات جذرية وجادة لمراجعة مناهجه وتطويرها، وترك هذا الأمر للمبادرات الفردية وهى نادرة.

ثالثا: وزارة الأوقاف التى تركت أوقافها، أو أجبرت على تركها؛ لتكون غنيمة توزعها الدولة كيفما تشاء، ولم تضع الواعظ والامام فى موقعه الاجتماعى الذى يجعله قدوة للناس، ويجعله قادراً على حمل خطاب دينى يرتقى بحياة الناس ويعالج مشكلاتهم ويقودهم للمستقبل، أصبح الامام والخطيب والواعظ قليل الشأن لأنه قليل الدخل، لا يستطيع أن يكون حسن المظهر، أو يعيش فى المستوى اللائق بمن يحمل الخطاب الديني، وأصبح ضعيف المهارات لان الوزارة لم تستثمر فيه تكوينا ولا تدريبا ولا تعليما ولم تقدم له أدوات المعرفة ولا مصادرها، ولم تحفظ ماء وجهه فأصبح قابلا لأن يحمل أية ايديولوجيا توفر له مصادر الرزق، ما أن يعبر أحدهم البحر الأحمر حتى يلقى فيه بالزى الأزهرى ويلبس زى طلاب العلم فى منطقة نجد والقصيم، ويترك المنهج الأزهرى ويتبنى المنهج السلفى ولو لحين، وكثيرا ما يتمكن الأخير منه، ويصبح حائراً؛ لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء.

رابعا: القوى السياسية: الإخوان والسلفيون، حيث سعى كلاهما الى تحقيق هدفين فى نفس الوقت هما: اختراق الأزهر من جانب، واضعافه ومزاحمته والعمل على الحلول محله من جانب آخر، وقد ساعدهم الأزهر نفسه فى تحقيق الهدف الأول حين فتح أبوابه لجيوش من الطلاب المنتسبين فى المرحلة الجامعية من خريجى الجامعات الأخرى، وحينها دخل آلاف الطلاب، وكثير منهم أصبحوا أساتذة فى جامعة الأزهر، وساعدهم أيضا بعقد اتفاقيات مع جامعات خارج مصر مثل الأمريكية المفتوحة وأصبحت درجات الدكتوراه التى تمنحها هذه الدكاكين الحزبية معترفاً بها من الأزهر، أما الاضعاف والمزاحمة فقد كانت ولم تزل هدفا للاخوان والسلفيين، ولا تحتاج الى مزيد كلام أو دليل.

والحال هكذا يكون من قبيل المُضحكات المُبكيات أن يتصدى شيوخ السلفية أو بيروقراطية وزارة الأوقاف والأزهر لقيادة عملية تجديد الخطاب الديني، لأنه سيكون السؤال : من يجدد خطاب من؟ ومن يصلح خطاب من؟ أين الداء ومن سيقدم الدواء؟…وهنا لابد من أن يقوم باصلاح الخطاب الدينى علماء مختارون من الأزهر الشريف مع علماء متخصصين فى العلوم الاجتماعية من ذوى التكوين العميق فى الفكر الإسلامى مع علماء متخصصين فى الدراسات الاسلامية من الذين لهم خبرة فى التدريس فى الجامعات العالمية، حينها فقط ستبدأ عملية التجديد التى ستأخذ وقتاً من التفاعل حتى تؤتى ثمارها.


لمزيد من مقالات د. نصر محمد عارف

رابط دائم: