يحتل شهر يونيو مكانة خاصة فى تاريخ مصر ومن ثم فى تاريخ العالم..ففى يونيو أيام لا تشبه غيرها من الأيام، وهى تحديدا، 5، و9 و10 و30، كما يتضح، من حين لآخر،سواء عبر ما يظهر من وثائق تدل على ما حيك ضد الوطن من مخططات ومؤامرات ،أو توالى الدراسات، لفهم معانى الوقفات المصرية التى زلزلت أهداف الأعداء ورسخت الاقتناع بأن لهذا الشعب، وأقصد كل الشعب بجيشه العظيم، شفرة تستعصى على الحل بالنسبة للغرباء وتقف أمامها عاجزة، كل وسائل التكنولوجيا الحديثة، التى نجحت حينا ولكنها دائما ما تخفق فى النهاية، لكونها دون وجدان بشرى.. ففى الخامس من يونيو،عاش جيلى أحلك أيامه، حيث تكالبت على الوطن ودوره، وأساسا على خيمة القومية العربية التى استهدفتها أمريكا وتوابعها فى المنطقة والعالم ،لإجهاض حلم الوحدة العربية الذى جسده جمال عبد الناصر بامتياز..انتفخ صدر واشنطن عنجهية وغطرسة مقيتة وهى «تقرر» عبر إذاعتها «صوت أمريكا» «هذا الديكتاتور يجب أن يرحل»..ومعها على الخط ،تل أبيب ،تطالبنا بأن «نعقل»!! ونكف عن حلم الزعامة،بل وذهبت إلى حد مطالبتنا «بالمشى بجوار الحائط».. انتظر الأعداء، ومنهم أنظمة عربية للأسف، قطف ثمار الهزيمة العسكرية الساحقة التى أكدها الكمبيوتر.. ظلت المرارة فى حلوقنا بضعة أيام، ويزيد من حدتها،شماتة اعداء الداخل والخارج،إلى أن أعلن عبدالناصر قراره بالتنحي،فانطلقت الشفرة المصرية، الفريدة، تناديه وتكلفه بمواصلة المسيرة، لكونه تجسيدا للصمود وارادة الانتصار، فليس منطقيا أن نستسلم للعدو ونرضخ لإرادته،حتى لو هلل البعض وسجد البعض الآخر «لله شكرا ؟!»، على هزيمة الوطن ..كان التاسع والعاشر من يونيو ،أول خطوة على طريق العبور ،ولنا أن نتخيل، لا قدر الله، لو لم نخرج بالملايين فى دقائق معدودة،أصابت العدو وأتباعه بالذهول، نرفض النتائج التى كان ينتظرها، أى الاستسلام وربما إعداد مكتب، «لأى نيتانياهو»، فى القصر الرئاسي.. لا أريد إحصاء الدول التى تكبدت هزيمة عسكرية، مع كونها دولا كبري، مثل فرنسا والمانيا واليابان، الخ ونهضت بعدها، ولم تتعرض أى من هذه الدول لما تعرضت له مصر فى عام 1967، ولكنى قرأت كثيرا عن حرب يونيو، وكيف تم الإعداد لها كل التفاصيل، ثم كيف مازال الاعداء غارقين فى لغز الشفرة المصرية،مما هز الثقة فى الكمبيوتر بمكوناته المعدنية، واستحالة «إحساسه» بالضمير الجمعى الوطنى والحضارى، الضارب بجذوره فى عمق آلاف السنين.. يعترف الكثيرون من خبراء الغرب بأثر وقفة يونيو التى لم تكن فى الحسبان، وكيف أنها غيرت مفاهيم،كانت مستقرة، بصدد قدرة السلاح على تطويع الإرادة، بل كتبت كبريات الصحف فى الغرب، أن هذه الوقفة غيرت الاستراتيجية العالمية.. بقية المسيرة معروفة، حيث بدأنا حرب استنزاف ،أرهقت العدو الصهيونى وراعيته الأساسية،وقال فى مطلع التسعينيات، احد كبار رجال المخابرات الإسرائيلية «إن حرب الاستزاف كانت أطول وأقوى وأشرس حرب خاضتها اسرائيل ضد العرب..» ولعل هذه الكلمات تفسر استمرار «المندبة» التى تقيمها أطراف بعينها، فى ذكرى يونيو، وكأننا لم نكن ضحية عدوان غادر خسيس.. أطراف، تلقى باللوم على الضحية وتستكمل هدف الجلاد!!.. المهم ان صمود ما بعد التاسع والعاشر من يونيو تُوج بالعبور المجيد.. لكن الولايات المتحدة الامريكية،تعادى «اتحاد» أى قوى، خاصة، العربية.. فكان المشروع القديم الذى بدأ مع انشاء اسرائيل كدولة يهودية طائفية،شوكة فى ظهر الأمة العربية، بمواكبة، تنظيم جماعة الإخوان المسلمين ومن شابهه،لضمان «تفتيت المنطقة العربية،إلى دُويلات عرقية وطائفية، لضمان بقاء اسرائيل وهيمنتها عليها» والكلمات لوزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كيسنجر..غيرت أمريكا السلاح،ما بين 67 و 2005، واسترخت تنتظر «تفتيت مصر» بأيدى «الناس بتوع ربنا» فكانت ثورة الثلاثين من يونيو، التى سيكتب عنها التاريخ آلاف الملاحم، بعدما قال الشعب بعشرات الملايين، وبمساندة والتحام جيشه الوطنى، «لا للمخطط الشرير المعادى». والخلاصة، ليونيو مكانة شديدة الخصوصية فى تاريخنا، واللغز الذى يحير واشنطن وستعجز عن حله الى يوم الدين..