لماذا لا يتأمل الإخوان وحلفاؤهم المعانى الكثيرة فى استقالة بلاتر من منصبه الرفيع رئيساً للاتحاد الدولى لكرة القدم برغم فوزه بشرعية الصندوق قبلها بأيام قليلة، وبرغم أنه لا يزال أمامه سنوات حتى تنتهى ولايته القانونية؟
كان يمكن أن يتعلم هؤلاء من هذه الواقعة حتى يتمكنوا من العيش فى هذا الزمن، وليعرفوا أنهم بتغافلهم للحقائق السياسية وللعوامل الفاعلة فى الواقع السياسى، وباكتفائهم بما يطلقون عليه شرعية الصندوق التى أتت بمرسى، أصبحوا يُحلِّقون فى فضاء ليس له علاقة بعالم اليوم، فها هو الرجل القوى فى واحدة من أكبر المنظمات الدولية لا يجادل بحجة هذه الشرعية الوهمية ويستسلم للعوامل الأخرى الأكثر تأثيراً!
المعنى المباشر الأول هو أن بلاتر اقتنع، أو أن آخرين أجبروه، بأن هذه الشرعية الإجرائية ليست كافية لاستمراره فى منصبه. والمعنى الثانى، أنه قد تبين له وللآخرين أن الأقلية التى عجزت عن إسقاطه فى الانتخابات هى عامل جوهرى وحاسم فى تسيير الأمور: إما أن تتعاون معه وتُمكّنه من العمل، وإما أن تتصدى له وتعرقله بما يُكبِّله عن الأداء. وثالثاً، أن العناد بتجاهل هذه الأقلية سوف يؤدى إلى عواقب وخيمة على المؤسسة الكبرى التى يترأسها والتى كان ترشحه فى الأصل بوعد السعى لتحقيق مصلحتها.
وإذا نَحَّينا موقف الإخوان المتهافت الذى يتسق مع تناقضاتهم التاريخية فيما يتعلق بمنافع تعود على جماعتهم، إضافة إلى إدمانهم للكذب على الرأى العام، فهل غاب هذا المعنى عن الدبلوماسيين الغربيين الذين لا يتوقفون عن المناداة بشرعية الصندوق الإخوانى؟ لماذا يتقبل أصحاب هذا المنطق إزاحة بلاتر عن موقعه الذى حصل عليه فى انتخابات جرت على الهواء على مسمع ومرأى من العالم أجمع ولم يطعن أحد فى شفافيتها ونزاهتها، ولم يحدث، حتى الآن أن ووجه باتهام رسمى فى قضايا الفساد المطروحة، ثم يتغافلون عن كل هذه الاعتبارات ويتحدثون عن خطورة تجاهل الأخذ بشرعية الصندوق فى حالة ممثل الإخوان المسلمين فى القصر الرئاسى المصرى؟
ثم إن مرسى كان له كوارث تكفى لعزله من منصبه وإخضاعه للمحاكمة فى تهم حقيقية لم يكن اعتداؤه على الدستور الذى أقسم على حمايته إلا واحدة منها، عندما اعتدى اعتداءً صريحاً صارخا على الدستور الذى أقسم على حمايته، عندما أصدر ما أسماه تعديلات دستورية فى 22 نوفمبر، بعد أشهر قليلة من بدء رئاسته، ألغى فيها موادّ فى الدستور وأضاف موادّ تُحصِّن قراراته، واعتدى فيها على السلطة القضائية بعزل النائب العام، وبتعيين نائب عام ملاكى! وكان هذا وحده كافياً لعزله ومحاكمته، إلا أن المؤيدين للإخوان فى الغرب يغضون الطرف عنه، وكأنه ليس وارداً بالمرة فى خلفيتهم أن يُعزَل أى رئيس أو أن يخضع للمحاكمة وأن يُعاقَب على أخطائه!
هل نسى هؤلاء أن الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون خضع لضغوط هائلة لإجباره على الاستقالة فيما يُعتبر مجرد هفوة مقارنة بجرائم مرسى؟
حتى الآن، وبعد مضى نحو نصف القرن على واقعة ووترجيت التى أطاحت بنيكسون، لم يثبت أنه تورط قط فى التخطيط وتنفيذ جريمة التجسس على مقر الحزب الديمقراطى المعارِض، بل إن المؤكد، حتى الآن، أنه علم بالخبر من الصحف وأنه عندما أنكر الواقعة كان صادقاً، ولكن الثابت من سير الأحداث أنه عندما علم بالحقيقة بعد ذلك، أخفى المعلومات التى كانت جديدة عليه عن الرأى العام واستمر على موقفه القديم بإنكار الواقعة!
كان هذا هو خطأ نيكسون الوحيد فى القضية، وكان الرأى العام على بيّنة بذلك، وكان هذا هو السبب وراء الضغوط الهائلة من كل الاتجاهات السياسية والفكرية والتى تَجلّت فى مظاهرات عمَّت الولايات المتحدة كلها تطالبه بالاستقالة، حتى من أعداد من مؤيديه انضموا إلى المتظاهرين وقد رفعوا شعاراً يقول: »نُحِبُك، ونُطالبك بالاستقالة«!
هل يذكر أحدٌ أن صوتاً خرج آنذاك، فى أمريكا أو فى أى دولة ديمقراطية غربية، يتحدث عن وجوب التمسك بشرعية الصندوق التى وصل بها نيكسون إلى البيت الأبيض؟ هل تحدث أحد آنذاك عن مخاطر تجاهل شرعية الصندوق؟
أما مرسى، فإن ما يُضاعف من جريمته أضعافاً، وطبقاً لما يتسرب من معلومات عن كيف كانت تُدار البلاد فى عهده، ما قيل إن هذه القرارات التى أُعلِنت فى 22 نوفمبر، صدرت من مكتب إرشاد الجماعة فى المقطم وإنه لم يعرف بها إلا مثلما عرف الجمهور المصرى من التليفزيون!
هذه لا تُبرئ ساحتَه، بل تُغلِّظ من عقوبته، لأنها تثبت تهاونه فى مسئولياته الرئاسية إلى حد أن يسمح لمن لا يعرفه الناخبون بتولى صلاحيات المنصب الرفيع الذى من المفروض رسمياً أن الشعب اختاره شخصياً للقيام بها!
لم تكن إزاحة بلاتر إلا فى سياق مفاهيم ديمقراطية يتمسك بها الغرب الديمقراطى من أجل ترسيخ فعالية الدولة والمؤسسات، لا تُعبَد فيها شرعية الصندوق، بل لا يُؤخَذ بها إلا فى حالة أن تكون داعمة للمسار الذى يحقق المصلحة العامة، ولذلك يعرفون اللجوء لانتخابات مبكرة عندما تحتدم الخلافات، بغض النظر عن المدة التى لم تنته وفق شرعية الصندوق!
وقد رفض مرسى، أو مكتب الإرشاد، رفضاً قاطعاً الاستجابة لمطالب الجماهير فى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ولم يُتِح نظامُه فرصة لمحاسبته على تهم كثيرة، منها عدوانه على الدستور، فقرر الشعب أن يعزله، وفق القواعد السائدة فى أعتى الديمقراطيات، فكيف يستمر البعض فى اللغو بشرعية الصندوق؟.