رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الوضوء بماء القناة

قلت للفريق مهاب مميش أن الرئيس عبدالفتاح السيسى حكى فى أحاديثه المعلنة أنك اتصلت لتخبره بفكرة إنشاء القناة الجديدة. وأنه استمع لما قلته بقدرته على الإنصات للآخرين. لكنه فى صباح اليوم التالى اتصل بك ليسألك: هل استطعت أن تنام بعد ما قلته لي؟ وأنك قلت للرئيس: لم أستطع. فأكد لك الرئيس أنه هو أيضا لم يستطع النوم. وحدد لك موعدا فى الخامسة والنصف من صباح اليوم التالى ومعك الأوراق الخاصة بالمشروع.

قال لى الفريق مهاب هذه حكاية طويلة. قلت له لو كان ممكنا أن نستمع إليها سيكون ذلك جميلا. لأن الحكايات تلخص الإنجازات الكبرى فى حياة الأمم. سألته حتى أسهل عليه العثور على نقطة البداية. متى جاءتك فكرة القناة الجديدة؟ قال لى منذ اللحظة الأولى التى وصلت فيها إلى هذا المكان. وقد تحدثت فى أوقات سابقة مع من تحدثت إليهم عن المشروع. لكن الكلام الذى خرج بالأمر للواقع والتنفيذ كان كلامى مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.

ومهاب مميش فالرجل أصبح بمنجزه أكبر من أى لقب يسبق اسمه أو وظيفة تلحق به له علاقة أزلية بالماء. اسكندرانى من أبناء الإسكندرية. وعمل فى القوات البحرية بجيشنا إلى أن أصبح لها قائداً . وظل فى موقعه حتى عزله الإخوان ضمن مذبحة قيادات القوات المسلحة الشهيرة. حتى أنه عرف بخبر تعيينه رئيسا لقناة السويس من صديق له.

ومن يدركون أهمية الماء فى مكونات الحياة قِلة. فقد نشأت البشرية من ثلاثة مكونات: الأرض، والماء، ثم بعد ذلك بسنوات عرفت النار. ومن يعرف ما يمكن أن يعود على البشرية من الماء من الخير. يمكنه أن يستثمره وأن يخرج منه بأكبر الفوائد الممكنة للناس جميعا. ومهاب مميش من هذا النوع من البشر.

قبل أن نصل إليه كنت مع زملائي: عماد الدين حسين، رئيس تحرير الشروق. خالد صلاح، رئيس تحرير اليوم السابع. نصر القفاص، الإعلامى المعروف. والإعلامية داليا درويش، صاحبة برنامج: حكاية شعب. الذى يعرضه التليفزيون المصري. وأتمنى لو أن إدارة التليفزيون أعادت النظر فى وقت عرضه لأهمية البرنامج التى تبدأ من عنوانه. فنحن فى أمس الحاجة لأن نتصالح مع الشعب المصرى وأن نردد حكاياته وأن نغنى لإنجازاته. وأن نرفع له أيادينا بالتحية. فالشعب هو الأساس. وكل ما يأتى بعد الشعب تفاصيل.

شاهدنا قناة السويس الجديدة من الجو. وعندما سألتنى داليا درويش عن دلالة ما أراه. لم أفكر طويلاً فى أن أقول لها فوقنا معجزة السماء. وتحتنا معجزة المصريين. الذين استطاعوا أن يكتبوا سطور معجزتهم رغم كل الصعوبات والتحديات التى أحاطت بهم عندما كانوا يحفرون هذه القناة فى وقت قياسى ما كنا نتصور أنه يمكن أن يتسع لمثل هذا المنجز العظيم.

تذكرت أننى كنت هنا عندما أعطى الرئيس عبد الفتاح السيسى إشارة البدء للمشروع. كنا فى نادى هيئة قناة السويس. وكان الرئيس يتحدث معنا وكان الفريق مهاب مميش يجلس فى الصف الأول. سأله الرئيس عن الوقت المتوقع لإنجاز القناة الجديدة. فقال له إن الدراسات على الورق تقول إن المطلوب خمس سنوات. لكنهم سيحاولون اختصارها إلى ثلاث سنوات لشدة الاحتياج إليها.

وهنا رفع الرئيس أصبعا واحدا من أصابع يده اليمنى الخمسة. وقال له: سنة واحدة. سألت الفريق مهاب الأسبوع الماضى عن حيثيات رده عليه بالموافقة على سنة واحدة بدلاً من ثلاث سنوات. هل كان الرد جاهزاً؟ هل سبقته عمليات تفكير وحسابات دقيقة؟ قال لى أولاً: هناك طبائع العسكرية المصرية. ورغم أن الأغلب الأعم من المصريين مروا بفترات التكوين فى القوات المسلحة. إلا أنهم لا يحملون معهم قيمها وعاداتها وتقاليدها إلى الحياة المدنية. ثانياً: إن الأمر لو كان يحتاج لمناقشة. فلا يجوز أن أناقش الرئيس هكذا علنا وعلى رءوس الأشهاد. ثم إننى فى اللحظة التى أعلنت فيها استعدادى وزملائى فى القناة تنفيذ طلب الرئيس. كنت أدرك تاريخية الكلمة. وهو ليس طلب الرئيس فقط ولكنه طلب الشعب المصرى والعربى منا جميعا.

لم أقل له لضيق الوقت إن المؤرخ العالمى الشهير أرنولد توينبى عندما كتب عن تاريخ مصر لخصه فى كلمتين: التحدى والاستجابة. وقال إنهما تلخصان فصول التاريخ المصرى منذ فجره حتى يومه. اليوم الذى كان يكتب فيه توينبى هذا الكلام. ويبدو إن الأمر مستمر حتى أيامنا. وسيبقى معنا حتى قيام الساعة. فالتحدى يحرك كوامن الإبداع داخل الشخصية المصرية. ولذلك تأتى الاستجابة فى مواجهة التحدى لكى تمثل أعظم ما يقدمه المصريون.

عندما سئلت أكثر من مرة عن هذا المشروع. هل هو إرادة شعب؟ أم أنها إرادة رئيس استجاب له الشعب؟ قلت إن الرئيس يقول إنه مواطن عادى انتدبه الشعب المصرى ليؤدى مهمة محددة. وأنه يحاول أن يقوم بها وفق ما يريده المصريون. ويجب أن نحرص على هذا وأن نتمسك به. وأن نعتبره دستور العلاقة بين الشعب ورئيسه.

قمنا بجولتين. الأولى بالطائرة، حيث رأينا القناة الجديدة والمياه تملؤها. وأنا كنت هنا عند إشارة البدء. وأدركت صعوبة، بل ربما استحالة حفر قناة فى هذا الجبل. الذى رأيته فى الرحلة الثانية وقد أصبح جبلين تتوسطهما القناة الجديدة المليئة بالمياه والسفن اللذين يتمون عمليات إنشائها.

الجولة الثانية كانت بلنش. حيث مشينا لوقت طويل فيما أنجز من القناة الجديدة التى تأكدت أنها ستفتتح فى الموعد الذى جرى الاتفاق عليه أمامنا العام الماضي. وتصورت أن إنجازه قد يكون من رابع المستحيلات.

وأنا لم يسبق لى معرفة الفريق مهاب مميش من قبل. أعرفه على البعد مثل معرفة كل المصريين. لكن فى هذا اليوم الذى قضيته معه لفت نظرى فيه إدراكه لما يقوم به ومعرفته له. فالرجل لم يرجع إلى أى ورقة مكتوبة وهو يتحدث معنا. أيضاً انه يعلى من شأن شباب القناة. الشباب من أبناء مصر الذين يعملون فى القناة. سواء القناة القديمة أو القناة الجديدة.

أدركت من كلامه أن الإدارة فن. والإدارة إنسانية.


لمزيد من مقالات يوسف القعيد

رابط دائم: