رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

ضــرورات اســتكمال الإصــلاح السياســى

لن نمل من الحديث حول ما ينبغى تصحيحه لقيام نظام سياسى يعبر عن ثورتى 25 يناير و30 يونيو. وقد شاب عملية وضع الدستور أخطاء بالغة واجبة التصحيح، فقد كشفت الشهور الأخيرة تناقضات وإشكاليات عميقة فى الدستور الجديد وفى القوانين المنظمة لانتخابات المجلس التشريعي. ونظرا لأن البرلمان القادم سيمثل أحد الركائز الرئيسية للنظام السياسى الجديد الذى يجرى تشكيله الآن، لذلك فإن القواعد المنظمة له سواء فى الدستور او فى القوانين ذات العلاقة وما تتضمنه من ثغرات وتناقضات، تحمل مخاطر جمة على مصر بعد ثورتين. ويتطلب الأمر أن تسير خطى الإصلاح السياسى والمؤسسى على وتيرة عالية من السرعة والفاعلية والتناغم مع طموحات المصريين بأن يتشكل نظام سياسى جديد قادر على حماية الحريات وتفعيل المشاركة الديمقراطية المستندة إلى أحزاب قوية وتحقيق التقدم وتصحيح مسار سياسات الدولة وتنقية أجهزتها الرئيسية مما أصابها من فساد وترهل عبر ما يقرب من أربعة عقود. ونعرض فيما يلى لأهم الإشكاليات والمخاطر والحلول المقترحة لها.

أولا: وضع الدستور الحالى بالمحاصصة أى بتوافق الفئات المختلفة التى تشكلت منها لجنة الخمسين، وصيغت مواده لإرضاء تلك الفئات، لذلك جاءت نصوصه مليئة بالثغرات والتناقضات. فهو يحتوى على خطايا وليس مجرد أخطاء؛ مثل عدم وضع شروط للترشح والعضوية لمجلس النواب تضمن الكفاءة والجدارة للقيام بوظائف المجلس فى التشريع وإقرار سياسات الدولة وخطتها وموازنتها والرقابة على الحكومة خاصة فى المرحلة الهامة بعد ثورتين؛ ومثل اشتراطه تضمين فئات بعينها (بحكم تمثيلها فى لجنة الخمسين) بما يستوجب الأخذ بنظام القائمة المطلقة وليس النسبية مما ليس له نظير فى دساتير العالم؛ ومثل عدم تصحيحه الخطيئة التى استمرت الآن لعقود طويلة وهى هيمنة الحكومة فى واقع الأمر على العملية التشريعية حيث تعد هى أغلب مشروعات القوانين وتصدر اللوائح التنفيذية الخاصة بهذه القوانين؛ ومثل عدم تعرضه أو تناوله لقواعد وآليات العدالة الانتقالية وما يتضمنه هذا من مخاطر عودة ذات القوى التى أفسدت الحياة السياسية عبر العقود الماضية ضمن تشكيل البرلمان القادم، خاصة أن هذه القوى أكثر تنظيما وتماسكا، وكذلك تغلغلا وتأثيرا فى قواعد المجتمع عن تلك الممثلة لهاتين الثورتين؛ ومثل تضخيمه الشديد لحجم المجلس (الذى سيزيد على 600 عضو) بما يستحيل معه تحقيق الفاعلية فى المناقشات والمداولات واتخاذ القرارات وحتى العمل الداخلى للجان. كذلك فإن السماح لمزدوجى الجنسية بالترشح سيخلق أوضاعا ستثير فى المستقبل إشكاليات شتى، منها قضية الولاء فى الحالات التى تتطلب جنسية الدولة الأخرى قسما بالولاء، وحالة نشوب نزاع أو حرب مع الدولة التى يحمل عضو المجلس جنسيتها، وكيفية ضمان وتفعيل تمثيل العضو لمواطنى دائرته وتفاعله مع قضاياهم، بما يتطلبه هذا من شرط الإقامة المستقرة فى مصر وفى الدائرة.

ثانيا: يفترض الأخذ بنظام القوائم ضمنا وجود مؤسسات حزبية وتحالفات سياسية قوية تعبرعن توجه سياسى متناغم ومتوافق مع ثورتى 25 يناير و 30 يونيو. لكن الواقع الحالى مغاير لهذا تماما، حيث لم توضع معايير لضمان قوة الأحزاب وجماهيريتها، على غرار شروط الترشح لرئاسة الجمهورية. وليس من المنطقى أن تكون هناك شروط لجدية الترشيح للرئاسة. ولا يوجد مايناظرها بالنسبة للأحزاب التى هى عماد الحياة السياسية فى أى نظام ديمقراطى. ويمكن دفع الأحزاب القائمة للإندماج لتكوين كيانات لها قواعد جماهيرية واسعة لو تم اشتراط حجم جدى يمثل حدا أدنى للعضوية الفعلية (50 ألفا مثلا) متوزعا على عدد من المحافظات عبر القطر (15 محافظة مثلا). وسيغنى الشرط السابق عن الحاجة للتحالفات الخاصة بالقوائم، التى جاءت محاولات تشكيلها خلال الشهور الماضية مزيجا من جمع الشامى على المغربي، وأقرب إلى كونها وسيلة للانقضاض على الكعكة الانتخابية. كذلك هناك ضرورة لايجاد حلول حقيقية لتحجيم تأثير المال السياسى الذى يسيطر فى غيبة أى ضوابط على كثير من الأحزاب الكبيرة والصحف ووسائل الإعلام الخاصة وسيكون له دور حاسم فى الانتخابات القادمة. كذلك هناك ضرورة لتحجيم دور القوى التى هبت جماهير المصريين ضدها فى الثورتين. وتشمل هذه القوى تجمعات وأفراد نظام مبارك وقيادات الحزب الوطنى ومن افسدوا الحياة السياسية خلال عهده، وكذلك الإخوان المسلمون وتيار الإسلام السياسى (لم يفعل نص الحظر الوارد فى الدستور بالنسبة للتيار الأخير).

ثالثا: هناك حاجة لمعالجة الخطرين الأعظم المتمثلين في: (1) عدم وجود ضمانات لتمثيل القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو فى الخريطة السياسية، ومن ثم فى المجلس، فمثل هذا التمثيل هو المؤشر الحقيقى لنجاح الثورتين وهو التتويج الحقيقى لهما؛ وما كان ينبغى ترك هذا لما ستأتى به الانتخابات، والأغلب فى ظل قصور الإصلاح السياسى هو تجنيب هذه القوى الحقيقية وإضعاف فرصتها؛ (2) كون مصر تخوض الآن معارك وحروبا شرسة ضد الإرهاب وضد محاولات تفكيك الدولة وزعزعة اللحمة الوطنية فى المجتمع واواصر تماسكه وضرب معنوياته، وهى حروب الجيلين الرابع والخامس. وهذه المعارك والحروب بما تمثله من مخاطر، تتطلب تماسك المجتمع والجبهة الداخلية، كما تتطلب أيضا ارتفاع النخبة السياسية إلى مستوى الصالح الوطنى العام والمسئولية الوطنية العليا. وتتناقض تماما ظروف الإعداد للانتخابات بأوضاعها الراهنة فى غيبة الفرز والضوابط السياسية مع هذا المطلب، لا سيما وأن الأحزاب والتكتلات وإن كانت لا تمثل فى الحقيقة كتلة حرجة، فلم يصدر عنها منفردة أو مجتمعة ما يتعلق بمعايير الالتزام بالمصلحة العليا فى التنافس الانتخابى !! وهو موقف يعكس حالة التشرذم والتفكك والانكفاء على المصالح الذاتية للنخبة السياسية.

تتطلب الإشكاليات السابقة حلولا سياسية مبدعة وحاسمة وعاجلة يرعاها ويدفع بها الرئيس السيسى استنادا إلى رصيده من الزعامة والشعبية والنجاح، ويكون إعدادها من قبل فريق من المفكرين الوطنيين متنوع الخلفيات بحيث لا يحتكرها خبراء القانون وحدهم. وتشتمل المعالجة المقترحة على: (1) تشكيل لجنة محايدة ومستقلة (عن الحكومة والأحزاب) تضم خبرات سياسية وفكرية وقانونية رفيعة ومتوازنة لإدخال ما يلزم من تعديلات ضرورية محدودة على الدستور (حيث لا ينبغى أن تقوم بها لجنة الخمسين لأن بعضها يتعارض مع نظام المحاصصة التى تشكلت بها تلك اللجنة)؛ (2) تقوم اللجنة أيضا بإعداد القوانين المتعلقة بتنقية الحياة السياسية وبالانتخابات البرلمانية التى تتوافق مع نصوص الدستور وتعديلاته المقترحة وفق ما سبق بما لا يحتمل معه تناقضها مع الدستور والطعن فى عدم دستوريتها؛ (3) طرح حزمة التعديلات السابقة (الدستورية والقانونية) للاستفتاء العام خلال ثلاثة أشهر من بدء عمل اللجنة؛ (4) عقد الانتخابات البرلمانية فى غضون شهرين من انتهاء اللجنة من عملها.


لمزيد من مقالات د.أحمد صقر عاشور

رابط دائم: