رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

حصان أسود فى سباق نحو البيت الأبيض

رغم أنه مازال هناك وقت على الانتخابات الأمريكية فإن تحركات المعركة قد بدأت بالفعل،
 وتبدو هيلارى كلينتون فى صورة المرشحة الديموقراطية التى لا تنافسها بشكل جدى أية شخصية أخرى... علما بأن الطريق مازال طويلاً أمامها لتحصل على هذا الترشيح...وإذا كان ذلك هو الحال على الجانب الديمقراطى فإنه ليس كذلك على الجانب الجمهورى... فليس على المسرح الجمهورى شخصية يمكن الإشارة إليها كمرشح لها فرصة مماثلة فى الحصول على ترشيح الحزب... وربما كان أكثر الأشخاص اقترابا -من هذا الموقع حاليا هو جيب بوش ابن الرئيس السابق بوش وشقيق بوش الصغير أى جورج w بوش...

ومع ذلك فليس من المستبعد أن تظهر فى الأسابيع القادمة شخصية تخترق الصفوف وتفوز بمنصب المرشح الجمهورى الذى سينافس هيلارى فى الجولة الأخيرة فى معركة الرئاسة، أى يمكن أن يظهر حصان أسود يشق طريقه فى السباق ويتقدم على الآخرين، مثلما ظهر حصان أسود فى انتخابات عام 2008 وكان هذا الحصان الأسود آنذاك هو باراك أوباما... فهو لم يكن معروفا من قبل مثلما كانت غريمته هيلارى كلينتون معروفة، إلا أنه لم يمر وقت طويل منذ إعلان الترشح حتى أصبح أوباما ملء السمع والبصر وتفوقت شعبيته على المرشحين الآخرين بمن فيهم هيلارى ثم تفوق على المرشح الجمهورى جون ماكين، وكان أول رئيس من أصل أفريقى يدخل البيت الأبيض.

وهناك الآن اسم جون كيسيك حاكم ولاية أوهايو الذى بدأ يتردد كمرشح محتمل، وإذا كانت الصورة الذهنية عن جـيب بوش لدى المواطن الأمريكى العادى هى صورة من وٌلد وفى فمه ملعقة من ذهب باعتباره من عائلة بوش التى خرج منها رؤساء جمهورية وحكام ولايات بحيث تصبح وكأنها عائلة مالكة، فإن الصورة الذهنية عن كيسيك هى صورة مناقضة لشخصية ـ يب بوش فهو يأتى من أسرة متواضعة، حيث كان أبوه ساعى بريد وأمه كانت موظفة فى مكتب بريد، ولا ينتقص ذلك من كونه منتميا للحزب الجمهورى الذى يعتبر حزب الأثرياء.

دخل كيسيك السياسة وهو فى منتصف العشرينات وانتخب عضوا فى المجلس النيابى لولاية أوهايو فى هذه السن المبكرة... ثم انتخب عضوا بمجلس النواب أى فى الكونجرس، وظل عضواً بالكونجرس لما يقرب من العشرين عاماً وعمل فى لجان مهمة حيث كان عضوا فى لجنة الميزانية حتى أصبح رئيساً لها كما كان عضواً فى لجنة القوات المسلحة... وعارض بشدة تصنيع وإنتاج قاذفة القنابل B52، وبالرغم من مواقفه الحادة التى كان يأخذها بين قيادات الكونجرس إلا أنه كان فى النهاية يصل إلى حلول وسط.. ومن ذلك مثلاً قبوله بإنتاج عشرين طائرة B52 بدلاً من 130 طائرة B52 كانت تريدها وزارة الدفاع (البنتاجون) وقد لعب كيسيك دورا هاما أثناء الميزانية الشهيرة أثناء حكم الرئيس كلينتون والتى هددت بإقفال الحكومة shut down وعندما ترك كيسيك الكونجرس وعاد إلى أوهايو عمل فى القطاع الخاص وشركات استثمار الأموال ومن بينها شركةLehman Brothers وحقق ثروة كبيرة كما كان له فى نفس الوقت برنامجان على التلفزيون حققا نسبة عالية من المشاهدة، فهو يتمتع بكاريزما فضلا عن مواهبه فى التواصل مع الناس وخفة الظل، ثم ترشح بعد ذلك لمنصب حاكم الولاية عام 2011 ونجح فى الحصول على المنصب وبذلك يكون قد اكتملت له سيرة ذاتية متفوقة على سيرة ـيب بوش، حيث عمل فى مجال الكونجرس وفى المجال الإعلامى والمالى ثم فى تجربة الحكم كحاكم لولاية أوهايو. نشأت بينى وبين كيسيك صداقة أثناء فترة عملى فى واشنطن التى تزامنت مع فترة عمله فى الكونجرس... وكان من بين أكثر من اعتمدت عليهم فى الكونجرس أثناء معركتنا لإلغاء الديون العسكرية الأمريكية عام 1990-1991، وعندما زرته لأدعوه ليدعم مشروع القانون الخاص بإلغاء الديون العكسرية وكان مجتمعاً بوفد كبير من ولاية أوهايو ووجدته يقول لهم بصوت عال بينما أنا أدخل القاعة أن السفير المصرى قادم «لاقناعى بالتصويت لإلغاء الديون التى على مصر رغم أن الحكومة الأمريكية لا تلغى الديون التى على الفلاحين الأمريكان إلا أننى لن آخذ قراراً فى الموضوع وسأترك لكم (أى أهل الدائرة) أن تأخذوا أنتم القرار بعد أن تستمعوا إلى ما سيقوله سفير مصر، وقد تحدثت بالفعل أمام الوفد قائلاً أن إلغاء هذه الديون سيرفع عن كاهل مصر عبئا تقيلا وسيجعلها أقدر على تحمل تبعات مشاركتها فى عملية تحرير الكويت، كما أشرت إلى أن الديون العسكرية جاءت نتيجة قروض ذات فائدة مرتفعة فى وقت كانت مصر خارجة من فترة حروب. وأننا نطلب من أصدقائنا فى الكونجرس الوقوف إلى جانبنا ودعمنا خاصة أن هذه الديون العسكرية وأقساطها تأخد الكثير من حق المواطن المصرى فى التنمية. وانهيت حديثى بالتعبير عن أملى فى أن تكون أوهايو ولاية صديقة تقف إلى جانب مصر. وقد كان لى ما أردت وصفق أعضاء وفد أوهايو تعبيرا عن موافقتهم على أن يصوت كيسك لصالح إلغاء الديون

تركت واشنطن عائدا للقاهرة مع بلوغى سن المعاش 1992... ثم تصادف أننى كنت أزور ابنتى فى نيويورك فى الفترة السابقة مباشرة على الحرب الأمريكية على العراق عام 2003 وكنت أتابع الأنباء لحظة بلحظة على شاشة التلفزيون وجاءنى اتصال من كيسيك ليسألنى عن رأيى فى هذه الحرب التى تتأهب أمريكا لدخولها وكنت قد انتهيت من الاستماع إلى خطاب كولن باول وزير الخارجية الأمريكى آنذاك والذى ألقاه بمجلس الأمن فى جلسة شهيرة لا تنسى والذى حاول فيه أن يدلل على وجود أسلحة دمار شامل بالعراق، وقد تبين فيما بعد أن باول كان ضحية مجموعة من دعاة الحرب ودهاقنتها... وأنهم أعدوا هذا الخطاب ليقوله مستغلين فى ذلك ما يتمتع به باول من مصداقية فى أمريكا والعالم. وما زال باول حتى الآن يندم على وقوعه فى فخ إلقاء هذا الخطاب المليء بالأكاذيب والادعاءات المفبركة!!.. وسألنى كيسيك عن رأيى فى موضوع دخولهم الحرب... وكان واضحا أن قرار الحرب قد اتخذ بالفعل... وقلت لكيسيك... إنكم سترتكبون حماقة كبرى لو دخلتم هذه الحرب... ستدخلون العراق ولكنكم لن تعرفوا كيف تخرجون منها وستتركون عداءً لا ينسى لأمريكا لدى الشعوب العربية... وصار جدال طويل بيننا فى هذا الشأن، ولكننى وجدته متشككاً فيما كنت أقوله له... لأن الآلة الإعلامية التى كانت تروج للحرب بحجة وجود أسلجة دمار شامل فى العراق كانت آلة رهيبة وتتحرك بقوة لا تكاد تقاوم لإقتاع الرأى العام الأمريكى أو بالأحرى لغسيل مخه لتأييد هذه الحرب. كان حديثى الطويل معه حديثا تحذيريا وطلبت إليه أن يحذر زملاءه الجمهوريين، وقلت له إن موضوع اسلحة الدمار الشامل ليس إلا ذريعة لشن الحرب على العراق وحصول أمريكا على بترول العراق وإنه لو كان الأمر متعلقاً بموضوع وجود أسلحة دمار شامل فى العراق فإنه يمكن دعم جهاز التفتيش على العراق، الذى يرأسه شخص موثوق فى مصداقيته وهو السويدى هانز بلكس... كان كيسك يوجه لى كثيرا من الأسئلة بما أظهر لى أنه أيضا كانت تساوره شكوك عززتها لديه معارضتى لهذه الحرب.... وقد تبين فيما بعد كيف كانت اعاءات أسلحة الدمار الشامل التى سوّقها وروج لها مجموعة من المحافظين الجدد وبعض العرب من أمثال أحمد شلبى وفؤاد عجمى ما هى إلا أكاذيب... وها نحن الآن نعيش فى مآسى ما جرته هذه الحرب الغاشمة من نتائج كارثية وظهور الميليشيات الإرهابية التى تدمر البلاد والعباد...

أنا لا أقول إن ون كيسيك سيكسب يقينا معركة ترشيح الحزب الجمهورى له ولكننى فى نفس الوقت لا أستبعد ذلك... وأعتقد أنه سيكون أفضل من بوش آخر... ولكن الطريق ما زال طويلا...

وأرى مع ذلك أن نعمل من الآن على تكوين فريق عمل يراقب معركة الانتخابات الأمريكية التى بدأت بالفعل ونرى ما يمكن أن تفعله ليكون هناك تواصل بيننا وبين المرشحين المختلفين... وما علينا إلا أن ننظر فى تاريخ الستين عاماً الماضية لنعرف كيف تلعب شخصية الرئيس الأمريكى دوراً رئيسياً إزاءنا إن إيجابا وإن سلباً...


لمزيد من مقالات عبدالرءوف الريدى

رابط دائم: