رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

محمد سلماوى فى السبعين

إن الثقافة المصرية تعيش لحظة من أخصب لحظاتها التى جمعت بين مثقفى عقدين من أعظم أبناء هذه الثقافة, العقد الأول عقد مواليد الثلاثينيات من القرن الماضى الداخلين فى الثمانينيات, والعقد الثانى مواليد الأربعينيات ومنهم الكاتب الكبير محمد سلماوى للدخول فى (السبعين) وإن كان المتأمل فى مسيرة هذا الكاتب الحياتية والوظيفية والصحفية والثقافية والإبداعية يمكن أن يشير إلى أنه تجاوز المائة عام .

إن مسيرة هذا الكاتب تقدم لنا نموذجا باذخا فى الكتابة الصحفية منذ التحاقه بالأهرام عام 1970 , ثم الكتابة العلمية, مثل كتابه: (أصول الاشتراكية البريطانية), ومدونته الفريدة عن (نجيب محفوظ), أما الإبداع , فهو كاتب مسرحى بالدرجة الأولى, وبدايته الإبداعية كانت مع المسرح فى مسرحيتيه: (فوت علينا بكره , واللى بعده) عام 1983 إلى آخر مسرحياته:(رقصة سالومى الأخيرة) 1999, ثم اتجه الإبداع إلى منطقة السرد بدءا من (الرجل الذى عادت إليه ذاكرته)1983 وصولا إلى آخرها: (أجنحة الفراشة) 2011.

وهذا الدور الإبداعى المدون, يوازيه دور ثقافى آخر- بجانب عمله الصحفى ورئاسة تحرير عدة صحف: (الأهرام ويكلى) (الأهرام إبدو) (المصرى اليوم) - هو رئاسته اتحاد الكتاب المصريين عام 2005 ليصعد به إلى قمته العلمية والثقافية والعملية, حيث وضعه فى مصاف المؤسسات الثقافية المشاركة فى كل أنشطة الدولة الرسمية وغير الرسمية , فضلا عما قدمه لجمهور الكتاب من مكاسب مادية ومعنوية سوف تظل مرتبطة باسمه فى ذاكرة الثقافة المصرية, وقد اضاف إلى ذلك توليه الأمانة العامة لاتحاد الكتاب العرب , ثم أمينا لاتحاد كتاب أفريقا وآسيا, ليتحول محمد سلماوى إلى مواطن عالمى دون أن تؤثر هذه العالمية فى خصوصيته المصرية والقومية الأصيلة.

لكن الذى أهمنى وأنا مقدم على تحية هذا الكاتب الموسوعى ببلوغه (السبعين) أننى أكتب عن مبدع له فرادته فى قدرته (التنبئية), أو لنقل: إنه كاتب يمتلك قدرة اختيار منطقة زمنية عالية يستطيع أن يطل منها على الآتي, ومن طبيعة التنبؤ بالآتى خضوعه للتحقق أو عدم التحقق, لكن تنبؤات سلماى قد تحققت فى جملتها على نحو غير مباشر حينا ومباشر حينا آخر, فمن يتابع مسرحياته الأولى سوف يتوقف كثيرا عند محتواها الفكري, فهى مهمومة بالمواجهة بين السلطة فى مستوياتها المختلفة والجمهور من خلال القوانين غير الشرعية و القيود الظالمة, والروتين الفاسد, وهو ما يتجلى فى مسرحيتيه: ( فوت علينا بكره, واللى بعده ), أما مسرحية ( الجنزير ) 1982 فهى ترصد بعض مظاهر الإرهاب المزامنة لها, لكنها من ناحية أخرى تمثل النبوءة الكاملة لما نعايشه اليوم من الإرهاب الأسود باسم الدين.

أما ما أريد أن أتوقف أمامه بعض التوقف , فهو روايته الأخيرة: (أجنحة الفراشة) 201, وكنتُ من أوائل من كتبوا عنها حين صدورها بوصفها النبوءة الكاملة لثورة يناير 2011, لكن الذى أضيفه اليوم: أن بعض القراء سوف يداخلهم الظن أن الرواية قد كتبت بعد الثورة , أو أثناءها, وهنا لا بد أن أوضح بعض الأمور, ذلك أن الكاتب الكبير محمد سلماوى كان قد شرفنى بقراءة مسوّدة الرواية قبل دفعها للنشر , وكان ذلك فى أخريات عام 2010 , أى قبل قيام الثورة بعدة أشهر, وما أن قرأتها حتى أسرعت بمهاتفته لأذكر له أمرين, الأول: أبديت تقديرى النقدى لهذا العمل الروائى المميز , وتوقعى له بالانتشار, الآخر : ذكرت له بعض التخوف من نشر الرواية, واقترحت تأجيل النشر, لأن نشرها سوف يحدث صداما بينه وبين السلطة والحزب الحاكم, وهى مؤسسات لا تعرف شرف الخصومة واختلاف الرأى , وكان رده عليّ مكونا من أمرين أيضا , الأول إصراره على النشر, والأمر الآخر خاص بالخوف من الصدام مع السلطة والحزب , وكان رده على ذلك محددا فى قوله تعالى: «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا».

وتوالت مفاجآت (النبوءة), إذ كانت الثورة هى الخط المركزى فى الرواية ,و كان مرور يوم بعد يوم على قيامها, تتحقق معه واحدة من النبوءات, وكأن الكاتب كان يعيش الوقائع والحوادث لحظة بلحظة , ويوما بيوم , وكان كل ما ينقص النبوءة أن تحدد بدء الثورة باليوم والساعة , فأحداث الثورة فى الواقع وفى الرواية مكانها ( ميدان التحرير ) الذى اشتعل بالمظاهرات المطالبة بالحرية , وكانت الشرطة تحاصرها, ثم تكتمل النبوءة بنزول الجيش إلى الشوارع لحفظ الأمن بعد تحطيم مقار الحزب الحاكم, ثم استقالة الحكومة, ومجيء حكومة تسيير الأعمال, ولم يكن ينقص النبوءة إلا أن تقول: إن رئيس هذه الحكومة هو الفريق أحمد شفيق-, ومن بعاود قراءة هذه الرواية سوف يستعيد الدهشة من نبوءتها الكلية.


لمزيد من مقالات د.محمد عبدالمطلب

رابط دائم: