أطلت علينا من خصاص الباب.. بدر البدور.. كما البدر المدور.. بنورها وجمالها وطلعتها البهية.. تعانقها زوجتي وتلقي علي مسامعنا قصيدة في الجمال البكر الطبيعي بلا ألوان وبلا مساحيق.. وهات يا قبلات أنهتها بعبارة: والنبي يا بنتي أنت حتمسحي بجمالك بنات نهر التايمز بأستيكة!
بينما راح صديق العمر يعاتبني علي طول الغياب ونحن نعيش في بلد واحد وهم واحد ولكننا كأننا نعيش في قارات تفصل بينها محيطات وبحور بلا شطآن..
فاجأت زوجتي الجميع بعد فاصل من القبلات بسؤال مباشر للسنيورة بدر البدور: اشمعني يا ست الكل سبتي كل شبان مصر.. واخترتي ولد انجليزي سكسوني أشقر أصفر الشعر لا من دينا ولا من تقاليدنا.. عشان يكون جوزك وأبو عيالك؟
يبدو أن فتاتنا كانت مستعدة لمثل هذا السؤال فقالت في عفوية ودون تحضير: »لأنه يا تانت صادق لا يكذب أبدا.. ولا بيلف ولا بيدور.. بيوصل لهدفه من أقصر طريق.. بعد كام مقابلة كده في الجامعة قاللي فجأة أنه عايز يرتبط بيا.. وأنه بيحب مصر والناس في مصر.. وأنه قبل ما كان بيفكر في مسألة الجواز دي.. أحب الدين الإسلامي وأدرك وحده أنه الدين الحق وأن رسول الله هو آخر الرسل المنزلين من السماء.. وأن القرآن الكريم هو كتاب منزل من السماء لكي يهدي ويقود إلي النور كل البشر..«!
بدر البدور مازالت تتكلم: »موش بس كده.. ده راح مشيخة الأزهر وأعلن إسلامه.. وفي نفس اليوم جه عندي الأوده في الكلية وطلب مني إنه يتجوزني علي شريعة الاسلام.. بذمتك يا تانت ده ولد يتساب«؟
تسألها زوجتي: »يعني لما طلب منك إنه يتجوزك بعد ما أسلم قلتيله ايه«؟
قالت: قلت له موش أنا اللي حقرر لوحدي القرار الخطير ده.. لازم أسرتي كلها توافق الأول.. وبعدين أقول أنا رأيي آه.. واللا لأ؟
فسألتها زوجتي بمكر حريمي عمره من عمر الخليقة: يعني انتي سبتي الباب موارب.. لا قلتيله آه.. ولا قلتيله لأ؟
قالت: ده موش قراري لوحدي.. لازم دادي ومامي يقولوا الأول آه واللا لأ.. وأنا في الأول وفي الآخر بنتهم الوحيدة.. صحيح في لي أخ واحد.. لكن دايما مسافر عواصم الدنيا.. لأنه بيشتغل في السفارات المصرية في كل الدنيا!
أتدخل في الحوار لأول مرة: يعني سيبي الباب موارب!
قالت: أيوه.. لكن اتفقنا أن أديله قراري النهائي وقرار العائلة طبعا في خلال عشرة أيام.. قبل ما يسافر بلده عشان يتكلم هو الآخر مع أسرته اللي لسه بتحافظ علي تقاليد العائلة الصارمة من أيام الملكة فيكتوريا!
.........
.........
بعين قلقة.. الأم تنظر إلينا وتقول: يعني ياربي اتكتب علينا أننا نفارق أولادنا.. الولد أخو بدر البدور حياته كلها سفر في سفر.. حتي البنت اللي قلت تملي عليا البيت عيال.. عشقت ولد سكسوني موش علي ملتنا ولا علي دينا.. وعاوزة تتجوزه ويسافروا يعيشوا في بلاد بره؟
وفي آخر العمر ألاقي بنتي اللي مالية عليا البيت ابص مالقيهاش جنبي!
ابنتها بدر البدور تلاحقها: يا ماما.. لسه بدري علي الكلام ده كله.. أنا لسه ماخدتش موافقتكم انتي وبابا.. وموش حركب الطيارة إلا وأنتم بتشاورولي في المطار مع السلامة.. وأنتم آخر رضاء وآخر اقتناع!
لم أتكلم أنا بعد.. ولكنني طلبت من صديق العمر وزوجته العزيزة أن أجلس مع ابنتهما بدر البدور وحدنا.. لكي أعرف منها كل شيء.. في مثل هذه الحالات هناك كلام يقال أمام الوالدين.. وكلام آخر يقال من ورائهما.. وأنا أريد أن أسمع منها هذا النوع من الكلام الذي لا يقال.. ولكنها تحتفظ به ـ برفع الياء وسكون الهاء ـ في خزانة أسرار الإنسان..
نظرت زوجتي إلي العروس التي لم تزف بعد وقالت لها: سرك معاه ـ اللي هو أنا ـ في بير هو لا يتلكم أبدا.. يسمع فقط!
دخلنا حجرة ذات زجاج.. يشاهدوننا في الخارج.. لكن لا أحد يسمع حديثنا..
قلت لها صادقا: شوفي يا ست البنات كل أصدقائي الذين تزوجوا من فتيات أجنبيات.. كانت زيجاتهم ناجحة بنسبة تفوق الـ 80 في المائة.. يعني زواج ناجح.. صديقي فكري اندراوس في مدينة ستانفورد بجوار واشنطن العاصمة الأمريكية.. كان زواجه ناجحا بنسبة مائة في المائة ومايزال.. وأنا لا أنزل إلي واشنطن في أي زيارة لي إلا عنده وعند زوجته الأمريكية الظريفة جدا المهذبة جدا.. التي تعلمت العربية منه..
وصديقي الآخر الدكتور محمود وهبة أستاذ الجامعة وقد استضافنا وزوجته الأمريكية.. أنا وزوجتي وابنتي جيهان في منزلهما في واشنطن.. وهو سعيد بزوجته الأمريكية غاية السعادة..
وصديقي وزميلي في الأهرام أسامة محمود الذي تزوج أمريكية ويعيش معها في واشنطن ويعملان معا في الميديا الصحفية.. وقد استضافنا أنا وزوجتي عندما ذهبت تعمل عملية قلب مفتوح في واشنطن.. وهما غاية في السعادة والأدب والظرف والفرح معا..
ولا أنسي أبدا صديق عمري الكاتب الكبير سلامة أحمد سلامة.. وقد تزوج سيدة ألمانية وله منها ولدان يعيشان في ألمانيا.. وهما زوجان سعيدان بمعني الكلمة..
قالت: عظيم.. حاجة مشجعة موش كده..؟
قلت: ولكن كل زميلاتي وصديقاتي الشاعرات والصحفيات والإعلاميات اللاتي تزوجن من أجانب.. فشلت معظم زيجاتهن بكل أسف.. وعدن إلي أرض الوطن وأحضان الأمهات باكيات نادمات.. ولا داعي لذكر أسماء.. حتي لا نكشف المستور ونجرح إحساساتهن!
.........
.........
فاجأتني بدر البدور بقولها: علي فكرة يا أونكل.. احنا مجرد اتكلمنا في موضوع الجواز أنا وبيتر ـ وهذا هو اسمه ـ ولم ندخل في تفاصيل.. فقط قاللي هو: أنا سوف أشهر إسلامي في الأزهر هذه الأيام ـ ويمكن عملها بالفعل وأسلم وبعدين سوف أتقدم إلي أسرتك لأطلبك منها بعد أن يصبح اسمي عبد الله بيتر.. وسوف نعيش معا في لندن وسوف أستكمل عملي في جامعة اكسفورد كمدرس لغة عربية والأديان!
أضاف عمنا عبد الله أو الذي سيصبح اسمه بعد إسلامه عبد الله: وممكن أنت كمان تشتغلي معايا في الجامعة.. تدرسي لغة عربية ومباديء الدين الإسلامي أو حوار الأديان!
قلت لبدر البدور: أنا شخصيا تزوجت في بداية عملي الصحفي وفي أول رحلة صحفية إلى خارج القطر المصري.. إلي قبرص.. من فتاة قبرصية يونانية الأصل.. كانت بطلة قبرص في التنس.. ومكثت معها في بيتها ـ كما هي عادة المتزوجين هناك ـ ثم سافرت في رحلة طويلة إلي لبنان ومنها إلي سوريا وتركيا والعراق.. واتفقت معها علي أن تلحق بي في القاهرة.. ولكنها عندما جاءت إلي مصر لم أكن أنا قد عدت بعد من رحلتي التي طالت بسبب انتشار وباء الكوليرا في العراق أيامها وحاولت أن أعثر عليها بعد ذلك.. ولكنني لم أعثر عليها حتي اليوم!
سألتني: يعني حضرتك موافق علي زواجي من هذا الشاب الانجليزي الذي أعلن إسلامه بالفعل وتقدم بطلب يدي من أهلي؟
قلت لها: آه لقد تذكرت الآن.. لقد كان لي قريبة من عائلتي.. وقد تزوجت بالفعل شابا ايطاليا مهذبا وعلي خلق.. وكانا سعيدين في حياتهما وأنجبا نصف دستة من الأولاد والبنات،.. وكانا في منتهي التفاهم والمودة.. حتي إن هذا الايطالي عندما مات صلوا عليه في الجامع ودفنوه في مقبرة العائلة في القناطر الخيرية بوصفه انسانا مسلما!
.......
.....
تسألني بدر البدور ومازال الحوار بيننا ساخنا من خلف زجاج الغرفة الزجاجية في بيت صديق عمري: أنا سمعت إنك في شبابك كمان كنت حتتجوز بنت مسيحية من الصعيد الجواني؟
قلت: هناك فرق كبير بين بنت مصرية من صعيد مصر علي غير ديني.. وقد تدخلت أمي لإفساد هذا الزواج حتي نجحت في افساده بذكائها وحنكتها.. التي وضعتها في عبارة واحدة: إن أهلها الصعايدة لن يسمحوا بزواج ابنتهم القبطية من شاب مسلم.. ولكن هناك فرق بين فتاتنا هذه القبطية وفتاك أنت ذاك الخواجة السكسوني الأنجليزي الجنسية..
كأنك تمزجين مياه بحرين معا.. هذا عذب فرات وهو أنت.. وهذا ملح أجاج كما يقول كتاب لله.. وهو من يطلب يدك الآن؟
قالت بصوت لم يسمعه إلا أنا: ولكنني أصدقك القول لقد بدأت أحبه وقد أصبحت ضعيفة أمامه.. ولا أملك الآن أن أرد يده الممدودة إلي لكي أكون زوجة له!
خرجنا من الغرفة الزجاجية دون قرار آه أو لا.. واتفقنا علي أن يكتب كل واحد منا نحن الخمسة الابن والأب وزوجتي وأنا وصاحبة اليانصيب.. كل ورقة مكتوب فيها كلمة واحدة نعم أو لا..
وفتحنا الأوراق الملفوفة لنجد النتيجة أربعة قالوا لا.. وورقة واحدة قالت نعم من المؤكد أنها لبدر البدور..
........
.........
بعد نحو شهر.. وكنت قد نسيت كل شيء.. جاءني صوت الأم عبر سماعة التليفون الأرضي في الصباح الباكر.. وليس كما كان في المرة الأولي بعد منتصف الليل.. بنتي بدر البدور حتكلم حضرتك؟
بدر البدور: أيوه يا أونكل.. جت بنت معصعصة زي عود القصب الممصوص.. من لندن وقالت إنها خطيبة الباشا.. وخدته تحت باطها وسافروا لندن في أول طيارة!
سألتها: وانتي عملتي ايه؟
قلت ضاحكة: كسرت وراهم قلَّة!{
Email:[email protected]