المجر ليست من الدول التى تتصدر أخبارها عناوين الأخبار مثلما يحدث فى الشرق الأوسط أو فى غرب أوروبا أو غيرهما من مناطق العالم، ولكنها تملك رصيدا من الاحترام والتجارب الناجحة منذ سقوط النظم الشيوعية فى نهاية العقد التاسع من القرن العشرين وحتى تحقيق طفرة اقتصادية ملحوظة فى السنوات الخمس الأخيرة.
فقد جذبت المجر صاحبة العشرة ملايين نسمة أكثر من 30 ألف شركة أجنبية للاستثمار فيها تقدم للناتج المحلى الإجمالى 40 % وتصدر 80 % من إنتاجها إلى الخارج معظمه يتجه إلى الاتحاد الأوروبي، فضلا عن تحقيق طفرات فى نمو صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يفوق مثيلاتها فى دول غرب أوروبا.
دولة عمرها قرابة ألف عام تقع فى منطقة لا تطل على بحار أو محيطات ويطلق عليها «أرض حبيسة» فى وسط أوروبا وتعتمد على قطاع الزراعة القوى واليوم تكمل تقدمها بنهضة صناعية واعدة.
زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى بودابست أمس والحفاوة منقطعة النظير التى قوبل بها من القادة المجريين تقول إن هناك من يقدر صعوبة تجربة التحول والإصلاح التى تجرى على أرض مصر من واقع تجارب فعلية فى بلد آخر مر بظروف وعوامل معاكسة شبيهة بما لدينا اليوم.
المؤتمر الصحفى للرئيس السيسى ورئيس وزراء المجر فيكتور أوربان كان انعاكسا فعليا لتقدير المجر لثورة 30 يونيو وللرئيس وتعبيرا عن رغبتها الصادقة فى مساندة عملية التحول والبناء على أرض مصر. قال أوربان إن استقرار مصر من استقرار أوروبا ولابد من احترام اختيار المصريين لرئيسهم. وأبدى رئيس وزراء المجر ثقة كبيرة فى المستقبل، فوجه حديثه إلى المستثمرين داعيا إياهم إلى الذهاب بأموالهم إلى مصر التى وصفها بأنها «قادمة» نحو بناء دولة قوية.
من كلمات «أوربان» أيضا رسائل إلى الداخل المصرى من سياسى أجنبى رفيع المستوى أدرك بحنكة أن هناك ما يمكنه توجيهه إلى دولة صديقة، فقال إن السلطة السياسية فى بلاده لا يوجد لديها مشكلة مع القادة العسكريين وهم شركاء فى عملية التحول والإصلاح وبلدهم يحتاج إليهم فى عملية بناء الدولة وهو ما حدث بشكل رائع فى السنوات الأربع الماضية.
كما أكد رئيس الحكومة المجرية أهمية الوحدة الوطنية لدعم النتائج التى تتحقق على الأصعدة السياسية والاقتصادية وقال إن عنصر »الوقت« مسألة لا جدال فيها وهو يمثل تحدياً حقيقيا وفى معارك البناء تكون المواجهة مع الوقت وليس مع خصوم الداخل أو أعداء الخارج. كما قال أروبان إن حكومته لم تخش ارتكاب أخطاء فى مسار عملية الإصلاح، فهو أمر وارد ولا ينبغى الوقوف كثيرا أمام الانتقادات اللاذعة أو الأصوات المروجة للفوضي. رؤية محترمة من مسئول أوروبى تحقق حكومته طفرة اقتصادية فى أربع سنوات ويمكن أن تدعم مصر بخبرات جيدة بعد أن انطلق قطار التغيير فى بلادنا واقترب من محطة إنجاز مهمة بعد شهرين عندما تشهد مصر افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة بحضور قادة وزعماء العالم الذين يدركون أن مصر على الطريق الصحيح ..
ما أحوجنا فى الداخل المصرى إلى أن ندرك عمق كلمات »أوربان« عن أهمية »الاصطفاف الوطني« وقيمة الدخول فى »سباق مع الزمن«.. فشكراً للمجر شعباً وقيادة على نفحة الأمل والثقة فى مسار الإصلاح فى بلد صديق.