رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الصهيونية بين الدين والدولة «1»

كان تناولنا السابق لمشكلة اليهود الإثيوبيين فى إسرائيل مقدمة لفتح ملف طال صمتنا عليه وهو الأسس الفكرية التى قامت عليها إسرائيل؛

وقد يكون هذا الصمت راجعا لما يثيره تقصى تلك الأسس من صدمة مؤلمة إذا ما تبينا أننا أو فريق منا على الأقل - نشاركهم التسليم بتلك الأسس بدرجة أو بأخري، فرغم أننا نكاد نجمع على ما تمثله إسرائيل من تهديد لنا، إلا أننا كثيرا ما نندفع تحت تأثيرات شتى إلى تبنى عدد من المقولات والمسلمات الفكرية الصهيونية.


الصهيونية منظومة فكرية، وموقف سياسي، وممارسة عملية تاريخية وفوق كل ذلك أو انطلاقا من كل ذلك فقد ارتبطت بما يعرف بالمشكلة اليهودية ومن ثم فقد تداخلت الحدود بينها وبين الديانة اليهودية، بل وامتد الخلط ليشمل صفة «الإسرائيلية» أيضا، لقد حرص دعاة الصهيونية على الترويج لفكرة مؤداها أنه لا فرق بين الصهيونية واليهودية، كما أن المستقبل كما يأملون سوف يكفل دمج «الإسرائيلية» أيضا فى هذا المركب بحيث يستحيل التفرقة بين الصهيونى واليهودى والإسرائيلي.


لقد بدأت الصهيونية فكرة كغيرها من الأفكار التى عرفها التاريخ البشري، ثم تحولت إلى تيار فكري، وتنظيم سياسي، وسرى على ذلك التحول ما يسرى على تطور الأفكار من قوانين علمية لعل أهمها أن ذلك التطور لا يمضى بعيدا عن الظروف الاجتماعية التاريخية المصاحبة له.


لقد وضع عباس بن فرناس مثلا يده على أساس فكرة الطيران، ولكن الفكرة لم تحظ بانتشار اجتماعى آنذاك، وتأجل ذلك الانتشار لتبزغ الفكرة من جديد وتلقى قبولا وانتشارا فى مجتمع يحتاج إليها لحل مشكلات تواجهه.


ولقد حاول الصهاينة خلال سعيهم لدمج الفكرة الصهيونية بالديانة اليهودية بالدولة الإسرائيلية إلى اصطناع تاريخ موغل فى القدم لتلك المصطلحات جميعا.


لقد اصطنع الصهاينة تاريخا موغلا فى القدم لفكرة الصهيونية إلى حد ربطها بالعهد القديم ومن ثم اعتبارها جزءا لا يتجزأ من العقيدة اليهودية؛ بحيث يرتبط الوجود اليهودى دينيا بالوجود على أرض فلسطين وسيناء؛ رغم أن اليهود قد عاشوا لآلاف السنين منتشرين فى بلدان العالم وأن تاريخ دعوة اليهود إلى شد الرحال إلى فلسطين قد يرجع إلى القرن السادس عشر، حين أصدر المحامى البريطانى هزى فنش H.Finch سنة 1621 كتابه المعنون «البعث العالمى الكبير أو دعوة اليهود»، وتكررت الدعوة فى كتابات شبتاى بن زفى (1626-1676)، ويهودا القالى (1798-1878)، وموزوس هس (1812-1875) وغيرهم, غير أن تلك الدعوة ظلت مرتبطة بالعاطفة الدينية التقليدية فى زيارة الأماكن المقدسة، أو السكن بجوارها، لقد كان عدد اليهود فى فلسطين سنة 1799 نحو خمسة آلاف، وارتفع عام 1876 إلى 13920، ثم أخذت الهجرة اليهودية تتخذ طابعاً أكثر تنظيماً وكثافة منذ 1882 إثر تصاعد «المشكلة اليهودية» فى روسيا، دون أن تطرح حتى ذلك الوقت فكرة إقامة دولة.


يقوم الأساس الفكرى الثانى للصهيونية على القول بأن لليهود خصائص وسمات ثابتة عبر العصور لا تتأثر بتغير الزمان ولا المكان؛ ومن ثم النظر إلى «يهود اليوم» باعتبارهم ورثة خصائص «اليهود القدامي»، وحسم هذه القضية على المستوى الموضوعى يقتضى الاحتكام إلى العلم، ترى هل تلعب الجينات أو المورثات دورًا أساسيًا فى تكوين اتجاهات الفرد وميوله وخصائص شخصيته، أم أنه يتعلم ذلك من خلال البيئة المحيطة به وبتأثير من خبراته السابقة؟


تلعب الوراثة والبيئة دورا بارزا فى غالبية أنواع السلوك المركبة، ويختلف حجم ذلك الدور تبعا لطبيعة السلوك أو الخاصية، لون الجلد والعينين وطول القامة إلى آخر تلك الخصائص تخضع بدرجة أكبر لعوامل الوراثة، فى حين أن الأفكار والميول والاتجاهات تكون نتاجا للمؤثرات البيئية ذات الطابع الاجتماعى الثقافى التاريخي. ورغم أننا مازلنا نشهد جدلا علميا رصينا حول التفاعل المتبادل بين المؤثرات البيئية والوراثية؛ فقد تدخلت التوجهات السياسية والفكرية المتباينة لتصبح القضية أقرب إلى القضايا اليقينية التى لا تحتمل الجدال منها إلى القضايا العلمية التى لا تزدهر إلا من خلال ما تثيره وما تتعرض له من مجادلة وتفنيد، لقد أصبح التسليم بأن جماعة بشرية معينة تتوارث خصائص أخلاقية وعقلية بذاتها يمثل يقينا عقائديا لدى العديد من الجماعات البشرية مهما تناقض ذلك «اليقين» مع معطيات العلم الموضوعي، ومع حقائق التاريخ.


ورغم ما تواجهه إسرائيل واقعيا حتى اليوم من حقائق تنفى بما لا يدع مجالا لأى شك أساسا لفكرة نقاء العنصر اليهودى ومن ثم تماثل يهود اليوم مع اليهود القدامي؛ بل وتنفى أيضا تماثل يهود اليوم فكريا أو سياسيا مع بعضهم البعض رغم الجهود المضنية التى بذلتها وتبذلها إسرائيل لصهر ما لا يمكن صهره؛ فإن قادة الصهيونية ما زالوا يتمسكون حتى اليوم بتلك الأسس الفكرية.


ويبقى تساؤل: ربما يكون التمسك الصهيونى بتلك الأفكار المعادية للحقيقة العلمية وللحق العربى مبررا لاستمرار سياساتهم العنصرية؛ ترى هل من مبرر لتسلل تلك الأفكار إلى ترسانتنا الفكرية العربية؟


ولعل للحديث بقية



لمزيد من مقالات د. قدري حفني

رابط دائم: