تداعت المؤسسات الإسلامية لتدارس أنجح السُّبُل والوسائل، وأفضل الخطط والمناهج، لتجديد الخطاب
الديني. وليس أمامها إلا أن تتعاون على قلب رجل واحد، منعا لتشتيت الجهود، وربما تنازع الاختصاصات.
ويَمُرّ بمصر اليوم حدثٌ مهم يؤمّه صفوة من علماء مصر يبحثون فى واقع الخطاب الدينى المعاصر، تلبية لنداء وزارة الأوقاف، لتقويم المسار، وتصحيح الأفكار، ومواجهة الأخطار، وهو هدف لو تعلمون عظيم.
هذه الصفوة مؤتمنة من أهلها، مسئولة أمام ربها عما انتدبت إليه من “جهاد علمي” ينشر ثقافة الاعتدال، ويُعلى فريضة التسامح، ويصون حرية الاعتقاد، ويدعم حق التعايش، ويحمى الشباب من التطرف والتكفير والإرهاب. وتدرك هذه الصفوة أننا نمر بمرحلة خطيرة، تتطلب وضع إستراتيجية عملية لتجديد الخطاب الديني، بعيدا عن المظاهر “الاحتفالية” لبعض المؤتمرات.
إن المصريين قدموا للعالم أعظم نموذج عرفته البشرية فى التعايش السلمي، حتى أن أحدا لا يستطيع أن يفرق بين المسلم والمسيحى فى الإخاء والثقافة والعادات والقيم والمعايشة، اللهم إلا إذا دخل أحدهم المسجد، وذهب الآخر إلى الكنيسة. هؤلاء المصريون ينتظرون من المؤسسات الدينية إستراتيجية، تحدد بشجاعة ملامح أزمة الخطاب الدينى المعاصر، وأسبابها، ووسائل علاجها..
إستراتيجية تُعنى بتكوين الداعية، وتُعلى كرامته، وتحترم اجتهاده، وتنهض بمعيشته، وتستره عن الفقر، وتحميه من العوز، وتزكى ولاءه لوطنه، وتزيل أسباب ضعف مستوى بعض خريجى المعاهد والكليات الدينية الذين يتحولون إلى عبء ثقيل على الخطاب الدينى عندما لا يجد الناس عندهم ما يتوقعونه منهم..
إستراتيجية تحفظ ثوابت الدين، وتشجع الاستفادة بمستجدات العصر فى بناء وعى إسلامى حضارى يحترم العقل، ويستوعب الآخر، ويضمن سلامة المجتمع، ويصون مصالحه العليا، وتعى مخاطر الإعلام الجديد، وتستوعب إعلام المواطن، خاصة صفحات التواصل الاجتماعي، وتحسن توجيهه. وتستنهض وعى الجميع لتجفيف منابع الأفكار المتطرفة والمنحرفة، واستعادة الوجه المشرق للتراث الإسلامى بعد تخليصه من الشوائب التى علقت به، أو دست عليه..
إن وزارة الأوقاف بمكانتها فى المجتمع، وآثارها فى كل بيت، جديرة بتقديم القدوة، بسرعة تشكيل لجان علمية، لتنقية مطبوعاتها من أى عبارات يمكن أن يستخدمها المغرضون فى الإساءة للدين، أو الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الخطاب الديني. إن أئمة مصر أحق الناس باستكمال مسيرة أجدادهم الذين علّموا الدنيا كلها وسطية الإسلام، وهم اليوم منتدبون لاستعادة الوجه الحضارى للخطاب الديني، بعيدا عن الغلو والانغلاق وتسييس الدين والجماعات الانتهازية. وأحسب العالم يولّى وجهه شطر مصر، لينظر ماذا أنتم فاعلون؟