لم تنعم جماعة إرهابية مثل الإخوان بهذا التأييد الخارجى من دول قوية ومن منظمات دولية نافذة ومن محافل تجمع ذوى كلمة مسموعة، بل ومن عاريات الصدور!
هذا الاتفاق وهذه الحمية وهذه الفورية مثيرة للريبة! لماذا لم يتحقق هذا لجماعة إرهابية أخرى؟ بل حتى لجماعة خيرية إنسانية يتفانى أعضاؤها فى خدمة بنى البشر؟
ولم يكن من الممكن لتأييدهم المنافى لكل منطق إلا أن يكون متهافتاً مفضوحاً فى تناقضاته وفى ادعاء الالتزام بالمبادئ! أنظر إلى آخر مشهد فى المسرحية التى تُعرَض يومياً بلا توقف، فى موقف رئيس البرلمان الألمانى الذى أبَى على نفسه إلا أن يكون استعراضياً بإرساله فى خطاب رسمى إلى السفارة المصرية فى بلاده، ليعترض على إجراءات العدالة فى مصر وليثبت موقفه المبدئى ضد عقوبة الإعدام، دون أن يفسر عدم الثبات على مبدئيته ضد أمريكا التى قضت إحدى محاكمها قبل أيام بإعدام الإرهابى الذى فجّر قنبلة فى ماراثون بوسطون!
بل إن مجموعة من النشطاء المصريين، ومنهم من هم أبعد ما يكونوا عن الإخوان، أثبتوا أيضاً موقفهم المبدئى ضد تنفيذ عقوبة الإعدام، أيضاً دون إشارة إلى واقعة بوسطن!
وأما مواقف الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض والكونجرس، فإنها تسير على نفس الخط الداعم للإخوان، بل هم الذين ابتدعوه، كما أن منظمة العفو الدولية تصدر بيانات الشجب ضد الأحكام بعد صدورها بساعات قليلة! ومثل هذا كثير.
لم يُبدِ كلُ هؤلاء نفس القدر من الاهتمام نحو حياة البشر، التى يزعمون أنها شاغلهم الشاغل، إزاء الجرائم الإرهابية التى يقترفها الإخوان وحلفاؤهم والتى يقع فيها قتلى على الهوية من الجيش والشرطة والقضاء، بل من عموم المواطنين عابرى السبيل أو من ركاب القطار أو المترو، ولا فى العدوان على الأٌقباط إلى حد إشعال النيران فى أكثر من 60 كنيسة فى يوم واحد بما لم يحدث فى تاريخ مصر، ولم نر إدانة قوية للبيانات التى أصدرها هؤلاء الإرهابيون بعد صدور الأحكام وأعلنوا فيها النفير العام وتوعدوا كل مسئول فى البلاد بالقتل، بل وأعلنوا صراحة حرباً ضد المنشآت العامة، ولم يَرِد على لسان إرهابى واحد أنهم بسبيل اللجوء إلى السبل القانونية بالطعن أو النقض أو أى إجراء شبيه.
ردود أفعال اللوبى الدولى الداعم للإخوان بطيئة فى كل هذه الحالات وخجول ووادعة وتتحرز فى كل كلمة وإذا أدانت الفعل سكتت عن الفاعل!
بالمناسبة، لماذا لا تهتم وسائل الإعلام بعرض تفاصيل الجرائم يوم إعلان الأحكام ليتذكر من نسى، وليعلم من لم يكن يعلم؟! لماذا لا تُنشَر هذه المعلومات والصور فى إعلانات مدفوعة الثمن فى الصحف الغربية، التى ترفض نشرها مادة إعلامية، ليعرف الرأى العام هناك خلفية الحدث؟
الحقيقة أنه، وبرغم المفاجآت، التى تصل إلى حد الصدمات، فى قسوة بعض الأحكام خاصة التى تقضى بإعدام أعداد كبيرة، ومعروف أنها تستند على قواعد قانونية موروثة فى حاجة إلى إصلاح مما تطالب به الثورة، ولم تكن هنالك أمارة واحدة فى أثناء حكم الإخوان أنهم بصدد إصلاح هذه القوانين التى انقلبت عليهم، فإنه لا يزال أمام القضاء مراحل أخرى تمتد زمناً، يمكن فيه إعادة النظر، بل إن هذا مطلب مطروح وطنياً، من أحزاب وقوى وأفراد، وفيه سجال جاد وصل فيه البعض إلى أن يعلن يقينه باستحالة تنفيذ كل هذه الإعدامات، كما أن الإعدام مشروط بموافقة الرئيس. وكان كل هذا يُرجِّح أن يكون الخطاب الناقد مختلفاً بدلاً من ادعاء المبدئية!
الهدف من الخطة تكبيل مصر ومحاولة إجهاض اختيار شعبها والعمل على إجبارها على الرجوع للحظيرة الغربية، خاصة بعد أن تبددت الفرصة الذهبية لأمريكا وإسرائيل بضياع حكم الإخوان الذين قدّموا الدليل بعد الدليل على قبولهم وعملهم على تدجين مصر ودفعها دفعاً كخروف وديع مطيع فى مسيرة الأهداف الأمريكية الإسرائيلية.
بهذه الوضعية الجديدة، الغريبة المريبة، للإخوان تتحقق لها أكبر مفارقة، لأن الأصل أن تكون الحاضنة لأى جماعة وطنية من أبناء الوطن، بل هو شرط لوطنيتها، وقد تحظى بعد ذلك بقبول خارجى أو لا يتحقق لها ذلك. وأما الإخوان، فقد صاروا منبوذين من عموم الشعب إلى حد خروج المظاهرات تهتف بإعدامهم، إلا أنهم ينعمون بتأييد الخارج الذى تجاوز كرمه الخطاب الدعائى الداعم لهم إلى توفير الملاذ الآمن وإتاحة كل الظروف المواتية لممارستهم لمخططاتهم، ثم غضّ الطرف حتى عن تجاوز ممارسة هذه الأفعال لقوانينهم الداخلية!
الشعب المصرى يواجِه هذه الأيام محنة وجوب دفعه ضريبة اختياره الإطاحة بحكم الإخوان، ومن الواضح أن الثمن يتعاظم يوماً بعد يوم، بما يثبت إلى أى مدى كان استمرار حكم الإخوان مهماً للتحالف الغربى. كما أن صمود الشعب فى هذه التجربة يثبت للعالم كله إلى أى مدى كان الشعب جاداً فى نبذه لحكم هذه الجماعة.
مما تكشف أخيرا، قبل أيام قليلة، على لسان وزير ليبى، أن ثُلث عائدات النفط الذى تسيطر عليه الجماعات الإرهابية فى ليبيا يُوَجَّه لاستهداف مصر، وأن المخطط هو إغراق مصر بالسلاح، وقد تدهورت الأوضاع الأمنية فى ليبيا إلى حد عرض بيع الدبابات فى الشوارع!
كل هذا أدعى إلى الإسراع فى كسر الحصار بترسيخ علاقات دولية تعزز الموقف الوطنى، وقبل ذلك إدراك وجوب لمّ شمل الجماعة الوطنية صاحبة المصلحة فى تحقيق مطالب 30 يونيو، ووقف الاستنزاف فى صفوفها، وتصفية الخلافات، وتسوية النزاعات، والتلاحم لمواجهة الخطر الذى يبدو أن ملامحه لم تتشكل كاملة بعد.