رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

هـل السياسـة الأمريكيـة حمقــــاء..؟

على مائدة فى أحد مقاهى واشنطن، جلست فى مواجهة أحد الباحثين المعروفين متحدثا عن خطايا السياسة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط وتلك الحالة المريبة التى تنشب بمخالبها فى العالم العربى وتدمر دولة تلو الأخرى فكان أن بدأ إجابته عن أسئلتى قائلا: دعنى أقول لك صراحة، نحن نتحدث عن منطقة تبعد عن الأراضى الأمريكية آلاف الأميال.. لا تنتظر رد الفعل الذى يرضيك أو يجيب عن أسئلتك كلها. بعد كارثة سقوط الرمادى فى قبضة تنظيم داعش الأسبوع الماضي، كتب أنتونى كوردسمان المفكر الإستراتيجى البارز فى مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية تحدثت إدارة أوباما عن الشفافية منذ بداية فترة ولايته الأولى، إلا أن الواقع حتى الآن يشهد تراجعا مطردا فى محتوى وموضوعية التقارير الصادرة عنها عندما تسوء الأمور.. ارتباك بين السياسة المعلنة والتطبيق وتشكيل الحقائق على الأرض.. ما يجرى هو لى لعنق الحقائق، بالتقليل من المخاطر والمشكلات إلى حد الكذب عن طريق السهو، بينما تفشل فى توصيف طبيعة وفعالية أعمالها بشكل كامل. الكثير جدا مما قيل فى السنوات الأخيرة جعلت من حماقات فيتنام تبدو وكأنها نماذج للنزاهة والعمق. المسألة إذن ليست فى البعد الجغرافى أو التصورات عن منطقة تقل أهميتها للسياسة الأمريكية لمصلحة توجهات جديدة ولكنها حسب كوردسمان، وهو صاحب خبرة عريضة فى شئون المنطقة، تتعلق بمستوى الانغماس الأمريكى الأعمى فى الصراعات الدائرة اليوم والتى بدأت خطاياها بحرب العراق قبل عقد كامل وأثمرت عملية القضاء على الجيوش النظامية تباعا عن فراغات تتمدد فيها جماعات إرهابية كانت تتحين الفرصة بدعم من قوى إقليمية لا تملك رؤية ولكنها مجرد توابع للسياسة الأمريكية.

رغم رأى كوردسمان، لا يكفى إن تقول الولايات المتحدة إن هدفها هو تقويض تنظيم داعش، فصانع القرار الأمريكى يعلم أن هناك جماعات عقائدية من نوعية جبهة النصرة تنتشر بطول سوريا والعراق وتحارب معارك تراها انتصارا للدين فى مواجهة الآخرين سواء كانوا سنة أو شيعة. قبل قمة كامب ديفيد التى جمعت قادة دول الخليج أخيرا، كانت التسريبات تتحدث عن دعم الولايات المتحدة ودول خليجية لما سمى جيش الفتح لهزيمة نظام الأسد وإنهاء الجيش النظامى تماما وهى واحدة من الحماقات الجديدة التى فتحت الطريق أمام جبهة النصرة وداعش لكسب أرض فى سوريا والعراق وهى العقيدة الأمريكية البلهاء التى مازالت تدعم التنظيمات المسلحة والخليط من المتطرفين لتحقيق أهداف مرحلية. وقد أخبرنى مصدر دبلوماسى فى واشنطن أن إدارة باراك أوباما حاولت الشئ نفسه فى ليبيا من خلال الترويج لفكرة تدخل ميليشيات مصراتة، التى ظهرت بعد هزيمة إخوان ليبيا للإنتخابات التشريعية وتملك عتادا ثقيلا، للقيام بعمليات واسعة للسيطرة على الوضع بدعوى قدرتها على هزيمة داعش وهو ما قوبل بالرفض من الحكومة الشرعية فى شرق البلاد. مغزى تلك الواقعة أن السياسة الأمريكية مازالت تراهن على من تسميهم المعتدلين فى الحركات الإسلامية المسلحة فى ليبيا وسوريا والعراق لإنجاز أهدافها الخاصة دون أدنى اهتمام بالثمن الذى تدفعه المجتمعات العربية وتكتفى بتصدير مسكنات للإعلام الأمريكى والدولي.

بعد سقوط الرمادى وتدمر السورية، تحدث مسئول فى وزارة الخارجية الأمريكية للصحفيين عن الخيبة فى الرمادى وحاول أن يبدو متماسكا بالترويج لنجاحات التحالف الدولى منذ الصيف الماضى فقال جملة أثارت استغراب وسخرية الحضور على الأقل، بغداد ليست تحت التهديد! المنطق الأمريكي، إذن، أن الدفاع عن بقاء بغداد فى قبضة الحكومة الحالية هو قمة النجاح للعمليات الدائرة ضد الميليشيات المسلحة وأن الأمر برمته متروك للعراقيين أنفسهم لحسمه فيما بينهم بينما تتدفق الأسلحة على الجماعات الإرهابية بلا هوادة من قوى دولية وإقليمية تتظاهر بمساندة الشعبين السورى والعراقى وهو ما يعنى حروب تصفية حتى الجندى ألأخير فى البلدين. لا أميل إلى تصديق أن الإدارة الأمريكية فى ورطة وأنها لا تملك أوراق اللعبة كاملة فى أياديها ولكن أعتقد فى وجود أهداف مرحلية غير ظاهرة تخلط كل الأوراق ببعضها البعض ثم يأتى الحصاد متناغما مع تلك الأهداف وهو ما يجرى اليوم على الأرض وليس سقوط مدن كبرى سوى محصلة لعقيدة سياسية حمقاء تتلاعب بمقدرات دول وصلت إلى نقطة الكارثة وهناك، فى المقابل، حكومات لا تدرى كيف تخرج من اللعبة بعد أن أسهمت فى اشعال الحروب الداخلية فى بلاد الشام وتمتد النيران لتمسك بها حسب الخطة المرسومة!


لمزيد من مقالات عزت ابراهيم

رابط دائم: