رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

القوة العربية وسيناريوهات واشنطن وطهران

«ما أخطر أن يركض الميت» جملة بليغة أنهى بها الصديق مشارى الزايدى زاويته فى الشرق الأوسط والتى تناول فيها موت جماعة الإخوان وهو بالطبع يرى ان جماعة الإخوان قد ماتت وأننا لا نرى سوى «موتى يركضون»؟! ولا أعتقد أن الكثيرين سوف يجادلون بشأن «موت جاذبية الجماعة وأفكارها» فى عيون الغالبية من المواطنين العرب، إلا أننى أرى أن «الموت والموتي» يركضون فى الشوارع العربية وآخرها التفجير فى أحد مساجد الشيعة السعودية،، كما أن الإرهاب يضرب ـ ولا يزال بقوة ـ فى ليبيا وسوريا والعراق واليمن ومصر وأماكن أخري.

والسؤال الذى مازال محل جدل «من وراء ظاهرة ركض الميت»، وهنا فإن خبراء الغرب يتحدثون الآن عن «الجيل الخامس من الحروب»، وهى نماذج متطورة لحروب الجيل الرابع، والتى يمكن باختصار تلخيصها فى جملة واحدة «انهيار المجتمعات من الداخل»، وإذا ما أضفنا إلى ذلك المزيج غرس شجرة الإرهاب الملعونة فإن المحصلة هى ما نراه الآن فى عالمنا العربى وأحسب أن العقول الباردة عليها ان تتوقف لترصد المشهد: الدول الكبرى وعلى رأسها واشنطن أو بالأحرى دول 5+1 (الدول الخمسة دائمة العضوية + ألمانيا) بعيدة وتنأى عن الانخراط بقوة لوقف الإرهاب وتمويله والأخطر المنظمات المحرضة عليه، بل والأنكى المطالبة بإفلات الإرهابيين ـ وخاصة الرءوس الكبيرة ـ من العقاب بإدماج الجميع فى عملية سياسية حتى لو ثبت بالدليل أن هؤلاء لا يؤمنون بالديمقراطية ولا بالانتقال السلمى للسلطة. وبعيدا عن الروابط المعروفة مع القاعدة والتفاوض مع طالبان ومن قبل إيصال طالبان لحكم افغانستان، والآن هذه العلاقات المريبة» مع داعش ومنظمات إرهابية أخرى يبدأ الطرف الأول فى الغرب وينتهى الطرف الآخر «بالموتى يركضون فى الشوارع العربية» والمثير للدهشة ان تركيا وإيران رغم القرب الجغرافى فإنهما أيضا محصنان، كما ان إسرائيل بفضل التفاهمات مع حماس باتت هى الأخرى هادئة، وهنا فإنه بعيدا عن الأشباح والأصابع التى باتت معلومة فإن العالم العربى بات مطالبا بالإجابة عن السؤال: هل يمكن الاعتماد على الغرب، خاصة الولايات المتحدة فى حفظ الأمن والتوازن الأمنى فى مواجهة إيران وبقية اللاعبين؟! وأحسب أن الخليج وعلى رأسه السعودية يحاول على طريقة «شعرة معاوية» ألا يقطع الأمل فى القوة العظمى الوحيدة ـ الولايات المتحدة ـ وإن كان يشترى «بوالص تأمين أخري» سواء بعلاقات خاصة مع فرنسا، أو محاولة استمالة روسيا وتركيا والصين، إلا أن مزيدا من الدول العربية تغرق فى الفوضى وتتهددها شجرة الإرهاب وتهددها أصابع إيران، وهنا فإن قمة كامب ديفيد الأخيرة بين الرئيس الأمريكى باراك أوباما وقادة دول الخليج لاتزال تلقى بظلالها على أحداث المنطقة، وقد نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة ملخصا لدراسة مهمة بعنوان «ما بعد كامب ديفيد.. إستراتيجية تدريجية لتعميق الدراسة الأمنية بين الولايات المتحدة ودول الخليج»، وأن هذه الدراسة كلها من بلال صعب وهو الزميل الأول لأمن الشرق الأوسط بمركز «برنت سكوكرفت» للأمن الدولى التابع للمجلس الأطلسي، وبارى فيل وهو نائب رئيس المجلس الأطلسى ومدير مركز «برنت سكوكرفت» للأمن الدولي، وما يهمنا هنا ان نعرض المخاطر ـ من وجهة نظر الباحثين ـ بشأن عقد معاهدة دفاعية بين واشنطن ودول الخليج على غرار ما هو قائم مع كوريا الجنوبية واستراليا وغيرهما، والتى كانت كالتالى إجمالا: أن واشنطن ستكون ملزمة قانونا بالتدخل عسكريا ضد أى تدخل إيرانى عسكرى فى دول الخليج، وهو ما يمكن أن تستغله طهران فى التأثير على مصلحة الولايات المتحدة بشكل غير مباشر عن طريق الوكلاء والتكتيكات الإرهابية الخاصة بها فى المنطقة.

ثانيا: سوف تصبح الولايات المتحدة متورطة بشكل أساسى فى الحروب الطائفية القائمة بالشرق الأوسط، وهو ما يؤثر سلبا على الأمن القومى الأمريكي.

ثالثا: لن تقبل بعض الشعوب العربية بمعاهدة دفاعية مع الولايات المتحدة، وهو ما يمكن أن يزيد من وتيرة العنف السياسي، ويشعل من تطرف الإسلاميين بالمنطقة.

رابعا: سوف تزيد المعاهدة الدفاعية من اعتماد دول الخليج على الولايات المتحدة، وهو ما سوف يعرقل الإصلاحات الأمنية والدفاعية اللازمة من جانب دول الخليج، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى بناء القدرات العسكرية لحلفائها بالمنطقة من أجل حماية أنفسهم، وتقاسم عبء الأمن الإقليمى فيما بينهم.

خامسا: هناك خلافات بين بعض دول مجلس التعاون الخليجى فى كثير من القضايا المشتركة، إذ يعتقد الكاتبان أن سلطنة عُمان فى حال تم توقيع معاهدة دفاع مع الولايات المتحدة، فإنها سوف تذهب لتوطيد علاقاتها مع إيران.

سادسا: إذا تم توقيع معاهدة دفاعية، فإن واشنطن سوف يكون لزاما عليها تقديم إجابات لحلفائها التقليديين بالمنطقة مثل مصر والأردن عن استبعادهم من مثل هذه المعاهدة الدفاعية.

ويبقى أن هذه الأسباب الستة تقول فى مجملها أن واشنطن تريد أن تبقى «أوراقها مفتوحة»، ولا تلزم نفسها بأى «قيود موثقة»، وأن التزامها الوحيد هو «أمن إسرائيل»، وأن رهانها الآن يذهب إلى إيران، وفى المقابل فإن تركيا بعضويتها لحلف شمال الاطلنطى تعرف مكانها وحدود الدور المرسوم لها حتى تقوم به. أما دول الخليج فهى مصدر للنفط والطاقة، ولديها فوائض مالية هائلة تمكنها من شراء الأسلحة، ولكنها لم تستطع بعد أن تحول «الاتفاق الجنتلمان» مع واشنطن إلى »اتفاقية دفاع رسمية«.

وللأسف هذه هى «الحقيقة العارية»، ولربما يلطف الأمر ما يقوله الباحثان بلال صعب وبارى فيل: انه لا يمكن انكار أن الولايات المتحدة تتبع استراتيجية تدريجية فيما يخص رفع علاقاتها الأمنية مع شركائها فى منطقة الخليج، وهو ما قد يصل إلى تحقيق إلزام سياسى على الاطراف المختلفة بتقديم الدعم الدفاعى فى حال التعرض لهجوم، وبالتالى هو التزام أمنى متعدد الإطراف، يمهد فيما بعد لتوقيع معاهدة دفاع جماعى بشكل رسمى وقانوني، وهنا لابد من الاشارة إلى جملة »وهو ما قد يصل«، وبالتالى ربما لا يصل!. كما أن الاشارة إلى أن البيان الختامى للقمة الذى ذهب إلى تأكيد واشنطن استعدادها للعمل سويا مع دول مجلس التعاون الخليجى لردع والتصدى لأى تهديد خارجى يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة لسلامة أى من دول مجلس التعاون، وفى حال وقوع مثل هذا العدوان أو التهديد به، فإن الولايات المتحدة على استعداد للعمل على وجه السرعة مع شركائها فى مجلس التعاون لتحديد الاجراء المناسب الواجب اتخاذه باستخدام كل السبل المتاحة، بما فى ذلك امكانية استخدام القوة العسكرية للدفاع عن شركائها فى مجلس التعاون.

وأعتقد أن اجابة الرئيس عبد الفتاح السيسى بانشاء قوة عسكرية عربية مشتركة هى »الإجابة« الأكثر مدعاة للثقة، والطريق الوحيد لدول الخليج والدول العربية لوضع نهاية »للموتى الذين يركضون«. ولظاهرة الإرهاب، والاستغناء عن الحيرة المنبثقة عن السؤال: هل تتدخل واشنطن لحماية دول الخليج؟ أم أنها تغض الطرف عن توسع إيران. وأحسب أن مصر والسعودية عليهما أن يقودا بقوة حماية نظام الأمن العربي، ومنعه من الانهيار.


لمزيد من مقالات محمد صابرين

رابط دائم: