رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

مشهدان من سيناء

تساءل أحدهم عن المرأة بداخل الصندوق، فهل كانت مجندة بالجيش أو احدى ضابطاته ليستهدفها الارهابيون بالقتل ؟ وتساءلت أنا لماذا لم يقرع اسم مها أبو قريع الآذان من خلال الاعلام ولم تنل شهرة أقل الناشطات نجومية وشهرة؟

يجيب الرجل وقد أرفق بالاجابة صورة الصندوق الذى اعتدنا على رؤيته ملفوفا بالعلم المصرى فى رحلة النهاية لأحد المناضلين والمجاهدين من ميدان المعركة الى مثواه الأخير، ويعرفنا بتلك الشخصية المجهولة، فالراحلة قدمت خدمات عظيمة للجيش والشرطة فى كشف الارهابيين، وساعدت الجيش فى القبض على عدد من ارهابيى داعش وأنصار بيت المقدس، وقبل يومين اقتحموا منزلها برفح واختطفوها من وسط أبنائها وبعد تقييد زوجها بالحبال، قبل العثور على جثتها أمام منزلها مقتولة بعدة طلقات نارية بالرأس والساق اليسرى وعلى وجهها آثار تعذيب، وكان الارهابيون قد خطفوا ابنها وألقوه حياً بمقابر رفح وهددوه بقتل أمه.

اسمها من جديد مها أبو قريع، العمر 32 عاما، مناضلة من رفح ، سيعتبرها الارهابيون خائنة جاسوسة تستحق القتل ، وسيفرح الاخوان ومن معهم بما حدث لها ، فهذا جزاء من تعاون مع «العسكر» و«عصابة الانقلابيين» ورضى بأن يعيش «عبدا للبيادة» ولم ينضم لقافلة «الأحرار المناضلين الشرفاء»!

المشهد الثانى اعلان قبيلة الترابين موقفها من الأحداث فى سيناء وجاهزيتها لمواجهة الارهابيين بعد أن عاثوا فسادا وقتلا وانتهاكا للحرمات.

ومن خلال رؤية متعمقة لهذين المشهدين ندرك أن المعركة هناك ليست فقط معركة دولة أو نظام فى مواجهة الارهاب أو كما يروج البعض بأن النظام الحالى يفتعل الظاهرة ويضخمها وربما يدبر هو التفجيرات وقتل الجنود ليكتسب شرعية من وراء محاربة الارهاب!، انما معركة شعب يلفظ هذا الاخطبوط اللعين ويقاومه ويرفض الاستسلام له ، ولم تنتصر دولة فى معركة بجيشها وأمنها فقط، انما كان الشعب دائماً هو عامل الحسم الحقيقى.

المتغير الأهم فى سيناء الذى يدفع الشعب بقوة لخوض النضال والقيام بمهامه فى مكافحة ومقاومة الارهاب الأسود، ليس فقط لفداحة وبشاعة ما يرتكبه الارهابيون فى حق الوطن، فالارهاب فى البشاعة سواء حتى فى أفكاره وتصوراته التى لما تتحول الى ممارسات وتفجيرات وقتل، انما فى استشعار أبناء سيناء الخطر الحقيقى بتحول الأمر الى ما يشبه محاولة الاحتلال والغزو الخارجى لأرضهم وجزء من وطنهم، فهى ليست مجرد مجموعات محلية مكونة من شباب مصرى يعتنق رواية سياسية معينة أو فكرا دينيا ضالا، انما مجموعات وخلايا من جنسيات مختلفة أتوا من مختلف بلاد العالم لاحتلال سيناء من جديد بزعم اقامة دولة «الخلافة»، ويخفى هذا العنوان ما يخفيه من كوارث العبث بأمن مصر القومى من خلال مجموعات مخترقة مخابراتيا، لتتحول سيناء الى مسرح تعبث فيها القوى الاقليمية والدولية.

يدرك أهل سيناء أبعاد القضية جيدا، لذلك تستهدفهم آلة الارهابيين بالترغيب والترهيب لتتداخل تداعيات الظاهرة الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأغلب نشاطات الارهابيين تتركز فى البعدين الاقتصادى والاجتماعى بمحاولات اجتذاب ولاء وتعاطف السكان بمشاريع وهبات ووعود، ثم بممارسات عنف واحتجاز رهائن واعدام لارهاب المتمردين على سلطتهم واجبارهم على التعاون معهم أو السكوت والاستسلام للأمر الواقع، أما البعد العسكرى المتمثل فى العمليات التى تستهدف مؤسسات الجيش والشرطة فيأتى فى سياق الردود الثأرية، وكثيرا ما تمنت التنظيمات الارهابية تأجيل خوض المعركة مع الجيش بهذه القوة وهذا التوسع لحين كسب معركتها مع السكان المحليين وتعزيز نفوذها الاجتماعى والاقتصادى بديلا عن الدولة.

ومن هنا تكمن أهمية التعامل مع الارهاب بشمولية ومن خلال ملفاته الكبرى الأخرى بجانب التعامل الأمنى والعسكرى مع المليشيات المسلحة ، فالانجازات الاقتصادية والاجتماعية للدولة فى قلب سيناء ومحيطها تحرم الارهاب من أهم أوراقه وعوامل حضوره وصموده، ولابد من القيام بكل ما من شأنه ابقاء الوعى الوطنى حاضرا ومتيقظا بما يؤكد أهمية دور الاعلام لتتضاعف الحاجة الى فضائية مختصة بالشأن السيناوى ليس فقط لمتابعة الأحداث والفعاليات انما لرصد تفاصيل قضايا أهل سيناء الثقافية والاجتماعية والحياتية اليومية، وليبقى هذا الرابط الشعورى بين سيناء والوطن الأم عصيا على الاختراق أو التفكيك، ولنقل تفاصيل ودقائق المعركة الكبرى التى يخوضها هذا الشعب العريق خلف جيشه فى مواجهة الاحتلال الارهابى الجديد، وليعلموا أن مصر كلها معهم تتفاعل مع تضحياتهم وتدعم صمودهم .

أى تراجع لدور الدولة اجتماعيا أو اقتصاديا أو ثقافيا أو اعلاميا أو أمنيا فى سيناء يمثل دعما لداعش ومن معها من الارهابيين على جميع تلك المحاور، حيث تسعى تلك التنظيمات لتقليص دور الدولة شيئا فشيئا وصولا لازاحتها من المشهد لتحل هى محل الدولة بعد أن تصبح خالصة لنفوذها، والدولة ليست وحدها فى معركة تحرير سيناء من الارهاب ولن تكون وحدها.


لمزيد من مقالات هشام النجار

رابط دائم: