ويَوَدّون فى أزمنة التقارب السياسى أو الرضا السلطوى والفرح الشعبى العفوى أن يكون أجمل ما فى تاريخهم المشترك حاضرا بينهم، غير أنهم يولًّون الأدبار عند أول اختلاف بينهم،بدءا من لعب الكرة وليس انتهاء بتحالف هذه الدولة أوتلك مع قوى خارجية ترى فيها مصالح خاصة لها، حتى لو كانت آنية أو متناقضة من المصالح العامة للأمة، لذلك علينا أن نبحث فى العلاقات البعيدة بين العرب، أو قبل أن يكونوا عربا، وإن كانت هذه أيضا محفوفة بجملة من المخاطر لعلّ أهمها: تعدد الروايات التاريخية ووصولها إلى درجة التناقض أحيانا.
ما يدفعنى لكل هذا، وأعتقد أنه سيدفع إعلاميين ومثقفين غيري، هو مستوى اليأس الذى وصلنا إليه اليوم، حتى صرنا نموذجا حيا لحروب دينية وطائفية قاربت ما حدث بين الأوروبيين فى العصور الوسطى، بل إننا نعود فيه إلى مرحلة ما قبل الإسلام حين كان البأس بيننا شديدا، ومعظم حياة أجدادنا مختصرة فى غارة وسطو قبيلة على أخرى.. أليست الدول العربية اليوم هى عبارة عن قبائل تغزو أخرى والفرق هو الأسلوب الذى فرضته طبيعة العصر؟.
وبناء على ما سبق ذكره أتساءل فى هذا المقال: هل من تاريخ قديم مشترك بين الجزائريين والمصريين؟.. أجل هناك تاريخ مشترك اختلطت فيه الدماء عن طريق المصاهرة، لكن اختلفت فيه الأهداف، ولا تزال آثار ذلك التاريخ قائمة إلى الآن، شاهدة عن المشترك تاريخيا ببن الشعبين، وهو ما يبدو جليّا معمارا ـ لم ينل منه الزمن ـ فى غرب الجزائر العاصمة، على شكله رمم بنى من الحجارة ومزى عند الجوانب بأعمدة ذات تيجان على الطريقة الإغريقية علوه حاليا32مترا،وهو عبارة عن ضريح ملكى يعود تاريخه للقرن الأول للميلاد، حيث دفنت به«كليوباتراسيليني»ـ أو سيلينا فى بعض الكتابات التاريخية ـ ابنةالملكة الفرعونيةالشهيرة كليوباترا، وزوجةالملك الأمازيغى يوبا الثاني، وقد دفن فيه هو بعدها.
وبالعودة إلى العلاقة التى جمعت كليوباترا سيلينى ويوبا الثاني، نجد ـ حسب ما جاء فى كتب التاريخ، أن الهدف المشترك بينهما هو الانتقام، فقد تربت كليوباترا سلينى ذليلة فيقصرالإمبراطور أو كتافيوس بعد هزيمةأمها وانتحارها،لذلك كان حلمها الأكبر هو الانتقام من الرومان والعودة إلى عرش أمها، وفى ذلك الوقت كان يعيش فى روما«يوبا الثاني«، الذى حمل هو الآخر مشعل الانتقام لأبيه«يوبا الأول« الذى لقينه اية أليمة نتيجة ثورته على روما.
وتذهب المصادر التاريخية إلى أن الهدف من زواجهما من طرف الامبراطور أكتافيوس كان فعلا سياسيا، ذلك أن تنصيب يوبا الأول على عرش«نوميديا« ـالاسم القديم للجزائرــ يكفيه شر محاربةأهل البلاد،ويتخلص فى نفس الوقت من ابنةعدوته القديمة، وأقام يوبا الثانى بالفعل مملكةكبيرة تمتد حدودهاحتى أطرا فموريتانيا، ولكنهاكانت تدين بالولاء للرومان، ولم يستطع أن يحقق حلم زوجته وينفصل عن الرومان، فقدكان كما وصفها لمؤرخ الجزائرى مبارك الميلي: «مُتشيّع، وللإغريق فى العلوم والحضارة، وللرومان فى الحكم والسياسة..عديم الغيرة الوطنية، والإحساس القومي».، هذا على عكس والده يوبا الأول، الذى قتل فى مبارزة اختارها نهاية له،بعدما أنهزم جيشه).
وفى كتاب للمؤلفة «جيندرايكوت» بعنوان «ابنةكليوباترا» وقامت بترجمة جزءمن هزينب عاطف، (أنظر موقع هنداوى 10 أكتوبر 2013)، نجد المعلومات المتعلقة بتفاصيل زواج كليوباترا سيلينيمنجوبا ــ يوبا الثانى فيعام 25 قبلالميلاد، وهى تبيّن الهدف السياسى من هذا الزواج، حيث تذكر أن هذاالحدث خلّده شاعرمدينة ميتيليني، كريناجوراس، فى قصيدةقصيرة، وصلتنا كاملةً، يقول فيها:
«من أجل مناطق عظمى متجاورة فى لعالمى قطعها نهر النيل الذى ينبع من إثيوبيا السمراء، صنعتِ ملوكًا يشتركون فى حكمها برباط الزواج، فجعلتِ العرقَين المصرى والليبيى يختلطان فى عرق واحد، فلتدعى ذرية الملوك تتولى زمام الأمور التى ورثتهامن أبويها،بقوة،لحكمه اتينا لرقعتين».
عاشيوبا الثانى بعدوفاة زوجته كليوباترا سيلينى وكذلك ابنهما بطليموس الذى حكم مع والده لبضع سنوات قبل أن يصبح حاكمًا منفردًا عقب وفاة والده عام 23 ميلادية،واستمر بطليموس فى الحكم حتى عام 40 ميلاديًّة،عندما أُعدم بأوامر من الإمبراطور كاليجولا، ولم ينجب أطفالًا، الأمر الذى ينتهى بنا إلى القول: أَنْ لا وجود اليوم لأحفاد لكليوباترا سلينى ولا حتى لزوجها يوبا الثاني، فى الجزائر ولا خارجها.
وهذا يفنّد ما ذهب إليه الكونت الإيطالى «فيديريكودى لافاردال» من أنه الحفيدالبيولوجى للملك الأمازيغى يوبا الثانى ملك مورمويتانيا ، وزوجته الملكة كليوباترا سيلينا، ابنة الملكةالمصرية كليوباترا السابعة والقائدالرومانى مارك أنطونيو،لأنه غير مؤسس تاريخيا، رغم توفر مخطوط أثرى قد يم ورثه عن عائلته وقام بإهدائه فيما بعدالى مكتبةالاسكندريةمع عدد من المخطوطات الأثريةالآخرى، وأيضا رغم قوله:« حين أكتشفت أصلى البيولوجى شعرت بالفخر، فأنا مزيج من أعرق الحضارات فى التاريخ الرومانية والمصرية والأمازيغية.. والحقيقةأننى قبل أن أعرف أصلى البيولوجى كنت دائما أشعر بأن روحى متوسطية..».
كاتب وصحفى جزائرى