بمعنى أن الصحف الورقية الكبرى سوف تبيع الأخبار والتقارير والمقالات بشكل حصرى للموقع قبل قيامها بوضعه على صفحاتها الورقية أو على مواقعها الإلكترونية من خلال خاصية Instant Articles وهو تطور مهم ربما يقلب موازين مهنة الصحافة رأسا على عقب ويدفع إلى تطور المهنة فى اتجاه ثنائية جديدة هى الصحف الورقية «القائدة» ومواقع التواصل الإجتماعي.
لو حدث التطور الجديد فى الفترة القليلة المقبلة سيعنى بالقطع فرصة كبيرة للصحف المعروفة لجنى الأرباح من عوائد صفقات البيع الحصري. هناك صفقة تتبلور بين «نيويورك تايمز» الصحيفة الأولى فى العالم و«فيسبوك» من أجل استضافة المحتوى الحصرى على الموقع الأشهر فى العالم (41 مليار مشترك) من أجل مزيد من الانتشار للصحيفة التى لا تنبيء الأرقام الخاصة بالاشتراكات على موقعها الإلكترونى أنها ستحقق عوائد ضخمة مثلما توقعت فى السابق. كما أن «فيسبوك» يتفاوض مع أكثر من ست من كبريات الصحف العالمية فى صفقات مماثلة ولو حدث سيكون التطور الأبرز فى سباق محموم على القارىء. يصمد فى سوق الصحافة الدولية الكيانات «المؤسسية» العملاقة وليس الكيانات الهشة التى تقف على أرضية أن النشر الإلكترونى مسألة سهلة وتصل إلى الناس بسهولة دون عناء ولم يلتفت صناع تلك المواقع إلى أن هناك «أعمدة رئيسية» لصناعة الصحافة وللمهنية الرفيعة مازالت قائمة وستظل موجودة لأن تغير طريقة التواصل مع القارىء لا يعنى التضحية بجودة المحتوى ولا تتوافر الجودة بسهولة إلا فى المؤسسات الصحفية الراسخة حول العالم. فى أخر احصائيات مركز «بيو» الأمريكي، تقف الصحافة الورقية، رغم التراجع فى الإعلانات والتوزيع إلى حد ما، على قمة الوسائل الإعلامية المفضلة لدى المعلنين حيث وصلت عوائدها إلى أكثر من 16 مليار دولار العام الماضى (517 مليارا فى عام 2013) بينما توقفت عوائد صحافة الديجيتال عند 53 مليار دولار دون تغيير فعلى عن العام السابق. كما أكدت الإحصائيات أن المواقع الأكثر نجاحا هى تلك المملوكة أو التى تنشر محتوى الصحف الكبرى بما يعنى أن الرصانة والمصداقية من العوامل الرئيسية التى مازالت تحكم اتجاهات القارىء فى الولايات المتحدة وفى دول غربية أخري.
----
فى الحالة المصرية، ارتباك المشهد فى الميديا الجديدة وفى صناعة الفضائيات فى الشهور الأخيرة يقول إن التركيز على إيجاد واقع جديد من خلال الاعتماد على قدرة الصحف الإلكترونية على التحرر من قيود الصحافة التقليدية لا يصب دائما فى مصلحة الوسيلة الإعلامية الجديدة، حيث لا تعنى العناوين البراقة والإثارة المفرطة قدرة أكبر على جذب الإعلانات التى هى عصب الحياة فى الصناعة ومع الازدحام الشديد فى الفضاء الألكترونى يفضل المعلن المواقع الأكثر رسوخا والتى تقدم مواد صحفية أكثر تميزا من غيرها وليس بمنطق نسخ ما ينشره الآخرون وهو ما لا يستوعبه الكثيرون من القائمين على الصحافة الإلكترونية فى العالم العربي. ومع التطور الجديد، تكون المؤسسات الصحفية الراسخة مطالبة بأن تتحول إلى كيانات قادرة على انتاج محتوى أكثر احترافا ومصداقية حتى يمكنها اللحاق بالصفقات الكبرى مع «فيسبوك» وغيره. وفى تلك الحالة يتعين أن تتحول المؤسسات الصحفية الأكثر قدرة على انتاج صحافة محترفة ولديها علامات تجارية معروفة إلى التركيز على تقديم صحافة تليق بالمنافسة الحصرية مع أخرين على مواقع التواصل والمهمة الأولى هو إعادة هيكلة طريقة جمع ومعالجة الأخبار والتقارير بحيث تلائم الإتجاه الجديد للنشر الحصرى قبل وضع المواد الصحفية على موقع الصحيفة الإلكتروني. والعملية السابقة تحتاج إلى انفتاح أكبر على التغيير ووضع معايير وضوابط للعمل المهنى المحترف لا يتوافر كثيرا اليوم فى ظل فوضى الصناعة ولكنها الضوابط التى عاجلا أم آجلاً سوف يفرضها التطور فى سوق نشر المحتوى والتوءمة بين الصحافة التقليدية المحترمة ومواقع التواصل الاجتماعى التى تملك اليوم من العوائد المالية ما يكفى لإنقاذ الصحافة الورقية من أزماتها الكثيرة بسبب تراجع عوائدها الإعلانية وإرتفاع تكلفة خامات الإنتاج. التطور القادم ربما سنراه فى نهاية مايو الحالى على موقع التواصل الشهير وعلينا أن نفكر فى تداعياته من اليوم حتى لا تفوت فرصة ثمينة لا يدركها سوى من يمكلون الحرفية ويتمسكون بتقاليد الصحافة الرصينة!