رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

أين إقرارُ الذمّةِ الماليّةِ للرئيس ؟

أشكرُ جريدة الأهرام العريقة إذا سَمَحَت بنشر هذا المقال الذى امتنع الأصدقاءُ فى بعض الصُحُف الخاصة عن نشره ظَنّاً منهم أن فى نشرِه إحراجاً للسيد رئيس الجمهورية، فأساءوا إليه وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعا.

فى دستور جمهورية مصر العربية الذى تم إقراره بأغلبيةٍ كاسحةٍ، مادةٌ بالغة الروعة تُشرّف اللجنةَ التى صاغَتْها والشعبَ الذى وافق عليها، هى المادة 145، وأدعو الجميع لإعادة قراءتها كاملةً .. لكن ما يُهمنا هنا هو ما جاء فى سطرها الثامن نصّاً (يتعيّن على رئيس الجمهورية تقديم إقرار ذمةٍ ماليةٍ عند توّلِيه المنصب، وعند تَرْكِه، وفى نهاية كل عام، ويُنشر الإقرار فى الجريدة الرسمية) والحقيقة أن كل الرؤساء السابقين كانوا (يُقدّمون) إقراراتهم للموظف المختص فى الرئاسة دون أن ندرى ما بالإقرار ودون أن يخضع للمُحاسبة، إذ لم يحدث أبداً أن اشتملت عيّنة الفحص العشوائية لإقرارات موظفى الدولة على إقرار ذمّة الرئيس(!) .. الجديدُ الذى لم يحدث فى كل الدساتير السابقة هو مسألة نشر إقرار الرئيس بالذات (دوناً عن موظفى الدولة) فى الجريدة الرسمية عند توّلِيه المنصب، وعند تَرْكِه، وفى نهاية كل عام .. وهى مادةٌ واضحةٌ وغير قابلةٍ للتأويل ولا تنتظر قانوناً لتنظيمها، وقد أوشك العام الأول فى فترة الرئيس على الاكتمال دون أن يتم نشر إقرار بداية الفترة الرئاسية (وهو نفسه إقرار بداية العام الأول) .. وهى مخالفةٌ دستوريةٌ لا يُوجَد مُبرّرٌ مُقنع لحدوثها.

إذ لا نعتقدُ أن الرئيس هو الذى امتنع عن نشر إقرار ذمته المالية، فليس بها ما يُشينه .. فمعلومٌ للكافة أن الرجل مٍن أسرةٍ ثريّةٍ مِن قبل توليّه المنصب الرئاسى .. وسُمعته طوال خدمته العسكرية ليس بها شائبة فساد .. حتى خصومه لم يتهموه فى ذمّته .. كما أن الرجلَ قد أقدم على خطواتٍ طيبةٍ فى هذا الاتجاه أَلزَمَ بها نفسَه دون أن يُلزِمَه أحد .. خطواتٍ تتجاوز فى معناها ومبناها موضوع نشر الإقرار بمراحل .. فقد أعلن فى شهره الأول عن تبرعه لصندوق (تحيا مصر) بنصف راتبه الشهرى، ثم أعلن عن تبرعه بنصف ثروته بما فيها إرثُه عن والده لنفس الصندوق، مُبادراً بذلك أيضاً دون أن يُلزمه أحد .. إذن ما الذى حدث؟.

الأرجح أنها الدِبَبَة .. فمعلومٌ أن أى مسئولٍ فى الدولة (فضلاً عن رئيسها) مسئولٌ فقط عن عدم مجافاة الحقيقة فى إقراره، أما تذكيرُه فى خِضّم مشاغلِه بموعد تقديم الإقرار ثم استلامه منه وإرساله للجهة المختصة فمسئولية شخصٍ ما أو جهةٍ ما (فى المؤسسات التى ترّأستُها كان مدير شئون العاملين) .. الأرجحُ أن هذا الشخص أو الجهة الرقابية امتنع عن تنفيذ الالتزام الدستورى إهمالاً أو خوفاً أو نفاقاً، ويجب أن يخضع للمساءلة .. وقد سَمِعتُ مِن بعض الدِبَبَة عَجَباً فى تبرير الوقوع فى هذه المُخالفة .. فمِن قائلٍ إن الرئيس قد تَبَرّع بنصف ثروته لكنه لم يُفصح عن قيمة هذه الثروة التى تبرّع بنصفها، لأنه يريد أن يكون تبرُّعُه خالصاً لوجه الله لا رياء فيه .. حسناً أيتها الدِبَبَة، هذا فيما يخُصُ الصدقةَ الشخصية التى يُفضَّلُ ألا تعرف شِمالُ المرء ما أنفقت يمينُه، أما إقرار الذمة المالية للرئيس فهو إلزامٌ دستورىٌ يجب أن تعرفه أَيْمُن (جمع يمين) وأَشْمُل (جمع شِمال) التسعين مليون مصرى.

ومِن قائلٍ إن نشر الذمة المالية للرئيس سيستغله الخصوم للتشهير بمفرداتها، والحقيقةُ أن العكس هو الصحيح، أى أن عدم النشر هو الذى سيُتخذ مادةً للتشهير .. ثم إن مَنْ يُرد التشهيرَ سيُشهّر فى كل حال .. ومِن صارخٍ فى وجوهنا إن مصر فى حربٍ ضد الإرهاب، وأن هذا ليس وقت إثارة مثل هذه الموضوعات بينما جنودنا يُستشهدون كل يوم .. الحقيقةُ أن هذا هو وقتُه بالضبط ، فمصر لن تنتصر فى أى حربٍ على أى جبهةٍ إلا بمزيدٍ من الانضباط الديمقراطى والالتزام والمراقبة والمحاسبة .. كما أن الدماءَ الزكيّةَ التى تُراقُ لا تُبذَلُ إلا مِن أجل الحِفاظ على دولةٍ تُعلى مِن شأن هذه القِيَم .. ثم إننى أعود وأُكرر أن الأمرَ واجبٌ دستورىٌ لا اختيار فيه ولا يجوز المجادلة والتبرير بشأنه .. وإلا عُدنا إلى أيامٍ كان الدستور فيها مُجرّد وُريقاتٍ لا قيمة لها، والحاكم لا يُسألُ عما يفعل .. أيامٍ بيعت فيها شركاتُ القطاع العام مثلاً فى وجود مادةٍ فى الدستور تمنع ذلك بتاتاً! (لا أعادها الله من أيام).


لمزيد من مقالات م يحيى حسين عبد الهادى

رابط دائم: