الأول هو د. جابر عصفور الذى أسس المشروع القومى للترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة، ثم صار مديرا للمركز القومى للترجمة
والثانى هو د. ريشار جاكمون أستاذ الأدب العربى بجامعة اكس أنبروفانس الفرنسية، وكان مسئولا عن قطاع الترجمة بالمركز الثقافى الفرنسى بالقاهرة ، وترجم العديد من الأعمال العربية الى الفرنسية.. فإلى حوارنا ..
هل الترجمة قضية فكرية ؟
- الترجمة قضية تقدم،وكل الأمم المتخلفة تبدأ من الترجمة، وعادة ما تبدأ النهضات فيها بالترجمة، وتاريخيا فى مصر كان أول أعمال محمد عبده ورجاله الأول إنشاء مدرسة الألسن لترجمة المعارف الخاصة بالدول المتقدمة وكانت هذه هى الدرجة الأولى التى صعدت عليها مصر فى طريق التقدم ،الان أصبحت الترجمة محل منافسة بين الدول الكبري، إسبانيا أوالولايات المتحدة أو اليابان أوالصين فى سرعة الترجمة. الكتاب يطبع بأكثر من لغة فى وقت واحد. وإسبانيا وحدها مثلا تترجم ضعف مايترجمه العالم العربى عشر مرات!
ماذا أنجزت مصر فى حقل الترجمة منذ عبده والطهطاوي؟
- من حيث الاحصاء العددى فما ترجمته مصر يفوق ما ترجمته الدول العربية مجتمعة
حسنا..ولكن ما مدى تأثيره؟
- هذه مسألة صعبة،وتتم بطرق غير مباشرة،عن طريق التعليم، وتمَثُّل الأفكار،تحويل الأفكار والمبادئ إلى واقع معيش، وهذا ما ينقل الدولة درجات إلى الأمام.
هل تحقق شيء منها?
- لا، وهذه مشكلة التخلف.
وبأيهما نهتم الآن أكثر، ترجمة الفكر أم التطبيقات التقنية ؟
- نحن متخلفون فى هذا وذاك
ما السبب, أليست لدينا رؤية،منهج؟
لقد حاربت سنين كى يؤسس المركز القومى للترجمة ،واستطعنا تأسيسه، وأنجزنا فى خمس سنوات 2000 ترجمة (ألفى كتاب)حتى تركته في2011
وكم كتابا ترجم بعد2011 حتى اليوم؟
- لم يصل إلى 500 كتاب
عجز فى التمويل أم الإدارة؟
- الاثنان،التمويل أولا،ولكن الإدارة غير جيدة ولا حاسمة ولا لديها أفق، مثلا، المركزالقومى استطاع عقد اتفاقات مع الفرنسيين لإصدار »جامعة كل المعارف« فى 8 مجلدات كل مجلد حوالى 1000صفحة ونفدت، لماذا لم تعد طباعتها، وموسوعة كمبردج 9 مجلدات لم يصدرمنها إلا ثلاثة، وعلمت اليوم بالمصادفة أن ثلاثة مجلدات منها فى المطبعة منذ ثلاث سنوات..كل الكتب العظيمة التى ترجمناها نفدت،وإعادة الطبع مسألة سهلة جدا .
قلت إنه لاتوجد ميزانية؟
- ولماذا لا أفكر فى وسائل جديدة كالدخول فى شراكة مع بعض الناشرين، يمكن طلب دعم الاتحاد الاوروبي، وهو مستعد، وسائل تدبير المال للمؤسسات الثقافية ليست عملية عسيرة، كنت فى المركز أستطيع تدبير التمويل من أى مكان فى الشرق أوفى الغرب، قلت لك الإدارة الناجحة تبتكر حلولا، وأقل ذلك أن تتخذ مستشارين من الناجحين فى تجارب الإدارة قبلها، تصور أنه إلى هذه اللحظة لا أحد يستشيرنى فى المركز، و«انا اللى بانيه.. أنا اللى عملته».
قد تكون تكاليف الاستشارة باهظة، والميزانية لا تتحمل؟
إطلاقا.. مستعد لإبداء المشورة مجانا.
وماذا عن مستوى المترجم المصرى؟
ممتاز،عندنا صفوة من المترجمين المتميزين
الاهتمام بنوعية ما يترجم والخروج من إسار الانجليزية والفرنسية؟
- عندما أسست المركز كانت هناك قواعد حاكمة ،أولا الخروج من إطار المركزية الأمريكية الأوروبية،فالتقدم لم يعد محصورا فيها، الآن هناك نصف العالم الآسيوى الجديد ينافس فى التقدم، لقد تركت المركز وهناك 35 لغة يترجم عنها، عقدنا اتفاقات مع الكوريين وعلى نفقتهم وترجمنا نحو 6 كتب واهتممنا بالتجربة الماليزية،مهاتير محمد خصص أكبر جزء من ميزانية البلد للتعليم. ومهما ترجمنا سيكون جهدا ناقصا لأنه ليس سوى قطرة فى ما حققه العالم ويحققه، خاصة اننا انتقلنا من عصر الصناعة إلى عصر المعلومات،ونحن مع الأسف لم ندخل هذا العالم بعد.
وماذا عن أعلام الأدب فى ذلك الجزء من العالم؟
ترجمنا للصينى «مو يان» الذى حصل على نوبل 2012، وغيره ورصيدنا من ترجمة الفكر الآسيوى كبير
اتجاهات الترجمة الآن بم تهتم؟
ـ أنا الآن أقرأ أهم معجمين فى العالم فى مجالهما: «فى تحليل الخطاب». «المعجم الموسوعى الجديد فى علوم اللغة»، وهما من ترجمة المركز الوطنى فى تونس.
هل تقصد أن تونس تسبقنا اليوم؟
لا، حتى الان، فما أنجزناه رائع، ولكن علينا أن نستمر وإلا كنا كالوارث الذى يضيع ما ورث.
فماذا يجب أن نفعل؟
ـ علينا بناء «قاعدة للترجمة» تغطى كل المجالات، بشكل يجعلك متقدما باستمرار، وهذا يقتضى الحصول على دعم من الدولة، والدستور الجديد ينص على أهمية الترجمة وضرورة دعمها، ويمكن أيضا البحث عن مصادر تمويل دولية كما قلت، الاتحاد الأوروبى وغيره من المؤسسات. ومع الأمم المتحدة، وبالمناسبة لقد بدأنا المحاولة من قبل مع الأمم المتحدة طلبنا أن نتولى ترجمة أعمالها وهذا المشروع يمكن أن يكون مصدر دخل كبير جدا لأنها هى التى ستموله، ويمكن التفكير فى مشروعات بلا نهاية.
وهل هذه مسئولية مركز الترجمة وحده؟
لا، مسئولية كل مؤسسة ثقافية، أنا أتحدث عن المركز باعتباره عينة من المؤسسات الثقافية، ولكن هناك أيضا ترجمة فى الهيئة العامة للكتاب وفى هيئة قصور الثقافة وغيرها.
وهل هناك تنسيق بين هذه المؤسسات؟
لا، ومع ذلك ليس ممكنا ترجمة كتاب أكثر من مرة بفضل القوانين الدولية، فإذا اتفق المؤلف مع دار نشر فلا يمكن لغيرها نشره.
وماذا عن الجامعات.. هل تقوم بواجبها؟
ـ عندما نتفرغ للعلم ستؤدى دورها، جامعة ماساشوستس للتكنولوجيا (MIT) التى تنافس هارفارد لديها 26 أستاذا بها نالوا الجائزة لأنهم متفرغون للعلم، وعدد الطلبة فى الفصل الواحد لا يزيد على 51، ليس لدينا جهاز وطنى للتعليم، ونسمح للتجار بإنشاء جامعات خاصة، ونترك أساتذة الجامعات الحكومية يعملون فيها وقتا إضافيا، هل تعلم أنه ممنوع على أطباء فرنسا فتح عيادات خاصة؟
ما تمت ترجمته، هل أدى أثره المنشود؟
ـ لا هذا يحتاج إلى تكاتف الجهات المختلفة المسئولة عن نشر الوعى الثقافى والعلمي، وزارات التعليم والإعلام والثقافة، ليس هناك مثلا استفادة مما يترجم فى المدارس والجامعات بورش عمل للطلاب تنظم خلالها مسابقات وتقدم هدايا وتعد رحلات ... الخ
أخيرا، ما أهم اشتراطات الترجمة؟
ـ الإسهام فى تنوير العقل ـ الارتقاء بمعارف الإنسان العربى إلى أفق العالم المعاصر ودفعه إلى التطلع للمستقبل ـ موسوعة المعرفة، خصوصا أننا فى عصر «المعارف البينية»
د. ريشار جاكمون : مصر بحاجة إلى صيغ جديدة
ما أهمية الترجمة برأيك بالنسبة للثقافة بوجه عام، وما الأهداف التىتتطلع إليها؟
- مسألة الترجمة مرتبطة فى الحقيقة بمسألة التعريب، فبقدر ما تفرض اللغة القومية نفسها فى المجال القومى تصبح الترجمة لا غنى عنها. وبالعكس،فى السياقات التى يتراجع فيها التعريب أو يكون غير مكتمل، ويتم التواصل عبر اللغات الأجنبية السائدة، تبدو الترجمة أقل ضرورة، بل حتى غير مجدية؛ لأن المعارف والأفكار يمكن حينئذ أن تنتقل من مجال اجتماعى إلى آخر من خلال اللغة الأصلية. استخدام اللغات الوسيطة (الإنجليزية اليوم، وقديماً اللاتينية فى العالم المسيحى والعربية فى دار الإسلام) هو واقعة ثابتة فى تاريخ الإنسانية، وابتداء من القرن التاسع عشر فقط، ومع تنظيم العالم فى صورة دول قومية، أصبح هناك مشكلة مع هذه الفكرة.
ما تقييمك لتجربة المركز القومى للترجمة فى مصر؟
- فى نهاية القرن العشرين ظهر وعى واسع لدى النخب العربية بشأن ضرورة إطلاق سياسات للترجمة إلى اللغة العربية، وقد اتخذ هذا الأمر أشكالا متنوعة بحسب البلد. ففى مصر، حدث هذا الإطلاق بصورة متوافقة مع ماكان سائدا حينذاك فى السياسة الثقافية للدولة المصرية، بما لها وعليها. بالنسبة للجانب الإيجابي، فالمشروع وبفضل الإشعاع الشخصى لجابر عصفور قد نجح فى جذب نخبة من المترجمين العرب، أما عن الجانب السلبى، فقد تم التركيز فى الغالب على الكم على حساب الكيف، وعلى الإنتاج على حساب التوزيع.
كيف تنهض الترجمة ،وما دورالدولة فى هذا الحقل؟
- حينما نقارن بين قوائم المشروعات الكبرى للدولة فى الترجمة، (ولاسيما فى مصر وسوريا) وقوائم دور النشر العربية الخاصة، المعنية بنشر الترجمات، فإننا نلاحظ هنا على عكس ما يقال عادة: «إن القطاع الخاص لا يبحث إلا عن الربح، والقطاع العام وحده هو الذى يتيح ترجمة أمهات الكتب»، سوف نكتشف أن العديد من الترجمات ذات «القيمة الرمزية المضافة» الضعيفة قد تم نشرها فى القطاع العام، والعكس صحيح، فترجمات كثيرة ذات قيمة رمزية مضافة قوية قد نشرت بواسطة دور نشر عربية خاصة، وهذا يبين لنا ضرورة مراجعة التفكير فيما ينبغى أن تكون عليه السياسة العامة لدعم الترجمة.
وماذا عن تجربة فرنسا فى هذا الصدد،ما الخطة التى تتبعها الدولة الفرنسية فى مجال الترجمة؟
- فى فرنسا يدعم المركز القومى للكتاب الترجمة بوسائل مهمة، لكن الجزء الأكبر من هذه الوسائل لا يأتى من مالية الميزانية العامة،ولكن من ضريبتين محددتين،الأولى يدفعها الناشرون(0٫2%) من حصيلة بيع الكتب فى المكتبات،وضريبة على مبيعات آلات تصوير المستندات.هاتان الضريبتان تمولان مجمل سياسة الكتاب فى فرنسا،بما فيها دعم الترجمة الذى يمثل أكثرمن 2مليون يورو فى العام فى الوقت الحالي.هناك أيضا مساعدات من وزارة الخارجية للترجمة، لكنها أقل أهمية. ودعم الترجمة من قبل المركز القومى للكتاب فى فرنسا يذهب مباشرة الى الناشرين. هناك ناشرون فرنسيون للترجمة الى اللغة الفرنسية، وناشرون أجانب للترجمة من اللغة الفرنسية (وفى هذه الحالة يتقدم الناشر الفرنسى الذى تعاقد معه الناشر الأجنبى بطلب الدعم، ثم يحول بعد ذلك الى الناشر الأجنبى بعد نشر الكتاب). وتوجد كذلك لجان من المتخصصين تفحص الطلبات (تشبه، إلى حد ما، لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة فى مصر) وتقيم صلاحية الترجمة (صلاحية إختيار الكتاب المترجم) وكذلك صلاحية نوعية الكتاب. وهو نظام يسير بصورة مرضية إلى حد كبير، ويسمح بصيغة ملائمة فى توزيع الموارد فى داخل سوق النشر(لأن صغار الناشرين يستفيدون بهذا الدعم أكثر من الكبار).
وماذا عن ترجمة النصوص العربية القديمة والحديثة إلى لغات أخري، من خلال تجربتك فى قسم الترجمة بالمركزالثقافى الفرنسى، وهل يمكن للدولة أن تلعب دورا فى هذا الصدد؟.
- النظام الذى وصفته فيما سبق، ينطبق على النصوص العربية المترجمة الى الفرنسية؛اختيار النصوص إما أن يكون بواسطة المترجمين الذين يقومون باقتراحها على الناشرين أو من الناشرين ومديرى السلاسل الذين يتلقون اقتراحات من المترجمين، أو عبر اقتراحات من ناشرين أجانب أو وسطاء أدبيين فوّض لهم الكُتّاب العرب حقوق الترجمة. وهذا الأمر يتزايد كثيرا هذه الأيام، وهو فى تقديرى تطورإيجابي، لأن الناشرين الأجانب والوكلاء الأدبيين الذين يبيعون حقوق الترجمة هم أكثر كفاءة وفاعلية من المؤلفين أنفسهم،أوناشريهم العرب الأصليين.الدول العربية يمكن أن تلعب دورا فى هذا الاتجاه، فاليوم كثير من الدول تدعم ترجمة إنتاج النشر القومى بها الى اللغات الأجنبية، وبوجه خاص الدول التى تكون لغتها القومية مهمشة فى التبادلات الدولية.
فى دولة نامية مثل مصر تعانى مشكلات جمة،هل يمكن أن تحظى الترجمة بالاهتمام ، أم أن هذا يعد ترفا الآن؟
- من الواضح أن الظرف الحالى لا يحبذ أن تستثمر الدولة المصرية ـ التى تعانى قلة الموارد ـ فى الترجمة.ولكن السياق الثورى الآنى يقدم لنا فرصة ممتازة لإعادة التفكير فى دورالدولة فى دعم الثقافةودعم الكتاب،والكتاب المترجم على وجه الخصوص.هناك اقتراحات عديدة تقدم بها المثقفون المصريون فى هذا الاتجاه منذ فبراير2011، ولكن للأسف لديّ انطباع أن المسئولين الذين تتابعوا على رأس المؤسسات الثقافية مازالوا مستمرين فى العمل بالروح والعقلية التى كانت سائدة فى سنوات فاروق حسني. مصر اليوم ربما لا تكون بحاجة الى موارد مالية جديدة بقدر حاجتها الى الانفتاح على ممارسات وصيغ جديدة بالفعل فى مجال السياسات الثقافية.