رئيس مجلس الادارة

عمـر سـامي

رئيس التحرير

عبد الناصر سلامة

رئيس التحرير

عبد الناصر سلامة

القاعدة وحدت بين الديمقراطيات العريقة والنظم الدكتاتورية!

مروة فودة
سماء زرقاء صافية في يوم خريفي دافئ‏,‏ المارة يتحركون في اتجاهات شتي بالقرب من مركز التجارة العالمية‏,‏ كل يفكر في مهام يجب عليه إنجازها أو هموم يبحث لها عن مخرج‏,‏ الجميع يتحركون ناظرين إلي الأرض أو شارة المرور أو بعضهم البعض والقليل يتطلع للسماء‏..

 ولكن ومع دقات الساعة8:46 صباحا بتوقيت نيويورك توجهت أنظار المارة إلي السماء مع اقتراب طائرة من المركز الشهير لتبدأ سنوات الرعب, فالنظرات الخرساء التي كست وجوه الأمريكيين وهم يتابعون انهيار المركز الحصين تحولت إلي صراخ دوي صداه في العالم الحرب ضد الإرهاب. ومع خروج حروف الحرب إلي الوجود ولد معها فصل جديد من فصول الرعب في تاريخ الإنسانية, فباتت هجمات11 سبتمبر2001 التي سقط ضحيتها2973 قتيلا ذريعة ليموت أضعافهم في مختلف أنحاء العالم بحجة الحرب ضد الإرهاب, وأضحت جواز مرور-حتي في أكثر الدول الديمقراطية لإقرار قوانين وإجراءات تتعارض مع أبسط أسس الديمقراطية, وتتعارض مع نصوص الدساتير التي تقررها هذه الدول.. ومازالت رحي الحرب تدور.
فكان لهول هجمات سبتمبر سببا في أن نسي الحزبون الرئيسيون في الكونجرس الأمريكي الديمقراطي والجمهوري خلافاتهما واتفقا سريعا علي قانون لمكافحة الإرهاب, كما استغلت إدارة الرئيس الجمهوري جورج بوش وسلفه الديمقراطي باراك أوباما الهجمات كمبرر أخلاقي وقانوني لاحتلال أفغانستان والعراق ولتعذيب الأسري والمعتقلين في جوانتانامو وأبو غريب, وشن غارات بطائرات بدون طيار في باكستان واليمن, والتنصت بدون إذن قضائي علي المكالمات الهاتفية والحسابات البنكية والبريد الإلكتروني للمواطنين حول العالم ليس في أمريكا وحدها بل في شتي أركان المعمورة, وجميعها قرارات صدرت بأوامر من البيت الابيض دون رقابة حقيقة من الكونجرس.
ورغم تمكن الولايات المتحدة من تحقيق بعض النتائج خلال السنوات الثلاثة عشر الماضية, وتوجيهها بعض الضربات الموجعة لتنظيم القاعدة المتهم الأول بتفجيرات سبتمبر والأب الروحي للعديد من الحركات المسلحة في العالم, فإن الأنشطة الإرهابية ضد بلاد العم سام أو غيرها من دول العالم لم تتوقف. فجاء الهجوم الذي استهدف القنصلية الأمريكية في بنغازي العام الماضي وتفجيرات بوسطن في أبريل من العام الحالي لتضع الحكومات حول العالم في مواجهة سؤال صعب هل تكفي صرامة القانون وحدها لتقديم العلاج الناجع لمشكلة الإرهاب؟
فالواقع أن هجوم بنغازي وبوسطن كانا المشهد الأحدث في سلسلة من الهجمات تمكنت القاعدة وأتباعها من تنفيذها ضد مصالح حيوية حول العالم, فحتي مع وجود الحرب ضد الإرهاب شهدت جزيرة بالي الإندونيسية تفجيرات وقعت في أكتوبر2002, وأسفرت عن مقتل ما يزيد علي200 شخص, معظمهم من السياح الغربيين; وفي إسطنبول التركية استهدف تفجير انتحاري في نوفمبر2003 القنصلية البريطانية وبنكا بريطانيا مسفرا عن مصرع30 شخصا كما قتل27 آخرون بسيارة مفخخة استهدفت كنيسين لليهود; وفي7 يوليو2005 وقعت سلسلة عمليات انتحارية متزامنة في العاصمة البريطانية لندن وأسفرت عن مصرع50 شخصا وإصابة ما يقرب من700 اخرين; وفي نوفمبر2008 وقعت هجمات مومباي العاصمة الاقتصادية للهند, مما تسبب في مقتل195 شخصا, واحتجاز عدة سياح أجانب.
جميع هذه الهجمات أثبتت أن العالم لم ينجح بعد في إيجاد الاستراتيجية المثلي لمكافحة الإرهاب.
مع الاعتذار لأمير الشعراء أحمد شوقي فإن بيته الشهير أحرام علي بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس؟ خير تعبير عن ازدواجية المعايير التي تتعامل بها الديمقراطيات الغربية مع معادلة حقوق الإنسان والحرب ضد الإرهاب فبينما يوجه الغرب انتقادات دائما للأنظمة الحاكمة في العالم الثالث مختصا العربية منها بجانب خاص من الاتهامات تتعلق بشكل أساسي بأنها تحرم شعوبها من الحريات الأساسية, فإن هذه الديمقراطيات الغربية استحلت لنفسها ما تحرمه علي الآخرين تحت ستار حماية الأمن- وهو نفسه المبرر الذي تتخذه الأنظمة الديكتاتورية تكئة لفرض الكثير من القيود علي الحريات الديمقراطية والفردية المكتسبة والمنصوص عليها في الدساتير.
وقد أعطت الحرب علي الإرهاب مخرجا ذهبيا للأنظمة الشمولية للهروب من القواعد التي يفرضها الفكر الديمقراطي متخذة بذلك من الدول الديمقراطية مثالا يحتذي به بأن الحفاظ علي الاستقرار يحتم تقييد ومصادرة الحريات الديمقراطية. وصار بإمكان أي نظام ديكتاتوري أن يعتقل معارضيه السياسيين ويزج بهم في السجون تحت مبرر أنهم خطر علي امن المجتمع. وصار بإمكان أي نظام ديكتاتوري أن يواجه الانتقادات الموجهة له بمصادرة حقوق الإنسان من خلال التذكير بان أقطاب الديمقراطية في العالم عندما تعرضت للخطر كان أول ما فكرت به هو اللجوء إلي الاجراءات البوليسية علي حساب حقوق الإنسان وحرياته.
لم يكن الإنجليز سابقين فقط في بناء واحدة من أعرق إمبراطوريات القارة العجوز أو بعاداتهم المميزة في تناول الشاي بل كانوا سابقين أيضا في مكافحة الإرهاب بـ القانون, فلم تكن أعرق الديمقراطيات في العالم في حاجة لمبرر الحرب ضد الإرهاب لصياغة مثل هذه القوانين, فكان الإصدار الأول من قانون الإرهاب البريطاني قد وضع بشكل أساسي استجابة لـ الإرهاب المتعلق بأيرلندا الشمالية, وتم فيما بعد توسيع بعض أحكامه لتشمل فئات محددة من الإرهاب الدولي. ثم جاء قانون الإرهاب لعام2000 الذي جري فيه تعديل وتوسيع هذا القانون, وجعله قانونا دائما إلي حد كبير ووضع مجموعة من التدابير لتنطبق علي جميع أشكال الإرهاب.
وفي ديسمبر2001 أقر البرلمان قانون مكافحة الإرهاب والجريمة وحفظ الأمن استجابة لارتفاع مستوي التهديد النابع عن وقوع هجمات إرهابية في المملكة المتحدة في أعقاب الهجمات التي وقعت في11 سبتمبر. ويتضمن هذا القانون مجموعة من التدابير التي وضعت لرفع فعالية السلطات في مكافحة المتورطين بشكل مباشر في الأعمال الإرهابية, أو ممن يدعمون هذه الأعمال. ويضع مجموعة من التدابير تسمح باحتجاز أي طائرة لأسباب أمنية واعتقال وتفتيش المسافرين; كما يجيز مجموعة من الصلاحيات الممنوحة لأفراد الشرطة, علي سبيل المثال صلاحياتهم لالتقاط الصور والتفتيش والتدقيق لتحديد الشخصية. وفي مارس2005 دخل قانون منع الإرهاب لعام2005 حيز النفاذ ليحل محل الفصل الرابع من قانون مكافحة الإرهاب والجريمة وحفظ الأمن لعام.2001 ويمنح هذا القانون الصلاحية لوزير الداخلية لإصدار أوامر فرض القيود بشأن من يشتبه بأنهم إرهابيون, سواء كانوا مواطنين بريطانيين أم أجانب. وتتضمن أوامر فرض القيود مجموعة من الشروط المحتملة, من قبيل حظر استخدام الهاتف المحمول أو الإنترنت وقيود علي التحركات والسفر, وقيود علي الاتصال بأشخاص محددين, واستخدام أجهزة إلكترونية مثبتة علي الأشخاص لغرض مراقبة التزامهم بمنع التجول. ثم دخل قانون الإرهاب لعام2006 حيز النفاذ وفيه سمح بتمديد فترة احتجاز المشتبه فيهم علي ذمة التحقيق الي ثلاثة شهور بدلا من14 يوما, المدة الأقصي التي كان معمولا بها سابقا. وتصل عقوبة التحضير للعمليات الارهابية والتدريب, الي السجن مدي الحياة.
ورغم هذه السلسة من القوانين فإن دراسة حديثة كشفت عن أن قوانين مكافحة الإرهاب في بريطانيا فشلت في ضمان إدانة المعتقلين, وقادت إلي إدانة شخص واحد فقط من كل ثمانية منهم. وأوضحت أن خلال عشر سنوات العشر من دخول هذه القوانين حيز التنفيذ فإن22% فقط من المشتبه فيهم الذين اعتقلوا واجهوا تهما, وجرت إدانة أقل من13% منهم فقط.
أما في أرض الأحلام, فإن القانون الذي يطلق عليه اسم باتريوت آكت أو قانون الوطنية يعمل علي تسهيل إجراءات التحقيقات والوسائل اللازمة لمكافحة الإرهاب, مثل إعطاء أجهزة الشرطة صلاحيات من شأنها الاطلاع علي المقتنيات الشخصية للأفراد ومراقبة اتصالاتهم والتنصت علي مكالماتهم بغرض الكشف عن المؤامرات الإرهابية. ويوسع تعريف الإرهاب المحلي بشكل يمكن أن يضم أعمال الاحتجاج السياسي السلمي.
يمنح القانون مكتب التحقيقات الفيدرالي إف بي أي صلاحيات الحصول علي السجلات المالية أو الطبية أو التعليمية لأي شخص دون أمر من المحاكم. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فوفقا للقانون بات مسموحا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية سي أي إيه القيام باغتيالات فردية حول العالم ضمن تفويض رسمي من الرئيس, وهو الأمر الذي جري مع أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة السابق, فعوضا عن القبض عليه وتقديمه للمحاكمة, قامت فرقة من العمليات الخاصة في2 مايو2011 بقتل زعيم القاعدة السابق في عملية مداهمة لحصنه دامت نحو40 دقيقة استعرض الشرطي الأمريكي خلالها عضلاته التكنولوجية, لتتحول حامية الحرية والمجتمع المفتوح إلي الدولة البوليسية بامتياز.
لقد تعارض باتريوت آكت القانون بشكل صريح مع أحد الحقوق الأساسية التي كفلها الدستور الأمريكي لمواطنيه وهي الخصوصية الفردية وضمان حمايتهم من أي انتهاك, وعن ذلك قالت الزعيمة الديمقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي إنه يجب التأكد مما إذا كانت صلاحيات المراقبة الموسعة التي تنتهك خصوصية الأفراد مرفقة بموانع تعزز الأمن في الواقع, ولا تنتهك الحقوق الدستورية لأمريكيين أبرياء يحترمون القانون, ومن دون سبب, ولكن بتطبيق لفكر الأمن أولا بات يسيرا أن يتحول الحلم إلي كابوس طالما اقتضت الحالة ذلك.
وحتي نبحث عن حل يجب أولا تحديد أسباب الإرهاب, الدوافع التي تقود إنسانا إلي التضحية بحياته من أجل قتل مجموعات أخري من البشر, رغم أن هذه الأسباب تختلف من بلد إلي آخر فإن هناك بعض العوامل المشتركة, بالطبع مثلث الرعب الفقر والجهل والمرض القادر في حالة اجتماعه في أمة علي أن يبيد حضارتها, ولكن يضاف إليها عوامل أخري فإن تعرض الأفراد إلي العنف أو التهميش, أو الاضطهاد, إضافة إلي غياب العدالة وعجز الأفراد عن استرداد حقوقهم عبر الطرق السلمية الممثلة في القانون, جميعها أسباب تعمل علي تأجيج الرغبة في الانتقام من الآخر حتي لو كانت ضريبة هذا الانتقام هو الدم.
نعم يجب مكافحة الإرهاب, ولكن الأمر الذي أخطأ فيه العالم حتي الآن هو أنه استغرق في وضع القوانين التي تقيد حريات الأفراد بدلا من الاهتمام برعاية المجتمعات الفقيرة والمريضة ومواجهة البطالة لدي الشباب بتوفير فرص عمل والرد علي الأفكار المتطرفة بالتعليم ونشر التوعية بحقيقة الأديان السماوية والدعوي لأفكار التسامح والرحمة وقبلهما تطبيق العدل.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق