على الهواء مباشرة! والواقع، أن ما يعنينا هنا ليس الشجب، ولا الإدانة، ولا الاستنكار، ولا توجيه الاتهامات.. فنحن- من كثرة ما أدمنّا الشجب والاستنكار- لم يعد للتنديد عندنا أى معنى! إن ما يعنينا هنا هو الغوص- برواقة- فى تلافيف “الدماغ” التى أطلقت تلك الدعوة.
رئيس الرابطة قال لوائل الأبراشى إن ما دعاه إلى ذلك أن المصريين نصفهم- ولا مؤاخذة- يحششون.. وراح يعدد على مسامعنا أرقاما ما أنزل الله بها من سلطان، ولا نعرف مصدرها. وقال الرجل- مخاطبا رئيس وزراء مصر( شخصيا) إن فرض الضرائب على هذه التجارة سيجلب للخزانة العامة مليارات الجنيهات وصولا إلى سدّ عجز الموازنة. وقال إنه بما أن حجم هذه التجارة( حسب تقديره!) يزيد على 45 مليار جنيه فإن ضريبة قدرها 10 % ستوفر للحكومة نحو خمسة مليارات سنويا!
لكن- وقبل الاستدراك فى” التعاطى” مع القضية- دعونا نسألكم “بمزاج”: هل تعرفون من أين أتت كلمة assassination ( يعنى الاغتيال) فى اللغات الأجنبية؟ جاءت نسبة إلى طائفة الحشاشين( أساسين) الإرهابية التى ظهرت فى فارس فى القرن 11 الميلادى فى العالم الإسلامى، برئاسة الحسن بن الصبّاح، واتخذت من اغتيال معارضيها السياسيين وسيلة لنشر دعوتها الإسماعيلية النذارية.. وكانت تعتمد على الحشيش لتخدير أنصارها فيهرولون إلى الذبح والاغتيال بدم بارد( تحت تأثير المخدر!)
.. وبعيدا عن التهييس والسطلان والدوخان.. تعالوا نتصور حجم الفوائد “المبهجة” التى ستعود على الأمة جراء تقنين” الأنفاس”: أولا؛ سنكسب- بالحشيش- معركتنا المستعرة مع الإرهاب، لأن الإرهابى العبيط، بدلا من أن يحمل الكلاشينكوف والمولوتوف والقنابل، سوف يحمل الجوزة والحجر و” الولعة”.. ومن ثم فسترتعش ذراعاه، ويهتز سلاحه فى يده، فتطيش طلقاته، ونلقى القبض عليه بسرعة.. وهكذا يموت الإرهاب فى مهده!
وثانيا؛ ستنخفض إلى أقل مدى توتراتنا الاجتماعية، الناتجة عن البطالة والعنوسة والفقر والعشوائيات والمرض.. وبدلا من أن يغرق الناس فى مشكلاتهم المقرفة سيصفو تفكيرهم فلا ينحصر إلا فى كيفية الحصول على” التعميرة”! وثالثا؛ فإن التوهان المتفشى الآن بين قطاعات واسعة بيننا، بسبب الجهل والأمية وتغييب العقول، سوف يحل محله تغييب مريح جميل فتان رمادى اللون.. يريك جنان السماء عوضا عن نار الواقع المؤلم على الأرض!
ورابعا؛ فأنت- مع الحشيش ومشتقاته- لن تكون فى حاجة إلى برامج حوارية، ولا مكلمات مطوّلة ثقافية، ولا ندوات للتوعية غير مجدية.. ولماذا البرامج ووجع الدماغ يا سيدى وكل لياليك ستمضيها هائما نشوانا طائرا مع حلقات الدخان الأزرق؟
ما هذا يا عمّ؟ هل تهذّر؟
يا شيخ؟ وهل كثير مما نسمعه ونشاهده ونقرؤه الآن- فنطرب له- فى السينما والتليفزيون والراديو والأغانى ونشرات الأخبار إلا هذرا؟ هل عندما تحدثنى عن زواج الجن من الإنس، أو عن شرب بول الإبل، أو عن إرضاع الكبير.. أو عن غش الدواء، وفضائح الأسعار فى الأسواق، ومآسى المدارس فى الريف والحضر.. ألست بالله عليك تهذّر؟
يا عم الأستاذ.. إن الدنيا كلها تنطلق إلى الأمام بسرعة الصواريخ بينما أنت مازلت تغرقنى فى نقد البخارى ومسلم وابن تيمية ومالك.. مع أنهم- رحمة الله عليهم جميعا- ماتوا فشبعوا موتا.. ألست تهذر؟
تقنين الحشيش ليس حلا.. بل تقنين ما يجب أن يقنن هو الحل.
.. ثم يا سادة.. لو أننا قننا الحشيش- لا سمح الله- كيف ستراقبون توزيعه؟ هل نتصور مثلا أنكم ستنشئون هيئة جديدة، أو ربما وزارة، لمراقبة الحشاشين؟ وماذا عن علاج الذين تعاطوا فأوغلوا فى التعاطى.. هل ستكون ثمة مستشفيات جديدة لهم؟ وهل عالجتم الأصحاء حتى تنجحوا فى علاج المسطولين؟ ثم يبقى السؤال الأهم: لماذا الضريبة 10% فقط.. خلوها 30 أو 40.. أو حتى 50 .. أم أن الموظفين فقط هم من سيظل يدفع الضرائب؟