رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

استراتيجية إسرائيل تجاه مصر..
التاريخ واستشراف المستقبل

وقعت فى يدى وثيقة أمريكية خطيرة صدرت فى 1965، هزتنى بأثر رجعي! إنها مذكرة من دين راسك ـ وزير الخارجية الأمريكية ـ

الى الرئيس الأمريكى ليندون جونسون تتعلق بسياسة الولايات المتحدة فى ذلك الوقت؛ بمنع انتشار الأسلحة الذرية فى منطقة الشرق الأوسط.وتطبيقا لهذه السياسة، حدث اتصال مع الرئيس جمال عبد الناصر بشأن المفاعل الذرى فى إنشاص، الذى أكد لهم أنه يستخدم فى الأغراض السلمية فقط، وأن مصر لا تنوى إنتاج أسلحة ذرية.وقد تزامن ذلك مع اتصال آخر باسرائيل لنفس الغرض، بل وقد أرسلت الولايات المتحدة بعثة غير رسمية لتتفقد مفاعل ديمونة.وبالرغم من التأكيدات التى ذكرها ليفى أشكول رئيس الوزراء الاسرائيلى عدة مرات للولايات المتحدة فى هذا الشأن، فإنه قال: «إن اسرائيل لا تستطيع أن توقف تطوير الأسلحة الذرية فى غياب ضمانات ملزمة لأمنها من جانب الولايات المتحدة».وكان الرئيس الأمريكى جون كيندى قد صمم فى 1963؛ على أن «الولايات المتحدة لا تستطيع سياسيا أن تضمن أمن اسرائيل، وأن هذا الضمان فى أى حال من الأحوال لن يعطى اسرائيل حماية أفضل من التزام الولايات المتحدة الشديد الحاضر؛ بمعارضة العدوان فى الشرق الأوسط».وبالطبع فإن تلك السياسة التى اتبعها بعد كيندى جونسون أغضبت اسرائيل، وأثارت شكوك الولايات المتحدة حول استمرارها فى تطوير الأسلحة الذرية.


وفى الوثيقة التى أشرت اليها، كتب دين راسك.. «يجب أن نتذكر أن اسرائيل قد خدعتنا بداية عن عمد بشأن طبيعة المفاعل الذرى فى ديمونة دون أن تتشاور معنا؛ ولذلك يجب أن نفترض أن اسرائيل تنوى أن تتخذ قراراتها حول انتاج الأسلحة الذرية دون أن تتحاور معنا».


وتدعيما لشكوكه ذكّر راسك الرئيس الأمريكى جونسون باستراتيجية اسرائيل تجاه مصر:


أولا: «لقد وضعت اسرائيل صواريخ أرض/ أرض موجهة لتضرب وادى النيل»، ومداها 270 ميلا بحريا، وكانت قد اشترتها من فرنسا، بعد أن بدأت مصر فى تصنيع الصواريخ مستعينة بالعلماء الألمان، وأعلنت عن تجارب إطلاقها فى 1962.


ثانيا: «إن اسرائيل مصممة على أن تملك القدرة على قذف السد العالى بالقنابل لتنساب المياه من خلفه، وهذا يتطلب رؤوسا ذرية؛ لأن القذف بالمتفجرات مهما كانت قوتها، لا يمكن الاعتماد عليه فى هذه العملية»!


وكانت الولايات المتحدة مدركة أن مجهوداتها لتقليل سرعة برامج الأسلحة المتطورة والأسلحة الذرية المحتملة فى الهند وغيرها، سوف يتأثر بالمثل الذى تطبقه فى التعامل مع اسرائيل. وطالما أن مفاعل ديمونة يعمل بدون مراعاة ضمانات السلامة التى تفرضها المنظمة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، فإن مصداقية المجهودات الأمريكية فى العالم لمنع انتشار الأسلحة الذرية مشكوك فيها.


وفى الواقع فإن اسرائيل رغم أنها قد وقعت معاهدة منع التجارب النووية، كما أنها عضو فى المنظمة الدولية للطاقة الذرية، وقبلت تطبيق إجراءات الحماية بالنسبة لمفاعلها الذرى الصغير المخصص للأبحاث الذى قدمته لها الولايات المتحدة، إلا أن ذلك لم ينطبق على مفاعل ديمونة!


وقد طلب راسك من جونسون إرسال خطاب الى أشكول يضغط به عليه لتوافق اسرائيل على تطبيق إجراءات الحماية الدولية بالنسبة لمفاعل ديمونة، وهو الأهم.


وقد انتهزت الولايات المتحدة فرصة قرب وصول فريق عسكرى اسرائيلى اليها لمناقشة صفقة الأسلحة الأمريكية الجديدة التى سمحت بها بعد امتناع، لتواصل ضغطها فى هذا الشأن.


وكانت الولايات المتحدة قد بررت هذه الصفقة؛ باعتزامها بيع عدد محدود من الدبابات M-40 الى الأردن بناء على طلبه، بعد أن رفضت إمداده بطائرات F-104، وذلك عقب تهديد الملك حسين بشراء أسلحة من الاتحاد السوفيتى لمواجهة المماطلة الأمريكية.


الخدعة الأمريكية الكبري:


وإن كانت الولايات المتحدة قد اشتكت من أساليب الخداع الاسرائيلية فيما يتعلق بتطوير الأسلحة الذرية، إلا أنها قد قامت بدورها بخدعة أكبر؛ لتوهم الدول العربية أنها تسير فى سياسة منع سباق التسلح فى الشرق الأوسط، وتقوم لتحقيق ذلك بالامتناع عن بيع السلاح لدوله جميعا، بما فيها اسرائيل!


ففى 1964 طلبت اسرائيل شراء 500 دبابة أمريكية متطورة وأسلحة أخري، إلا أن هذا الطلب قوبل بالرفض. وبعد مشاورات، اقترحت الولايات المتحدة على اسرائيل أن تشترى ما تحتاج اليه من دبابات من المملكة المتحدة وألمانيا، على أن تمهد الطريق لذلك مع حلفائها!


وهنا اعترض أشكول الذى كان فى زيارة لواشنطن فى يونيو 1964، قائلا: إن هناك فارقا كبيرا فى الأداء بين الدبابات الأمريكية والأخرى البريطانية والألمانية. وهنا اقترح العسكريون الأمريكيون أن تجرى الولايات المتحدة تعديلات على هذه الدبابات الأوروبية لتصل بها الى كفاءة الدبابات الأمريكية، وبعد أن وافق جونسون على ذلك، رصدت الولايات المتحدة 20 مليون دولار من أجل هذا الهدف!


ويجدر بى أن أذكر هنا؛ أن وزارة الدفاع الأمريكية قد توقعت أنه بعد تسليم هذه الصفقة، بالإضافة الى صواريخ الهوك المتعاقد عليها من قبل والتى كانت ستسلم فى 15 مايو 1965، ثم صفقة الدبابات المماثلة فى العدد كتلك التى ستورد للأردن؛ «فإن توازن التسلح فى الشرق الأوسط سيكون فى مصلحة اسرائيل الى حد كبير فى نهاية عام 1967»!


وقد تم كشف صفقة الدبابات الألمانية الى اسرائيل فى مارس 1965، وكان قد بقى فقط 60 دبابة لم تسلم.


وثارت ضجة فى العالم العربي، وقطعت مصر علاقاتها مع ألمانيا الغربية، ثم استقبلت والتر ألبريخت رئيس ألمانيا الشرقية فى القاهرة؛ ردا على العداء الألمانى الغربى للعرب.


ومن جانب آخر, أرسل جونسون مبعوثه فليبس تالبوت الى الرئيس جمال عبد الناصر لإخطاره مسبقا بصفقة بيع الدبابات الأمريكية الى اسرائيل؛ لموازنة بيع مثيلاتها الى الأردن.


وردا على ذلك بعث عبد الناصر برسالة الى جونسون يؤكد فيها على بعض النقاط فى مقابلته مع تالبوت؛ تضمنت الآتي: «أن مصر مهتمة بالمحافظة على الصداقة العربية الأمريكية... ولكن توجد عوائق تمنع من تحقيق هذا الهدف...


إن مصر لم تبدأ أو تخطط لسباق التسلح فى الشرق الأوسط ولكنها مضطرة بعد استفزازات عسكرية، أن تحقق القدرة على الدفاع الشرعى ضد الخطر العدائى التوسعي؛ المتمثل فى الصهيونية العنصرية، التى سهل لها الاستعمار السيطرة على جزء من الأرض العربية؛ لتستخدم كقاعدة لتهويد إرادة الأمة العربية فى الحرية، ولتكون حائلا ضد الآمال العربية فى الوحدة.


وشاهد على ذلك السجلات ومنها فى الأمم المتحدة أن مصر استخدمت أسلحتها فقط دفاعا عن حقوقها، بينما جاء العدوان من جانب اسرائيل، وأحداث 1956 مليئة بالأدلة والمعاني».


واستطرد عبد الناصر فى رسالته الى جونسون.. «من المؤسف أن عددا من الدول الغربية عموما سلحت العدوان الاسرائيلى سرا؛ فرنسا فى 1956، وألمانيا الآن»!


ما هى استراتيجية مصر فى مواجهة التهديد الذرى الاسرائيلي؟


كما قلت.. فإن اطلاعى على خطوط الاستراتيجية الاسرائيلية تجاه مصر فى 1965، واسرائيل لم تكن وقتها تملك السلاح الذرى بعد، قد أصابنى بالفزع، إلا أنه دق ناقوس الخطر بالنسبة للحاضر والمستقبل.


فإنه من المؤكد أن اسرائيل الآن تملك السلاح الذري، إذا كانت باكستان قد أجرت تجربة ذرية! فما هى استراتيجيتنا فى المقابل؟ وكيف نحمى أرضنا ومواطنينا من هذا التهديد المخيف؟


إن العقيدة الصهيونية كما درستها بعمق توسعية، وتحقق أهدافها على مراحل، وما اكتسبته اسرائيل من أرض بعد عدوان 1967 هو ليس آخر المطاف، وإنما شعار من النيل الى الفرات هو حقيقة وليس دعاية وقتية.


إننى لا أطالب بأن تمتلك مصر السلاح النووي؛ لأنه مكلف جدا، بالإضافة الى أن استخدامه ضد اسرائيل التى زرعت وسط البلاد العربية، من المؤكد أنه سيطول جيرانها العرب.


فإذا كنا لن نستخدم السلاح النووي، فلماذا نصنعه؟! الإجابة.. من أجل ردع اسرائيل.


ولكن ألا يمكن تحقيق هذا الهدف بدون تطويرنا للسلاح النووى فى الوقت الذى تملكه اسرائيل؟


استراتيجيا هذا ممكن، ولكن يجب هنا أن يكون الردع كافيا، ويساعد على ذلك أن مدى الطائرات الحربية قاذفة القنابل أصبح يصل الى كل شبر فى اسرائيل. المهم هنا هو تحديد الأهداف بدقة، مع إعلام العدو بقدرتنا على إصابته فى مقتل إذا نفذ استراتيجيته العدوانية. ولا ينبغى أن ننسى أن السلاح النووى تحمله صواريخ وطائرات حربية، وبالتالى فإن الدفاع المحكم بالصواريخ يمنع وصول أى منها الى هدفه.


وعموما هذا موضوع عسكرى فنى يترك للخبراء والقادة العسكريين لتقديره، كما أنه من الأمور السرية التى لا يمكن البوح بتفاصيلها.


إن ما أطالب به هو أن تستكمل مصر برنامجها النووى الذى توقف بعد عدوان اسرائيل فى 1967؛ فإن استخدام هذه التكنولوجيا الحديثة فى الأغراض السلمية أصبح ضرورة تحتمها متطلبات التنمية الشاملة فى القرن الحادى والعشرين.


وفى الواقع فإن كل ما هدفت اليه من عرض الوثيقة الأمريكية؛ أنه لا يجب استبعاد الهجوم الذرى على مصر عندما يحين وقته بالنسبة لاسرائيل، وأننا يجب أن نكون على استعداد لمواجهة هذا الخطر المحتمل باستراتيجية رادعة ودفاعية فى نفس الوقت؛ تضمن الأمان لوادى النيل وسكانه جميعا.


لمزيد من مقالات د. هدى عبد الناصر

رابط دائم: