رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

المساواة‭.. ‬تاريخ‭ ‬محزن‭ ‬لهدف‭ ‬عظيم

هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الذى‭ ‬ظهر‭ ‬فى‭ ‬فرنسا‭ ‬فى‭ ‬العام‭ ‬الماضى‭ ‬والذى‭ ‬شغل‭ ‬الناس‭ ‬ولايزال‭ ‬يشغلهم،‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬رأس‭ ‬المال‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الحادى‭ ‬والعشرين‮»

‬‭ ‬ولكن‭ ‬موضوعه‭ ‬فى‭ ‬الحقيقة‭ ‬ليس‭ ‬رأس‭ ‬المال،‭ ‬بل‭ ‬المساواة‭ ‬واللا‭ ‬مساواة‭ ‬ـ‭ ‬وانشغال‭ ‬الناس‭ ‬به‭ ‬لهذه‭ ‬الدرجة،‭ ‬فى‭ ‬بلاد‭ ‬كثيرة،‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬اهتمام‭ ‬الناس‭ ‬بهذا‭ ‬الهدف‭. ‬المساواة‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬وهو‭ ‬الهدف‭ ‬الذى‭ ‬استمر‭ ‬طوال‭ ‬القرون‭ ‬الثلاثة‭ ‬الاخيرة،‭ ‬ومازالت‭ ‬تؤلف‭ ‬فيه‭ ‬الكتب،‭ ‬وتقوم‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬الثورات‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭ ‬الذى‭ ‬مرت‭ ‬به‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬المساواة،‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬لا‭ ‬يدعو‭ ‬بالمرة‭ ‬إلى‭ ‬التفاؤل‭.‬

إن‭ ‬تأمل‭ ‬ما‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬من‭ ‬فشل‭ ‬بعد‭ ‬فشل،‭ ‬وخيبة‭ ‬أمل‭ ‬بعد‭ ‬أخرى،‭ ‬جدير‭ ‬بأن‭ ‬يجعلنا‭ ‬نتوقف‭ ‬قليلا‭ ‬لنسأل‭ ‬عن‭ ‬السبب‭ ‬أولا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬نسأل‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كنا‭ ‬محقين‭ (‬مادام‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭) ‬فى‭ ‬تعليق‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الآمال‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬فى‭ ‬الواقع‭. ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الفشل‭ ‬فى‭ ‬تحقيق‭ ‬المساواة‭ (‬بل‭ ‬حتى‭ ‬فى‭ ‬الاقتراب‭ ‬منها‭) ‬ليس‭ ‬مقصورا‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬دون‭ ‬أخرى،‭ ‬بل‭ ‬نشاهده‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬ككل‭. ‬وهو‭ ‬فشل‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬المساواة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬بين‭ ‬شرائح‭ ‬المجتمع،‭ ‬فى‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭ ‬الواحدة،‭ ‬بل‭ ‬يظهر‭ ‬أيضا‭ ‬فى‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬بعضها‭ ‬ببعض،‭ ‬وبين‭ ‬المنتمين‭ ‬لأجناس‭ ‬مختلفة،‭ ‬ولأديان‭ ‬مختلفة،‭ ‬وكذلك‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭.‬

لقد‭ ‬قدم‭ ‬توماس‭ ‬بيكيتى‭ (‬T‭. ‬PIKETTY‭) ‬مؤلف‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬قدرا‭ ‬وافرا‭ ‬من‭ ‬الاحصاءات‭ ‬التى‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬طوال‭ ‬مدة‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬قرنين،‭ ‬وفى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬العشرين، ‬إذ‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬إحصاءات‭ ‬موثوق‭ ‬بها‭ ‬لعدد‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬أو‭ ‬لفترة‭ ‬زمنية‭ ‬أطول‭)‬،‭ ‬كانت‭ ‬المجتمعات‭ ‬تبعد‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬هدف‭ ‬المساواة،‭ ‬باستثناء‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬أربعين‭ ‬عاما‭ (‬هى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وربع‭ ‬القرن‭ ‬التالى‭ ‬للحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭) ‬وهى‭ ‬فترة‭ ‬حدثت‭ ‬فيها‭ ‬أحداث‭ ‬استثنائية‭ ‬يصعب‭ ‬تكرارها‭ (‬ الأزمة‭ ‬العالمية،‭ ‬ثم‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية،‭ ‬ثم‭ ‬تدخل‭ ‬الدولة‭ ‬لإعادة‭ ‬توزيع‭ ‬الدخل‭ ‬مما‭ ‬عرف‭ ‬بدولة‭ ‬الرفاهية‭) ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فلا‭ ‬يجوز ‬أن‭ ‬نتوقع‭ ‬تكرارها‭ ‬فى‭ ‬المستقبل‭ ‬المنظور،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬غير‭ ‬المنظور،‭ ‬مالم‭ ‬توجد‭ ‬ظروف‭ ‬استثنائية‭ ‬جديدة،‭ ‬تدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬بذل‭ ‬جهد‭ ‬غير‭ ‬عادى‭ ‬لوقف‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬اللا‭ ‬مساواة‭.‬

لابد‭ ‬أن‭ ‬يستولى‭ ‬علينا‭ ‬العجب‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬مصير‭ ‬فكرة‭ ‬تتفق‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬مع‭ ‬الفطرة‭ ‬السليمة،‭ ‬ودعت‭ ‬اليها‭ ‬كل‭ ‬الأديان‭ ‬الكبرى،‭ ‬وكانت‭ ‬محوردعوات‭ ‬كثيرين‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المصلحين‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العصور،‭ ‬ومنهم‭ ‬فلاسفة‭ ‬التنوير‭ ‬فى‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬ودعاة‭ ‬الاشتراكية،‭ ‬وقامت‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬ثورة‭ ‬بعد‭ ‬أخرى،‭ ‬فى‭ ‬بلاد‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬ثورة‭ ‬مصر‭ ‬الأخيرة‭ ‬فى‭ ‬2011‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬ترتفع‭ ‬فيها‭ ‬الآمال،‭ ‬ويسود‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأننا‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬تحقيق‭ ‬هدف‭ ‬المساواة،‭ ‬يحدث‭ ‬ما‭ ‬يخيب‭ ‬هذه‭ ‬الآمال‭.‬

فالثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬قرب‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر،‭ ‬التى‭ ‬جعلت‭ ‬المساواة‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬أهدافها‭ ‬الثلاثة‭ ‬الكبرى،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬مارس‭ ‬قادتها‭ ‬الإرهاب‭ ‬باسم‭ ‬الثورة،‭ ‬فأطاح‭ ‬هذا‭ ‬بالهدف‭ ‬وبالأمل‭ ‬فى‭ ‬تحقيقه،‭ ‬ومهد‭ ‬الطريق‭ ‬لعهد‭ ‬جديد‭ ‬وطويل‭ ‬من‭ ‬التمييز‭ ‬الطبقى‭. ‬والثورة‭ ‬الروسية،‭ ‬فى‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬التى‭ ‬قامت‭ ‬باسم‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬دون‭ ‬غيره،‭ ‬سرعان‭ ‬أيضا‭ ‬ما‭ ‬جلبت‭ ‬عهدا‭ ‬من‭ ‬الارهاب‭ ‬أوجد‭ ‬طبقة‭ ‬عليا‭ ‬حديثة‭ ‬تمارس‭ ‬القهر‭ ‬باسم‭ ‬المساواة‭.‬

وفى‭ ‬أعقاب‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬رفع‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬ودرو‭ ‬ويلسون‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬حق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‮»‬‭ ‬الذى‭ ‬استقبلته‭ ‬شعوب‭ ‬البلاد‭ ‬المستعمرة‭ ‬بالترحيب،‭ ‬ورفع‭ ‬آمالها‭ ‬فى‭ ‬قرب‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقلال،‭ ‬ولكن‭ ‬الاستعمار‭ ‬استمر‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬لمدة‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاما،‭ ‬ولم‭ ‬يعقبه‭ ‬استقلال‭ ‬حقيقى‭ ‬أو‭ ‬حصول‭ ‬الدول‭ ‬الفقيرة‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬بل‭ ‬حل‭ ‬محله‭ ‬استعمار‭ ‬جديد‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬ألطف‭ ‬مظهرا‭ ‬ولكنه‭ ‬ليس‭ ‬أقل‭ ‬قهرا‭.‬

كنا‭ ‬نظن‭ ‬أن‭ ‬الحروب‭ ‬الدينية‭ ‬والاقتتال‭ ‬بين‭ ‬أصحاب‭ ‬المذاهب‭ ‬الدينية‭ ‬المختلفة‭ ‬أشياء‭ ‬تنتسب‭ ‬إلى‭ ‬عصور‭ ‬قديمة‭ ‬سميناها‭ ‬العصور‭ ‬المظلمة‭ ‬ولكن‭ ‬ها‭ ‬نحن‭ ‬اليوم‭ ‬لانزال ‬نرى‭ ‬اقتتالا‭ ‬بين‭ ‬أصحاب‭ ‬الديانات‭ ‬والمذاهب‭ ‬المختلفة،‭ ‬يدعى‭ ‬بعضهم‭ ‬أنهم‭ ‬يريدون‭ ‬استعادة‭ ‬مجد‭ ‬أحد‭ ‬الأديان‭ ‬ولكنهم‭ ‬يجدون‭ ‬من‭ ‬اللازم‭ ‬لتحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬ذبح‭ ‬بعض‭ ‬المنتمين‭ ‬لأديان‭ ‬أخرى‭.‬

ها‭ ‬نحن‭ ‬نرى‭ ‬أيضا،‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬قرن‭ ‬ونصف‭ ‬على‭ ‬تحرير‭ ‬العبيد‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أمثلة‭ ‬تتكرر‭ ‬عبر‭ ‬فترات‭ ‬قصيرة‭ ‬حيث‭ ‬نرى‭ ‬معاملة‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الشرطة‭ ‬البيض،‭ ‬لأمريكيين‭ ‬من‭ ‬السود،‭ ‬تنطوى‭ ‬على‭ ‬شعور‭ ‬دفين‭ ‬بالتفرقة‭ ‬العنصرية‭ ‬وها‭ ‬قد‭ ‬مر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرن‭ ‬على‭ ‬حصول‭ ‬المرأة‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬البلاد‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬الترشح‭ ‬والانتخاب‭ ‬للبرلمان،‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة‭ ‬مع‭ ‬الرجل،‭ ‬ونحو‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬على‭ ‬اشتداد‭ ‬الحركة‭ ‬النسوية‭ ‬التى‭ ‬تطالب‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المساواة،‭ ‬ولكننا‭ ‬لا نزال‭ ‬نسمع‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬عن‭ ‬أحداث‭ ‬جديدة‭ ‬تتعرض‭ ‬فيها‭ ‬المرأة‭ ‬للتحرش‭ ‬الجنسى،‭ ‬فى‭ ‬البلاد‭ ‬المتقدمة‭ ‬والأقل‭ ‬تقدما‭ ‬على‭ ‬السواء،‭ ‬بينما‭ ‬يزيد‭ ‬استخدام‭ ‬المرأة‭ ‬والجنس‭ ‬كأداة‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬الحملات‭ ‬التجارية‭ ‬لترويج‭ ‬السلع‭.‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭ ‬لا‭ ‬يصبح‭ ‬أمامنا‭ ‬إلا‭ ‬التسليم‭ ‬بأن‭ ‬عقبات‭ ‬كأداء‭ ‬تقف‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬تحقيق‭ ‬المساواة‭ ‬المنشودة،‭ ‬وبأن‭ ‬هذه‭ ‬العقبات‭ ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬فقط‭ ‬بنوع‭ ‬النظام‭ ‬السياسى‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعى‭ ‬السائد،‭ ‬بل‭ ‬تتعلق‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬بشىء‭ ‬يقع‭ ‬فى‭ ‬صميم‭ ‬الطبيعة‭ ‬الإنسانية‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يصعب‭ ‬استئصاله‭.‬

هل‭ ‬هذه‭ ‬العقبة‭ ‬الكأداء‭ ‬هى‭ ‬الشره‭ ‬الإنسانى‭ ‬إلى‭ ‬جمع‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الثروة،‭ ‬والمزيد‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬إشباعا‭ ‬لرغبة‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الغير؟‭ ‬فالشره‭ ‬إلى‭ ‬المال‭ ‬يدفعك‭ ‬دفعا‭ ‬إلى‭ ‬حرمان‭ ‬الآخرين‭ ‬منه،‭ ‬وإشباع‭ ‬الرغبة‭ ‬فى‭ ‬السيطرة‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬بين‭ ‬غير‭ ‬المتساوين‭.‬

والناس‭ ‬يبدأون‭ ‬حياتهم‭ ‬غير‭ ‬متساوين،‭ ‬فى‭ ‬الذكاء‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‭ ‬العائلى،‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬ميراثهم‭ ‬من‭ ‬الأجداد،‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬القوة‭ ‬الجسمانية‭ ..‬الخ‭. ‬ قد‭ ‬يدفعهم‭ ‬الشره‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬والسيطرة‭ ‬إلى‭ ‬بذل‭ ‬الجهد‭ ‬للحول‭ ‬دون‭ ‬محاولة‭ ‬الآخرين‭ ‬للحاق‭ ‬بهم،‭ ‬بل‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يتورعون‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬قوة‭ ‬الدولة‭ ‬لصالحهم،‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬الشرطة‭ ‬والجيش‭ ‬والبيروقراطية‭ ‬الحكومية‭.. ‬الخ،‭ ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬يؤدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الابتعاد‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬عن‭ ‬المساواة‭. ‬بهذا‭ ‬يمكن‭ ‬تفسير‭ ‬فشل‭ ‬الثورات‭ ‬التى‭ ‬تقوم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬المساواة‭ ‬فى‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الواحد،‭ ‬وفشل‭ ‬الدول‭ ‬الفقيرة‭ ‬فى‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬سيطرة‭ ‬الدول‭ ‬الأقوى‭ ‬منها،‭ ‬وفشل‭ ‬الجميع‭ ‬فى‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬العنصرى‭ ‬أو‭ ‬الدينى‭ ‬أو‭ ‬التمييز‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭.‬

لقد‭ ‬عبر‭ ‬مختلف‭ ‬الكتاب‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ (‬أى‭ ‬الشره‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬والقوة‭) ‬بطرق‭ ‬مختلفة‭. ‬ففى‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬عبر‭ ‬جورج‭ ‬أدرويل‭ ‬مثلا،‭ ‬عن‭ ‬استغرابه‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬الإنسان‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نجح‭ ‬فى‭ ‬تطوير‭ ‬قوته‭ ‬الانتاجية‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذى‭ ‬يجعلها‭ ‬كافية‭ ‬لاشباع‭ ‬الحاجات‭ ‬الضرورية‭ ‬للناس‭ ‬جميعا،‭ ‬منصرفا‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك،‭ ‬بل‭ يتفنن‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬ابتداع‭ ‬وسائل‭ ‬جديدة‭ ‬لضمان‭ ‬استمرار‭ ‬القهر‭.‬

وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬بقرن‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬عبر‭ ‬المفكر‭ ‬الإنجليزى‭ ‬جون‭ ‬استيوارت‭ ‬ميل‭ ‬عن‭ ‬رأيه‭ ‬فى‭ ‬المساواة‭ ‬بقوله‭ ‬إنه‭ ‬لو‭ ‬خير‭ ‬بين‭ ‬الاشتراكية‭ ‬والرأسمالية‭ ‬لاختار‭ ‬الاشتراكية،‭ ‬ولكن‭ ‬تطبيقها‭ ‬يتطلب‭ ‬أن‭ ‬تتغير‭ ‬الطبيعة‭ ‬الإنسانية‭ ‬أولا‭. ‬وفى‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬سخر‭ ‬كارل‭ ‬ماركس‭ ‬بشدة‭ ‬من‭ ‬أولئك‭ ‬المفكرين‭ ‬الاشتراكيين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يتصورون‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬إقناع‭ ‬الرأسماليين‭ ‬بأن‭ ‬يتنازلوا‭ ‬طوعا‭ ‬عن‭ ‬امتيازاتهم‭ ‬للفقراء،‭ ‬وقال‭ ‬إنه‭ ‬لابديل‭ ‬لتحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬القوة،‭ ‬أى‭ ‬الثورة‭. ‬ولكن‭ ‬ها‭ ‬نحن‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬الطبيعة‭ ‬الإنسانية‭ ‬قد‭ ‬أثبتت‭ ‬أنها‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬الثورة،‭ ‬وأن‭ ‬الزعماء‭ ‬الماركسيين،‭ ‬متى‭ ‬تسلموا‭ ‬الحكم،‭ ‬ليسوا‭ ‬بالضرورة‭ ‬أقل‭ ‬شرها‭ ‬من‭ ‬غيرهم‭ ‬للمال‭ ‬أو‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬للاثنين‭ ‬معا‭.‬

(‬للحديث‭ ‬بقية‭(


لمزيد من مقالات د‏.‏ جلال أمين

رابط دائم: