رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

يوسف إدريس يصحح أعماله

هذه هى المجموعة الأولى التى تصدرها كاتبة جادة هى «هند جعفر». تواصل دار ميريت للنشر بها تقديمها للأصوات الجديدة التى تستحق الدعم والتشجيع.

 معدن الكاتب يمكن اكتشافه من السطور الأولي. على الرغم من العنوان «عدودة» فانك فى أول قصص المجموعة (19 قصة) ترى واضحا أن عند الكاتبة ما تقوله.. وأنها تجتهد وتتعب كى توصله لك فى أكمل وجه. هذا هو عناء.. أو هم الكاتب. رغم ثقل الكلمة: «هم» فإن غياب هذا المعنى يجعل من الكتاب «قش وتبن وتراب». التعبير عن «الهم» بجمال وبساطة! هل يمكن أن تكون هذه هى المشكلة. احتمال: أظن ذلك! رغم أن اسم المجموعة (عدودة) (اسم دلع للتعديد والبكاء) فإن المجموعة مزدحمة بتجارب تدفع بدماء طازجة فى عروق القصة القصيرة، التى أضناها الهجر والتجريب التخريبى المفتعل. استعراض وتراقص كثير من الكتاب الجدد لقشور الثقافة، والخيالات المسطحة قدمت لنا عددا غير قليل من التجارب المدعاة المزيفة. للجملة الصادقة معدن ورنين.


{ فى مجموعة هند جعفر جرس صادق تحب أن تنصت إليه، أعتذر عن الاطالة ولكن هذا أول تعرفى وفرحى بقلم جديد! هند من مواليد الاسماعيلية 1985 تعيش فى الاسكندرية، تعمل وتدرس الفلسفة والمخطوطات فى مراكز البحث والتراث: بمكتبة الاسكندرية. «حائط صد» قصتها الأولى تكشف عن عمق تأثير عمليات التهجير التى تمت لمدن القناة، الممتد حتى لأجيال جديدة لم تعاصر حرب 56 أو 67 الحائط المبنى فى مدخل البيت القديم أيام الحرب، حائط مبكي، يذكرها بتاريخ أحزان الوطن. حائط مبكى يبقى احساسنا بعدو الشرق مهما جدت أعداء داخلية. رغم أن المبنى القديم قد هدم فإن عجوزا يراقب هدم جدار الصد. طب لو قامت حرب هنلحق نبنى واحد تاني؟! قلق وترقب وانتظار. هناك قلق تحمله الروح والعائلة التى تم تهجيرها: انتقالنا من سكن لآخر وهو الأمر الذى تكرر سبع مرات فى الأربع سنوات الأخيرة؟


الاسلام لا يعرف طقس الاعتراف الذى تفرغ فيه الروح الشعور بالذنب بين يدى الكاهن. تظل الروح تحمل شعور الذنب وتسأل: هل أنا لا أكذب لأن الكذب حرام أم لأنه عيب أخلاقى يسيء لى ولغيري.. وهل عبد الناصر نصف إله. وهرقل عروبى لم يتم تقديره، أم له مآثر ومساويء. و67 هل هى نكسة أو هزيمة أم هى اغتصاب: لم نحارب لنهزم؟! أغلب شخصيات (أو خيالات المجموعة) محصورة ضيقة «الخلق والمثانة» كما يقول أستاذ القصة القصيرة «الشاروني» التى لم تذكره الكاتبة ولكن توقفت عند الأستاذ الآخر: يوسف أدريس، الذى بعثته حيا فى قصتها المحكمة «رؤيا» وهى واحدة من «أكمل وأدق» قصص المجموعة. فيها يريد «الفارس المتأنق الجميل» فى زيارة حلمية للكاتبة أن يدخل بعض التعديلات على قصة «مشوار» فى مجموعة «أرخص ليالي»، التى أسست للقصة الواقعية الجديدة. فى الحلم يقول أدريس للكاتبة:


ـ ماذا استفدنا من جعل الحياة أكثر واقعية مما هى عليه. ألم يكن من الأفضل ترك بعض الأمل بدلا من نثره كله فى الهواء باسم الواقعية!


تفرح الكاتبة بزيارة أدريس الحلمية، ولكنها تعترض على تعديلاته على قصة: «نظرة» و «مشوار». فترك حلمها صاخبا غاضبا كعادته ويقول: لساك أهبل!


قصة «رؤيا» فى المجموعة تكشف عن خصائص وموقف «هند جعفر» كما تكشف قدرتها على بناء قصة قصيرة محكمة. «حديث الأخرس» قصة معاصرة مرة عبرت فيها الكاتبة من خلال قصة قصيرة كلاسيكية البناء حديثة المضمون عن مشكلة الحرية والتعبير، وعن علاقة السلطة بالمواطن دون شعارات أو صراخ ولكن من خلال تعبير صادق موجع وشخصية مبنية باقتصاد قصصى ماهر وجمل صادمة حسنة البناء: «الأماكن الموحشة لا تتغير بسهولة» الواقع غير محدد الملامح يتحرك فيه الأب مع ابنه «الأخرس» الذى يحمل وعيا صادما بالواقع، بحيث يدرك أن والده يستعمل عاهته «كأننى عورتك ما أن تكشف عنها الغطاء حتى يدير الكل رأسه». ومع ذلك يحب الأخرس صوت والده وهو يقرأ القرآن وهو يقهقه وهو غاضب وهو يقول له يوم أن يتزوج وينتقل مع عروسه إلى بيت جديد (وإن كنت أخرس فيجب أن يكون لك الصوت الأعلى فى بيتك». يشترك الأخرس فى مظاهرة ما معترضا على أوضاع معينة، ويقع فى قبضة البوليس: «تكلم الرفاق بما يرونه وأفاضوا فى الخطب، وكتبت أنا. فى نشوة نادرة، ما أراه، ووقع فى يد الشرطة ما كتبت. ذهب ما تكلموا به أدراج الرياح ذهب بعيدا، وحمله الهواء إلى آذان من لا يسمعون. وظهرت أنا وحدى بصوتى المكتوم كمحرض وحيد. محرض بائس وأخرس.. وضربونى بأقدام ثقيلة، وصرخت كما لم أصرخ من قبل، حتى ظننت اننى «استعدت النطق» «لقد زرتنى يا أبى بعدها فى الحلم. بعد أن رحلت وغبت عن أحلامى سنين لماذا زرتنى فى الحلم؟ هل هى اشارة لأن آتى إليك؟! وهل يدخل الجنة أخرس! قصة جيدة الغزل وتقول أشياء كثيرة فى فنية طيبة. للكاتبة علاقة حية بالواقع وبالثقافة وبالتراث والمخطوطات القديمة. وهى تهدى مجموعتها لأمها التى علمتها المروءة. وتهدى القصة الأخيرة لبورخيس صاحب كتاب «الرمال»: والقصة تدور حول مخطوط دينى قديم لا يراه «إلا من يؤذن له» ، المجموعة تعد بمقدرة على تقديم قصة قصيرة جديدة مصرية.


لمزيد من مقالات علاء الديب

رابط دائم: