رئيس مجلس الادارة

عمـر سـامي

رئيس التحرير

عبد الناصر سلامة

رئيس التحرير

عبد الناصر سلامة

فيلم شديد القسوة والعمق يكشف زيف المتأسلمين
'‏السطوح‏'‏ يتوج الجزائري مرزاق علواش أميرا للأفلام العربية

أبو ظبي‏-‏ علا الشافعي
يأتي فيلم السطوح للمخرج الجزائري مرزاق علواش واحدا من الأعمال المميزة حقا‏,‏ والذي رغم إقامته في فرنسا إلا أن وطنه حاضر دوما في إبداعاته فهو معجون بمجتمعه‏,

يشعر جيدا بحجم التحولات والتناقضات التي يشهدها المجتمع الجزائري, علواش الذي حصد بفيلمه جائزة أفضل مخرج في العالم العربي في مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي في دورته الأخيرة, ونال أيضا جائزة فارايتي كأهم مخرج في الشرق الأوسط لهذا العام, يقدم في فيلمه' السطوح' صورة شديدة القسوة للمجتمع الجزائري, الذي يبدو لنا أنه علي وشك الانفجار- لذلك لم ينل الفيلم إعجاب عدد من الجزائريين ممن رأوا أنه فيلم شديد القتامة- فرد عليهم المخرج قائلا: تلك هي مدينتي الآن, ولكن حين أري الجزائر جميلة سأقدمها جميلة.
ويبدو أن سطوح علواش تحمل نظرة فنية وعميقة لجزء من المجتمع الجزائري, كما أن اختياره للسطوح فكرة شديدة الذكاء خصوصا, وأن للسطوح في مخيلتنا العربية الكثير من الإرث والذكريات والحنين, فسابقا كانت تمثل ملتقي للنساء والجيران وحاليا باتت أشبه بعشش صفيح في مجتمعات تزداد قبحا وعنصرية.
ويرصد المخرج عبر خمسة قصصإنسانية شرائح المجتمع الجزائري ويقدم صورة تنبض بالحياة لبلد يعاني من تناقضات كبيرة, وكأن العنف مازال يسكن العاصمة ولكنه عنف مكتوم في سبيله للانفجار, وعلي إيقاع الصلوات الخمس التي ترتفع بمواقيتها من مآذن الأحياء المختلفة في العاصمة, وتحديدا' حي باب الواد', و'القصبة' تتحرك كاميرا علواش من زوايا مختلفة, ومن خلال سيناريو شديد الذكاء لا يعتمد الحبكة التقليدية, بل يعتمد بناء السيناريو الذي كتبه المخرج نفسه علي الانتقال بين خمسة أسطح, ليرصد خمس حيوات لشخصيات ينهشها اليأس والخوف مما هو قادم.
فها هو أحد الأسطح تسكنه أسرة مكونة من أم تعيسة تعيش مع ابن مراهق ينهشه الضياع, ويبدو انه لا يفكر سوي في المخدرات وكيفية الحصول عليها ووالدته التي لا تتوقف عن التدخين والعويل, ونراها مهملة في نفسها بشعر منكوش, وإصرار دائم علي رفض الطعام, لنعرف أنها عذبت واغتصبت علي أيدي المقاتلين في سنوات العنف الإسلامي, وهي الأسرة البائسة والتي باتت مهددة بالطرد أيضا من السطوح الذي تسكنه, فلا تملك الأسرة إلا قتل صاحب المنزل عندما يأتي إليه لتنفيذ حكم الطرد, وتحديدا تلك المرأة البائسة التي اغتصبت وأهينت فتنهال علي رأس هذا الرجل لتهشمه وكأنها تنتقم من هذا المجتمع في صورته.
علي سطح آخر, في بناية خراسانية لم يتم الانتهاء منها تجري فرقة موسيقية بروفاتها مجموعة شباب بينهم المطربة جميلة الصوت, والمرتبطة عاطفيا بواحد من أعضاء الفرقة تتابعهم امرأة, رقيقة الملامح, وفي السطح المقابل تنشأ علاقة مودة صامتة مع مطربة, ولا نعرف اذا كانت العلاقة تقتصر علي المودة ومحاولة الاستنجاد بالآخر أم أن هذه المرأة تكره عنف الرجال, لذلك فمشاعرها باتت موجهة للنساء, ونشاهد شقيقها يضربها بوحشية, فتصرخ الفتاة الوحيدة في الفرقة في محاولة لنجدتها وفي مشهد شديد الرقة والعذوبةيكتفي فيه المخرج بلغة الإشارة بين مطربة الفرقة والفتاة المقهورة تصعد الفتاة لتقف فوق سور السطح, تودع المطربة وتلقي بنفسها فنسمع صوت ارتطام جسدها علي الأرض.
في الدور الذي يقع تحت سطح فريق الموسيقي يندمج ثلاثة رجال يشبهون رجال العصابات في تعذيب رجل بإغراق وجهه في دلو به ماء يشرف علي تعذيبه رجل يبدو شديد الأهمية, وتتكشف لنا المفارقة أن الرجلان شقيقان الضحية والجلاد اختلافا بعد شراكة ويموت الضحية ومعه3 آخرون من فريق تصوير تواجد في نفس المكان بالصدفة تم قتلهم حتي لا تكتشف جريمة ذلك الرجل المهم, والذي يحاكي رجالات المافيا في جبروته وفساده, وسطح آخر نشاهد عليه مجموعه من المتأسلمين المتشددين الذين يجتمعون فوق بناية شيخهم, والذي يبدو أنه قام بوضع شقيقه المتمرد في عشة فوق السطوح لا يراها المشاهد طوال أحداث الفيلم, فقط نسمع صوته وهو يحكي لابنة' المتشدد' عن بطولات فارس كان يأمل في تغيير وطنه, وأحيانا أخري نسمع همهمات أو صراخه.
'سطوح' هو الفيلم الثالث للمخرج للعام الثالث علي التوالي, وفيه عاد للعاصمة الجزائر بعدما صور فيلمه' التائب' العام الماضي في وهران, منتقدا فيه' قانون المصالحة الوطنية' الذي عفا عن مجرمي السنوات السوداء في الجزائر, فيما تناول فيلمه' نورمال' تساؤلات شباب الجزائر في مواجهة' الربيع العربي', ورغم أن علواش مخرج مخضرم إلا أنه لم يجلس منتظرا الدعم المادي من هنا أو هناك بل قام بانجاز فيلمه بكاميرا' هاي ديفنشن' وإمكانيات بسيطة, وقدم وجوها من الشباب الجدد المتحمسين للفن والذين عملوا معه بأجور بسيطة.
فيلم مرزاق رغم بساطته إلا أنه فيلم شديد العمق خصوصا, وأنه يعري المجتمع الجزائري وما وصل إليه, ويعطي أيضا إشارات تحدث نوعا من الإسقاط علي كل المجتمعات والعواصم العربية التي تضج بالتناقضات وعلي وشك الانفجار, كما أنه يحمل قسوة فنية في قطعات المخرج الحادة, حيث تكرس للفجوات العميقة التي باتت تحكم المجتمعات العربية. وكأن سطوح علواش الخمسة أحياء جزائرية, رصدها علواش بكاميرا تميل إلي التلصص في أغلب الأحيان علي مدار يوم كامل, وعلي إيقاع الصلوات الخمس وشريط صوت متميز حقا وأغنية معبرة عن تلك الحالة المتناقضة كافية لفضح حجم الزيف والتناقض الذي أصبحنا نعيش فيه, وتجار الدين والذين رغم دعواتهم وصلواتهم يحدث ما يحدث من قتل وعنف وتدليس وفساد.
وكأن علواش يصرخ في أذاننا هل صارت الصوات الخمس التي ترتفع من كافة المآذن فقط مجرد مواقيت لا تنهانا عن شئ, حيث باتت مهمة تجار الدين هي إفساد متعة الحياة, وأعتقد أن أجمل ما في فيلم علواش هو تلك الحالة الحرة في الإبداع فهو لم يشغل نفسه بخلق علاقات بمتشابكة بين هذه الشخصيات, وكأنه ترك شخوصه تتحرك بحرية لتعكس نموذجا لأناس نراهم في سطوح كافة العواصم العربية, وهوما أضفي علي الفيلم طزاجة تماثل قسوته وعمقه,والفيلم بطولة' عديله بندميراد, ناسيما بلميهوب, حسان بن زيراري, ومريم آيات الحاج', وسيناريو وحوار وإخراج مرزاق علواش, وتصوير فريدريك دير.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق