كان للكتاتيب دور أساسي في حفظ هوية مصر، كما كانت راعية للغة العربية أثناء الاحتلال البريطاني، وقد تخرج فيها رواد التنوير ورموز الفكر والثقافة والعلم ومنهم طه حسين ورفاعة الطهطاوي، إلى جانب عظماء الفقهاء والمشايخ ومنهم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وإذا قمت بزيارة المعرض العام المقام الآن في قصر الفنون بساحة الأوبرا فإن من أكثرالأعمال التي ستستوقفك هي أعمال الفنان أحمد عبد الجواد التي تجسد حكاية الكُتاب الذي ربما تعود جذوره في مصر إلى الحضارة الفرعونية بحسب كثير من الباحثين الذين يربطون بينه وبين"مدارس المعابد"، وهي مدارس كانت ترتبط بالمعابد الفرعونية وتمنح طلابها شهادة"كاتب تلقى المحبرة".
موضوعات مقترحة
ونستطيع عبر اللوحات الزيتية للفنان أحمد عبد الجواد بالمعرض أن نعيش أجواء من النوستالجيا مع تلاميذ الكُتاب، ونتخيل الصغار الذين لايتجاوز أعمار بعضهم ثلاث سنوات فقط وهم يخرجون من بيوتهم البسيطة حاملين الألواح الخشبية والأقلام متوجهين إلى الكُتاب عند شروق الشمس حيث كان يبدأ يومهم الدراسي في هذا التوقيت لينتهي بعد إقامة صلاة العصر، وخلال ذلك كان المعلم يجلس على كرسى أومصطبة مرتفعة عن الأرض، بينما يجلس طلابه التلاميذ أمامه على الأرض المفروشة بالحصير، وبالرغم من أنه لم يكن يمنحهم شهادات أو ألقابًا إلا أنه كان يغرس داخل الصغار بذور العلم والمعرفة واللغة؛ مما يسهم في مواجهة الأمية لاسيما في الريف من دون نفقات باهظة.
تميزت اللوحات بالصدق الفني والتعبير عن الزمن الجميل من خلال استخدام ألوان هادئة تأخذنا إلى "أيام الأبيض والأسود" وتثير داخلنا الحنين إليها، وتنقل مساحة اللون الأبيض لعمامة الصغار إلى المشاهد الإحساس بالتنوير.
ويُعد أحمد عبد الجواد من الفنانين المعاصرين للحركة التشكيلية، يقدم روائع منذ أربعين عامًا مستلهمًا أعماله من الحارة والفلكلور والمورثات الشعبية للريف، ويعبر دومًا عن الحالة الوجدانية للشعب، ويغوص في صميم التراث المصري.
ويقول عبد الجواد لـ"الواحة": إن المعرض العام يمثل عرسًا فنيًا يشارك به كبار فناني مصر، ويأتي هذا المعرض ببسمة الأمل وبهجة الألوان في الأعمال المختلفة، كما أنه يعبر بصدق عن نبض الشعب وطابع استقرار المجتمع، بعد أيام من المعاناة والانتظار الطويل، ويتميز هذا العام بدقة الاختيار وجمال التنسيق في القاعات، ولم يُعد المعرض العام مظاهرة عددية بقدر ما هو تقرير بصري أمين عن مستوى الحركة الفنية التشكيلية في مصر".