نحتفل هذه الأيام بالذكرى العطرة لمولد سيدنا النبي محمد عليه الصلاة والسلام والذى وصفه الله عز وجل في كتابه الكريم "وإنك لعلى خلق عظيم" ... فما أجمل ونحن نحتفي بذكراه المباركة أن نستحضر بداخلنا ولو جزءا من مكارم أخلاقه العظيمة وإرسائه لمبادئ القرآن الكريم مقتدين بسلوكه في التعامل مع الآخرين فقد بعثه الله ليكون القدوة للبشرية كافة. ويؤكد لنا رسولنا الكريم أن الدين المعاملة ومنهج وسرج منير للحياة البشرية فلا فرق بين عجمي على عربي إلا بالتقوى وترسيخ لمفهوم الإنسانية.
كان النبي عليه الصلاة والسلام قدوة للناس، وأسوة حسنة في تعامله وأخلاقه، ووصفه الله عز وجل، في كتابه بأنه صاحب الخلق العظيم، ورحمة للعالمين الذي جاء بالوحي والرسالة ليخرج الناس من الظلمات إلي النور، وحينما نتأمل في سيرة سيدنا رسول الله نتعلم الكثير من الدروس والعبر المستفادة، والتي لابد أن تصبح منهجنا في الحياة وكيفية التعامل مع الآخر مهما اختلف معنا بثقافته أو لغته وأيضا ديانته.
ويقدم لنا رسولنا الكريم فقه التعامل مع أهل الكتاب دون انتقاص من إنسانيتهم أو التقليل من شأنهم مؤكدا لنا أن القرآن الكريم بما أنزل علينا هو منهج للحياة وعلى مدى الحياة لا تتغير سننه بل على العكس تؤكد لنا الشواهد والأحداث مدى احتياجنا للتمسك بمنهجه والاقتداء به، ولاسيما ظهور جماعات إرهابية متطرفة الفكر وجامدة العقل وعنف الفعل.
تلك الجماعات المتطرفة صاحبة الأغراض المستهدفة والمتسترة بغطاء الدين لتحقيق أطماعها باحثة عن الخراب والدمار ولا تجد غايتها إلا فى التفكيك ونثر بذور الشر وإشعال الفتن متغافلين عن قول الله عز وجل: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفو إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )، صدق الله العظيم، وصدق رسولنا الكريم فتبليغ الرسالة قولا وفعلا، حيث تتجلى الشواهد وتتعاظم من خلال قصصه فى التعامل مع الآخرين مؤكدا لنا أن الإسلام يسعى لبناء المجتمع الإنساني، فما أروع المواقف التي علمنا أياها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها على سبيل الذكر لا الحصر حينما مرت به جنازة يهودي فقام، فقيل: إنه يهودي. فقال : "أليست نفسا"، فهذا سيدنا النبي يعلمنا كيفية احترام الآخرين حتى لو من غير المسلمين بل حتى الموتى منهم فما بالك بالأحياء فيكفي أنهم أهل كتاب ؟!
وصور السماحة في سيرته العطرة كثيرة كرحمته بجميع الخلق، لقوله تعالى: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) وتجاوزه عمن عاداه بل تقديم درس لأعدائه بالموعظة الحسنة ليكون رحمة للناس كافة سواء مسلمين أو غير مسلمين فكان مثالا للكمال البشري في جميع علاقاته سواء مع خالقه أو مع خلق الله أجمعين.
فالإسلام يسعى لبناء المجتمع مع اختلاف فئاته وطوائفه وفي ظل التحديات التى نعيشها ومحاولات بغيضة مستهدفة المجتمع وتفكيك نسيجه الواحد بادعاءات مغرضة لا يأتى من ورائها إلا الخراب والدمار على الإنسانية كلها، مقتضى الأمر يستوجب أن نتحصن بسلوك نبينا الكريم ومنهج قرآننا العظيم والعمل به فى كل تعاملاتنا مع الآخرين سواء داخل مجتمعنا الذي يجمعنا على أرض واحدة تحت سماء خالقها الواحد، أو التعامل مع الدول الأخرى تأكيدا على التفاعل الإيجابي وتبادل الثقافات المختلفة والتعارف من أجل التآلف والتعاون بالمحبة الصادقة لإعلاء مبدأ واحد هو الإنسانية فكلنا واحد والوطن للجميع.
زينب المنباوي