بقلم أ.د. عبد الحليم منصور:
موضوعات مقترحة
من المعلوم فقهًا أنه يحرم الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية لما قد يترتب على ذلك من الوقوع فى المحظور، وهذا من باب إقامة المظنة مقام المظنون، وأيضًا من باب سد الذريعة، قال ابن القيم: "وحرم الإسلام الخلوة بالمرأة الأجنبية والسفر بها والنظر إليها لغير حاجة حسمًا للمادة وسدًا للذريعة".
وعن بن عبَّاسٍ رضى الله عنهما أنَّهُ سمع النبى يقول: "لا يَخلُوَنَّ رجُلٌ بِامرَأَةٍ ولا تُسافِرَنَّ امرَأَةٌ إلا ومَعَهَا مَحرَمٌ فقَامَ رجُلٌ فقال: يا رسُولَ اللّهِ اكتُتِبْتُ فى غَزوَةِ كذا وكذا وخَرَجَتْ امرَأَتِى حاجَّةً قال: اذهَبْ فحُجَّ مع امرَأَتِكَ" رواه البخارى.
وعن عُقْبةَ بن عامِرٍ أنَّ رسُولَ اللّهِ قال: "إِيّاكُمْ والدُّخُولَ على النِّساءِ فقال رجُلٌ من الْأنْصَارِ يا رسُولَ اللّهِ فرأيت الْحمْوَ قال الْحمْوُ الْموْتُ" رواه البخارى.
ويقول أيضًا: "ألا لا يخْلُوَنَّ رجُلٌ بِامْرأَةٍ إلا كان ثالِثَهُمَا الشيطان".
من خلال ما سبق تضح بجلاء حرمة الخلوة بين الرجال والنساء الأجانب، حسما لمادة الفتنة والمعصية التى يمكن وقوعها من جراء ذلك.
ولكن التكنولوجيا المعاصرة أفرزت نوعًا جديدًا من الخلوة بمكن أن يطلق عليه الخلوة الإلكترونية، أو الخلوة الافتراضية، وهذه قد تكون مرئية، أو غير مرئية، فإذا كانت الخلوة غير مرئية، عن طريق الكتابة، لأمر مهم، يتعلق بضرورات الحياة وحاجاتها، كنحو سؤال علمى، أو دينى، أو حول أمر يتعلق بالعمل، أو بأمور الحياة بشكل عام، ودعت إلى ذلك حاجة، أو ضرورة، فلا بأس بذلك فى حدود الضوابط الآتية:
أن يكون هناك داع لهذه المحادثات، كأن تكون هناك حاجة، أو ضرورة تنزل منزلتها، وأن تقدر بقدرها، دون استطراد فيما لا يفيد، وأن يكون الحديث فى أمور مأذون بها شرعًا، كأمر بمعروف، أو نهى عن منكر، وألا يكون هناك خضوع بالقول، أو الكلام، أو الخروج على آداب الإسلام، دون استطراد فيما لا يجدى أو يفيد، فإذا كان الأمر على هذا النحو وفى إطار الضوابط سالفة الذكر، فإنه يتأتى القول بالجواز والمشروعية، أما إذا كان الكلام لأجل التسلية، أو لغير غرض معتبر، فإنه يكون محرمًا.
أما الخلوة الإلكترونية المرئية إذا كانت لغرض صحيح مأذون فيه شرعًا كأن يرى الخاطب المسافر مخطوبته، بأن يرى الوجه والكفين، فى حدود ضوابط الشرع، فلا بأس بذلك، على أن يقدر هذا الأمر بما تدعو إليه الحاجة، أو الضرورة، دون توسع فى هذا الأمر، أو خضوع بالقول بينهما، أو تجاوز .
أما إذا كانت الخلوة الإلكترونية المرئية لغير غرض معتبر سوى التسلية بين الرجال والنساء، فإنها تكون محرمة شرعًا، لأنها تؤدى إلى الحرام، والقاعدة الشرعية أن ما أدى إلى الحرام فهو حرام شرعًا، ولأنه ذريعة إلى الزنا المحرم شرعا، ولأن فيه نظرا إلى ما محرم الله عز وجل، قال تعالى: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" سورة النور . ويقول عليه الصلاة والسلام: "النظرة سهم من سهام إبليس من تركها خوفًا من الله آتاه الله إيمانًا يجد حلاوته فى قلبه" وعندما سئل عن نظر الفجأة قال: "اصرف بصرك".
من خلال ما يتقدم بتضح بجلاء أن المسلم يجب أن يكون تصرفه منضبطًا ومحكومًا بإطار الدين الحنيف وقواعده، فى محادثاته مع النساء الأجانب، وإلا فلا يجوز ذلك إذ الخلوة ههنا محرمة، وكذا لو كانت مرئية لغير حاجة، أما إن كانت لغرض صحيح، وحاجة ملحة فيجوز فى حدود هذه الحاجة دون توسع أو إسراف .
أستاذ الفقه المقارن بجامعتى الأزهر
والجامعة القاسمية– الشارقة