تعتبر ملحمة "جلجامش" واحدة من روائع الأدب العالمي، فهى على درجة كبرة من الرقى كما يصفها الأدباء والشعراء والأثريون، ويؤكد الدكتور حامد طاهر فى دراسته عن الملحمة، أن أساطير العصر الحديث المتمثلة فى أفلام حرب النجوم، وغزو الفضاء ومغامرات الرجل العنكبوت والتى مازالت تحقق أعلى نسبة مشاهدة فى عصرنا لاتختلف عن ذلك العالم الذي قدمه "جلجامش" فى عالمه القديم، وهو يبحث عن الحياة، إلى أين تسعى بك القدم، وأنالحياة التى تبحث عنها لن تجدها، مؤكدا أن الألواح التى كانت تتجاوز الألف من الخط المسماري، والتى وجدت فى المكتبات القديمة فى أماكن متفرقة فى أشور، وأيضا فى مجدو بفلسطين ، والتى ذكرتها التوراة.
موضوعات مقترحة
تقول بعض مقاطع الملمحة:"هو الذي رأى كل شيىء فغنى بذكره يا بلادى، وهو الذي جمع خبر جميع الأشياء وأفاد من عبرها لقد أبصر الأسرار".
بدوره يقول الأثري الدكتور شريف شعبان لــ"بوابة الأهرام " إن ملحمة جلمامش تعد من أهم وأقدم الملاحم في تاريخ الأدب، وثاني أقدم نص ديني بعد "نصوص الأهرام" المصرية، وقد بدأت الملحمة بخمس قصائد بالسومرية من عصر سلالة أور الثالثة، واستُخدمت هذه القصص المتفرقة فيما بعد كمصدر مرجعي لقصيدة ملحمية مجمّعة في اللغة الأكادية التى كانت هى لغة الدبلوماسية فى العالم القديم، وتحمل أقدم نسخة متبقية من تلك الملحمة المجمّعة اسم «البابلي القديم»، ويعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وتنقسم الملحمة إلى جزئين: يدور الجزء الأول من القصة عن جلجامش ملك الوركاء، وإنيكدو، وهو رجل جامحٌ خلقته الآلهة لوضع حدّ لطُغيان جلجامش على شعب الوركاء بعد أن يتأنسن إنيكدو عبر إقامته علاقة جنسية مع مومس، ينطلق إلى مملكة الوركاء، حيث يطلب تحدّي جلجامش لاختبار مقدار قوته.
لقد مر على ملمحة "جلجامش" آلاف السنين ومازالت تحمل التأثير لمن يقرأها فهى تقدم الصراع الأنسانى، وقد استلهما شعراء كبار مثل محمود درويش فى قصيدته أنيكيدو، ويؤكد الدكتور حامد طاهر فى دراسته، أن الملمحة تمثل الصداقة العميقة وأهميتها، وهى مكتوبة بالشعر وقد تتخلها مقاطع نثرية " لقد أبصر الأسرار وعرف الخفايا المكتوبة وجاء بأنباء ماقبل الطوفان"، مؤكدا أن النصوص تمت ترجمتها للعديد من اللغات ، وقد أنجز الأثري العراقى الكبير محمد باقر طه ترجمة لها باللغة العربية أيضا .
ويؤكد الأثري شريف شعبان، أن الملحمة تظهر فوز جلجامش في التحدي على أنكيدو، ومع ذلك، يصبح الرجلان صديقين، وينطلقان معًا في رحلة تدوم لستة أيام إلى غابة الأرز السحرية، حيث يخططان لقتل الحارس، خومبابا الرهيب، وقطْع شجرة الأرز المقدسة لتُرسل الإلهة عشتار ثور الجنة لعقاب جلجامش على رفضها التقرّب منه، يُقتل جلجامش وإنيكدو ثور الجنة، وعلى أثر ذلك يتخذ الآلهة قرارهم بالحُكم على إنكيدو بالموت، ويقتلونه.
يدفع الأسى على موت إنكيدو بجلجامش إلى القيام برحلة طويلة محفوفة بالمخاطر لاكتشاف سرّ الحياة الأبدية، وفي نهاية المطاف يكتشف أن "الحياة التي تسعى في إِثرها لن تنالها أبدًا؛ لأن الآلهة عند خلقِها البشر، جعلت الموت من نصيبهم".
ويأتي التشابه الكبير بين فحوى الملحمة بما ورد في الكتاب المقدس من حيث فكرة الخروج من الجنة والطوفان ورحلة البحث عن الخلود، حيث تشير الاسرائيليات إلى سبب الصاق تهمة الخروج من الجنة إلى السيدة حواء وما يقابله من تحويل إنكيدو لشخص كامل البشرية لعلاقته بامرأة، كما وصف العديد من علماء الكتاب المقدس مدى الشبه في وصف الطوفان بين الملحمة وما ذكر في العهد القديم، مؤكدا أن فى مصر القديمة تم اكتشاف ألواح مكتوبة بالخط المسماري، حيث الرسائل المتبادلة بين أخناتون وحكام العراق القدم.
وأوضح أنه على عكس ما ترى حضارة بلاد النهرين الطوفان باعتباره أداة تدمير وهلاك، فإن الحضارة المصرية القديمة كانت تبجل الفيضان أيما تبجيل حين كان يتم الاحتفال السنوي بفيضان النيل الذي يعد من أهم الروافد الاقتصادية للحضارة المصرية القديمة، بينما كان انحسار الفيضان وحلول الجفاف من أشد الكوارث التي سجلتها نصوص مصر القديمة مثل عصر المجاعة الذي مر بعهد الملك زوسر وسجل كأسطورة في إحدى صخور جزيرة سهيل في العصر اليوناني الروماني تحت اسم لوحة المجاعة.
الجدير بالذكر أن محكمة فيدرالية في نيويورك، أمرت بتسليم قطعة أثرية قديمة لجلجامش، وقع شراؤها في مزاد مقابل 1.6 مليون دولار في عام 2014م ، وقال مسئولون حسب ما أوردت وكالات أنباء عالمية ومحلية ، إن القطعة الأثرية نُهبت من العراق بعد حرب الخليج الأولى واستوردت بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة بعد بيعها في لندن لتاجر أمريكي في عام 2003م، وصادرت الحكومة الأمريكية اللوح الطيني الذي يبلغ عمره 3500 عام، والذي يحمل سلسلة من ملحمة جلجامش، والذي كان موجودا في متحف الكتاب المقدس بواشنطن، في عام 2019م.
لوحة حلم جلجامش لوحة حلم جلجامش لوحة حلم جلجامش